بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى شكاوى من بعض المتعاملين مع الهيئة العامة لقصور الثقافة – أو الثقافة الجماهيرية باسمها القديم و المحبب لكثيرين – بسبب تطبيق نظام (الفاتورة الإلكترونية) عليهم.
فلقد كتب الأستاذ عبد الله رجال – و هو أحد المخضرمين في التعامل مع الهيئة – يشكو من سوء تطبيق (الفاتورة الإلكترونية) في إقليم القاهرة الكبرى – احد أقاليم ستة تابعة للهيئة – وكارثة ضياع حقوق الكثيرين وتعطيل صرف مستحقاتهم لليوم – و هو واحد منهم.
و يقول أنه برغم كثرة الشكوى حتى وصل الأمر لرئيس الهيئة السابق ووزيرة الثقافة السابقة لكن لم تكن هناك أي بادره لحل مشاكل تطبيق (الفاتورة الإلكترونية)!!، ثم أضاف: اليوم تم تعميم تطبيق الفاتورة على كل أقاليم مصر..
وتساءل هل يأتي الاهتمام والإلمام بكارثة تطبيق (الفاتورة الإلكترونية) على أنشطة الهيئة ويكون حل مشاكلها من السيد المحترم محمد عبد الحافظ ناصف رئيس الهيئة؟
وسرعان ما تفاعل آخرون مع المنشور، منهم من اقترح حلولا، ومنهم من طالب بالامتناع عن التعاون مع قصور الثقافة لحين إيجاد حل لهذه المعضلة، هذا عدا كتابات كثيرين سبقت تلك الشكوى أو لحقتها.
ولكن وزارة المالية في واد آخر، لذا كثرت المناشدات للسيد نائب رئيس هيئة قصور الثقافة للتدخل ومحاولة إيجاد مخرج برغم أن الأمر برمته يخرج عن اختصاصاته ويفوق قدراته الوظيفية، بل كتب البعض للسيد الدكتور وزير الثقافة يناشده التدخل.
كلنا نعلم أن الاقتصاد المصرى يتعرض لضغوط شديدة نتاج للظروف الدولية المحيطة، فلقد تسببت الحروب الدائرة حولنا منذ عام تقريبا في انخفاض دخل قناة السويس بنسبة لا تقل عن 40 %، وكذا انخفاض عائدات السياحة، وهما مكونان رئيسيان من مكونات الدخل القومى المصري.
إلى جانب ازدياد أعداد الضيوف الذين لجأوا الى مصر نتاج لتلك الحروب، والذين عوملوا معاملة المصريين من حيث تكاليف المعيشة والاستمتاع بالدعم العينى وكلنا ندرك تلك الظروف ونقدرها ونحتملها.
وسائل لتخفيف تلك الضغوط
وتسعى حكومتنا الرشيدة لإيجاد وسائل لتخفيف تلك الضغوط، ولكن للأسف في مسعاها هذا وضعت (جيب المواطن) هدفا لها لتعويض الخسائر، في حين أنها من المفترض أن تسعى للعكس ، فلقد رفعت أسعار الكثير من خدماتها و أضافت رسوما على تلك الخدمات بالإضافة الى الضرائب التي باتت تحصلها.
فقد بلغت تقديرات الضرائب العامة بمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024/25 نحو تريليون و119 مليارا و797 مليونا جنيه، أى ما يقرب من 78% من الموازنة العامة للدولة – حسب بيان جمعية المحاسبين المصريين – وهي أعلى نسبة خلال تاريخ مصر ، بزيادة قدرها 35.9%. عن موازنة السنة المالية 22/23.
حققت منها ضريبة القيمة المضافة زيادة قدرها 25 % تقريبا، وهى ضريبة يتحملها المستهلك و يدفعها صاغرا على كل أنواع البضائع وأيضا الخدمات، بما فيها المهن الحرة كالأطباء والمحامين والفنانين!!
وفي خلال سعي الحكومة لزيادة حصيلة الضرائب فرضت نظام (الفاتورة الإلكترونية)، الذى طبقته على مراحل كى تسد أى ثغرة من الممكن ان ينفذ منها الاقتصاد الأسود (الذى يمارس نشاطه خارج النظام الضريبى).
