
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
أعاد مسلسل (إقامة جبرية) اكتشاف الفنانة (هنا الزاهد) والذي أطلقت فيه العنان لموهبتها التمثيلية متجاوزة الصورة النمطية التي ألفها الجمهور عنها منذ بدايتها وحتى ماقبل عرض هذا المسلسل الذي جاء كانقلاب في مسارها الفني.
قليلة دراما الرعب والإثارة في العالم العربي، وقليل القليل هو الذي يمكنه أن يشغل تفكيرك ويستحوذ إعجابك، ولا يكون واحداً من الأعمال الكثيرة جداً التي تعرضها المنصات والشاشات لمجرد التسلية وقتل وقت الفراغ.
ومن قليل القليل المتميز في هذا النمط الدرامي مسلسل (إقامة جبرية) الذي انتهى عرضه مؤخراً، لا ترهقك مشاهدته حيث تدور أحداثه في 10 حلقات فقط، وبعد أن تشاهد الحلقة الأخيرة تكتشف أنك كنت تتمنى لو طال قليلاً، وذلك بخلاف المسلسلات الطويلة المملة التي تأخذك لتدور معها في الفراغ.
(إقامة جبرية).. غوص درامي في أعماق نفس بطلته (سلمى)، الفتاة الجميلة الرقيقة التي تجمعت داخلها العقد والأمراض النفسية لتحولها إلى شخصية سيكوباتية مجنونة تقتل من يرتبطون بها وتؤذي من يفكر في أخذ ما تريده لها.
حتى ولو بدون قصد، تمارس الكذب على أقرب الناس، ولديها مثل الكثير من المجرمين مهارات في إخفاء سوادها، وخداع الآخرين ببراءتها المزيفة مستغلة براءتها الشكلية وجمالها.
فرضت على (سلمى) البيئة التي تربت فيها أن تكون مجرمة، وكان أول ضحاياها والدها الذي قتلته وهي طفلة صغيرة بسكين في جنبه خلال شجار بينه وبين أمها، ولم تجد الأم أمامها سوى أن تبريء ابنتها وتنسب لنفسها الجريمة لتقبع في السجن 25 عاماً، وتترك الابنة وحيدة في مواجهة الحياة والناس.
وأخفت الفتاة عن الجميع حقيقة أن والدتها سجينة مدعية وفاة الوالدين، الوحدة زادتها عقداً، ولأنها تخشى فقد من تقترب منهم كانت تقتل كل من يحبها عندما تحس بإمكانية أن يفارقها، قتلت حبيباً وتسببت في بتر ساقي خطيب وقتلت زوجاً.
وذهبت لطبيبة نفسية صارحتها بالحقيقة وخشية الابلاغ عنها تقربت من ابنها وهددتها بقتله حال الإفصاح عن حقيقتها، وشوهت فتاة تريد الارتباط بحبيبها رغم علمها بأنه لا يحبها، وحاولت قتل أمه خشية أن تفضح أمرها أو تبعده عنها.

الخوف من الوحدة
الخوف من الوحدة التي عاشتها منذ الطفولة ومن الفقد المهددة به بسبب الغيرة وحب التملك، ارتكبت جرائمها مستغلة أنها درست الصيدلة، كانت تقوم بإعداد تركيبات من السموم لقتل ضحاياها أو تشويههم، أحبت موسى (محمد الشرنوبي) ولكنه حب التملك الذي فرض عليها السعي للتخلص من كل المحيطين به حتى لا يكون لها فيه شريك.
ليست (سلمى) وحدها النموذج المعقد في مسلسل (إقامة جبرية)، فهناك أيضا الطبيبة النفسية (عايدة) أم موسى (صابرين) والتي أبعدت وحيدها عن عائلة والدته وتفرغت لتربيته فارضة عليه وصايتها بعد أن شب وكبر.
وهو ما خنقه منها، ليقع في غرام (سلمى) المجرمة لمجرد إجادتها الاستماع إليه ومنحه إحساس الرجل الذي يمكن الاعتماد عليه؛ كذلك شخصية عصام المهووس بدينا صديقة سلمى والذي يلاحقها في كل مكان ليجبرها على الارتباط به رغماً عنها، حب مَرَضي وشخصية غير سويّة موازية لسلمى في حبهما لامتلاك الآخر .
(إقامة جبرية) كتبه (أحمد عادل)، ورسم شخصياته ببراعة ما أتاح للمشاهد التعرف على تفاصيل الشخصيات وخلفياتها التاريخية رغم قلة عدد حلقاته، ورغم التكثيف الدرامي والإيقاع السريع للحلقات السبع الأولى سقط المسلسل في فخ الملل في الحلقات الثلاث الأخيرة وخصوصاً الحلقة التاسعة التي لم تحمل أي تطور في الأحداث.
الإخراج لأحمد سمير فرج والذي أبدع في اختيار (هنا الزاهد) لدور البطولة ليخرجها من نمط الفتاة الجميلة (باربي السينما العربية)، وأيضاً الأدوار الكوميدية التي تركت بصمتها فيها، ويقدمها معقدة نفسياً تقودها عقدها لارتكاب العديد من الجرائم وليؤكد ان الجريمة لا ترتبط بالشكل، فكم من نواعم ارتكبن جرائم وكم من رجال وسيمة فعلت ما لا يفعله مفتقدي الوسامة.
كذلك وفق المخرج في اختيار أماكن التصوير وخصوصاً بيت (سلمى) وفيلا والديها والتي كانت المخزن لجرائمها، واستغل الإضاءة استغلالاً متميزاً للإيحاء بالغموض وخلق أجواء الرعب.

ميلاد جديد لهنا الزاهد
المخرج نسي أن يضم مشهد مقتل (موسى) الموجود في المقدمة ضمن الأحداث، وكان يمكن أن يضعه ككابوس تراه والدته في منامها وخصوصاً أنها مهجوسة به كل الوقت، كما أن مشهد قتل سلمى لوالدها وهي طفلة بنت 4 سنوات بغرز سكين في ظهره لم يكن مقنعاً وخصوصاً أن يدي طفلة صغيرة لا يمكن أن تكون طعنتها قاتلة خصوصاً أنها في الظهر وبعيدة عن القلب.
ميلاد جديد لهنا الزاهد في هذا المسلسل أثبتت فيه أنها ممثلة شاملة، تستطيع أداء كل الأنماط، وأن موهبتها تتجاوز القولبة التقليدية، أما (صابرين) فلم توفق، ولا يمكن للممثلة التي أبدعت في العديد من الأدوار ولن ينسى الناس لها (أم كلثوم) أن تعتمد الصراخ والحدة الانفعالية نمطاً لأدائها شخصية طبيبة نفسية واعية، ولكنها فاشلة في توعية ابنها وكشف حقيقة سلمى أمامه.
(محمد الشرنوبي ومحمود البزاوي وعايدة رياض وسيمون وثراء جبيل) أدوا المطلوب من دون زيادة ولا نقصان.