و لكن – تصدمنا دائما كلمة (ولكن) في كل ما يخص حكومتنا الرشيدة – جاء تنفيذ هذا النظام دون مراعاة لفروق كثيرة، وحالات خاصة تتعارض فيها مع مصلحة الوطن العليا، ومنها توقف النشاط في صرح عظيم كالثقافة الجماهيرية.
ونعود فنكرر ونؤكد على أن زيادة حصيلة الدولة من الضرائب أمر لا نعترض عليه، ولكن السؤال: هل تطبيق تلك المنظومة على المبدعين المتعاملين مع الدولة أو مع الهواة في الأقاليم هو ما سيضمن القضاء على الاقتصاد الأسود؟
هل تخيل صاحب قرار تطبيق (الفاتورة الإلكترونية) عاملا زراعيا – من أصحاب المهن المؤقتة – يهوى أيا من الفنون (تمثيل/ غناء/ فنون شعبية) ، و يمارسه في قصر الثقافة منذ طفولته، أن يسدد عن الجنيهات القليلة التي يتقاضاها ضريبة قيمة مضافة، يكتب بها إقرارا شهريا، إلى جانب أن عليه كتابة إقرارا ضريبيا إلكترونيا كل عام؟!
مصير كل فرق الأطفال
ونعود فنكرر أيضا: هل يتخيل مصدر هذا القرار مصير كل فرق الأطفال في جميع ربوع مصر التي تمارس نشاطها من خلال قصور الثقافة، والتي يتقاضى أهليهم ما لا يغطى حتى ثمن المواصلات؟.
كيف سيتم التعامل مع أهل هذه الأطفال؟، هل كل أب مطالب أن يسجل ابنه في المنظومة الضريبية ويتحمل مسئولية إدارة اعماله كقاصر؟، أم سيفضل في تلك الحالة أن يبقيه في منزله ويبتعد عن وجع الدماغ، و نترك الأطفال نهبا للتيك توك واليوتيوب و قنوات بير السلم؟
دعونا يا سادة نحسبها بمنطق المكسب والخسارة: لا أحد سوى السادة المسئولين يعرف المبلغ الحقيقى الذى تصرفه هيئة قصور الثقافة على أنشطتها، فهذه المبالغ موزعة على عدة أبواب – كما تقضى الموازنة العامة للدولة.
فهناك الباب الأول الذي يتقاضى من خلاله موظفو الهيئة مرتباتهم والحوافز ويتقاضى المكافآت منه، كذلك من هم متعاونون معها وموظفون في جهات أخرى، وهناك الباب الثانى المختص بالسلع والخامات والخدمات التي يتم الصرف منه على الديكورات والملابس و الإيجارات.
أما الباب الرابع فيتقاضى منه من هم بلا وظائف أخرى أو على المعاش مكافآتهم، وبحسبة بسيطة سنجد أن الأنشطة لن تتكلف أكثر من 50 مليون جنيه سنويا من خلال كل تلك الأبواب.
فهل إعفاء هذا المبلغ من (الفاتورة الإلكترونية) سيكلف الدولة كثيرا قياسا بتوقف النشاط في تلك الهيئة التي من المفترض أن تقوم بتنمية البشر وبناء الانسان والتي تعتبر حائط الصد الأول ضد الإرهاب عن طريق دعم المواهب والمبدعين.
وزيادة مساحة اكتشاف الموهوبين في كل المجالات من أجل استعادة زخم القوى الناعمة المصرية كما تنص رؤية مصر الثقافية 20/30؟، أما أن الأمر مجرد شعارات ليس لها مكان في ارض الواقع؟
هل السادة المسئولين يدركون أن هناك مشروعا قوميا للتنمية البشرية يحمل اسم (بداية جديدة لبناء الإنسان)، كلف به السيد رئيس الجمهورية الحكومة الجديدة لتنفيذ برامج وأنشطة وخدمات متنوعة تشمل كافة الفئات العمرية ، في مجالات الصحة والتعليم ، والثقافة والرياضة بهدف تحسين جودة حياة المواطنين، فهل هكذا يحسنون جودة الحياة؟