(سامر إسماعيل).. موهبة فذة في التجسيد الدرامي الاحترافي
بقلم: محمد حبوشة
الممثل الموهوب (سامر إسماعيل) هو شخص متفوق من حيث كمية الأفكار ذات الصدي الشعوري التي يقترحها عن شخصية درامية معينة في وحدة زمنية ثابتة بالمقارنة بغيره، أي انه علي درجة مرتفعة من التدفق الفكري ذي الطبيعة الدرامية المثيرة لتيار شعوري.
عندما تشاهد الممثل المحترف (سامر إسماعيل)، لابد وأنك تلحظ إن لديه درجة مرتفعة من المرونة الذهنية والقدرة على تغيير الإتجاه العقلي بما يلائم المواقف الدرامية، فهو قادر علي فهم وتبني وجهات نظر الشخصيات الدرامية المختلفة ، حتي وان تعارضت تماما مع وجهة نظره هو.
أي ما يعني ضمنا القدرة على استبعاد الأحكام الأخلاقية والقيمية الخاصة به، فتراه في تجسيده لشخصية (عمر بن الخطاب) يختلف تماما عن أدوار في الشر أو الأكشن المثير (المنصة، كسر عضم، ولاد بديعة، العميل) وغيرها من أعمال أثبت جدارته في فن التجسيد الحي.
(سامر إسماعيل) من الممثلين الذين يتمتعون بحساسية مرهفة في ادراك الثغرات ونواحي القصور والغموض في المجال الخاص بالموهوب أو المبدع ، ولدى الممثل تعني القدرة علي ادراك نواحي الضعف والقصور وأماكن الثغرات في الشخصية الدرامية.
وكذلك المشكلات الدقيقة التي تثيرها علي مستوي التمثيل، (سامر إسماعيل) إذن يستطيع أن يري ما لا يراه غيره من مشكلات تكمن في الموقف الخاص بكل شخصية درامية حين يحاول تجسيدها .
لعل من أهم السمات الخاصة بالممثل الموهوب (سامر إسماعيل)، هى القدرة علي الاحتفاظ بالانتباه لفترات طويلة ولمدي بعيد، رغم أي عوامل مشتته أو معوقة قد تثيرها المواقف الخارجية.
ويبدو أن الممثل الموهوب بالفعل (سامر إسماعيل) يستطيع مواصلة الاتجاه والتركيز علي مستويات متعددة وفي نفس الوقت، جسمه وطاقته الفيزيقية والحركية، وكذلك حالته الانفعالية والوجدانية، واخيرا صوره الذهنية والخيالية المصاحبة لكلمات الحوار، ومواصلة توليدها وتنميتها.
الشغف بكل ما يتعلق بالتمثيل
الولع والشغف بكل ما يتعلق بالتمثيل، هو من أهم سمات الممثل السوري الشاب (سامر إسماعيل)، والذي يصل لحد الهوس بهذه المهنة، خاصة بعد مرحلة المراهقة، وصعوبة الرضى بمهنة أخري وهو ما يعرف بإلحاح الموهبة .
يتمتع النجم السوري الشاب (سامر إسماعيل) بالذكاء العاطفي والحساسية الاجتماعية والرغبة في التواصل الوجداني مع الآخرين، وصعوبة الحكم عليهم حكما قاطعا، والقدرة علي تصور مشاعرهم في المواقف المختلفة، وهو ما يعرف بعدوي الانفعال.
وهذا يسمي بالنهم الحياتي لدى (سامر إسماعيل)، ويتمثل في عدم الاكتفاء بحياته كما هى، والرغبة في معايشة حيوات وشخصيات أخرى.. ما يسمي بالنزعة الاستعراضية، والرغبة في جذب إعجاب الآخرين.
يؤمن الفنان (سامر إسماعيل) أن الممثل أو الفنان الناجح لا يجب أن يقتصر على الموهبة فقط، بل إلى جانب ذلك ينبغي أن يكون مزودا بمستوى فكري وثقافي معين، فالفنان هو قدوة الناس، لذا تراه نهما في القراءة والتأمل والتزود بالمعرفة في مهنته وفي كافة مجالات الحياة.
ولد الممثل السوري الشاب (سامر إسماعيل) في مدينة حمص في سوريا ووالده هو الرسام (جمال إسماعيل)، عاش (سامر) طفولته في حي عكرمة في سوريا ودرس في مدارس مدينة حمص حتى حصل على شهادة الثانوية العامة ثم انتقل للعيش في دمشق وذلك لكي يستكمل دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية.
تربي (سامر إسماعيل) في أجواء فنية لأن والده هو الفنان التشكيلي السوري الشهير جمال إسماعيل، ولكن سامر نشأ ولم يتقبل فكرة أن يصبح رسام مثل والده قائلا:
فكرة أن والدي رسام أو فنان تشكيلي جعلتني في فترة معينة أكره الرسم وأفكر بيني وبين نفسي ما هى وظيفة أبي؟، ولماذا يعمل من داخل المنزل ولا يذهب للعمل ككل الناس، كون مرسمه كان في المنزل، نشأت مع رائحة الألوان خلال مرحلة الطفولة والمراهقة.
وتابع قائلا: (كرهت الرسم لأن الواقع فرض الفن علينا وسيلة للعيش في غياب المؤسسات التي تنظم الفن وتعمل على تطويره ورفعه إلى مستوى يصبح مصدرا للرزق أو مهنة، لذلك ورغم حبي للمسرح كنت أقاوم فكرة احتراف الفن واتخاذه مصدراً للعيش بسبب عدم الاستقرار في الدخل).
واستطرد حديثه فقال: (لذلك رحت أحاول أن امتهن أي عمل آخر وأبقي علاقتي بالمسرح علاقة الهاوي، ولكن يبدو أن المسرح فاز بالرهان في النهاية، فلم أتمكن من أخذ القرار ودراسة أي اختصاص آخر وبقيت مصرا على دخول المعهد العالي للفنون المسرحية).
التمثيل منذ أن كان صغيرا
أحب (سامر إسماعيل) التمثيل منذ أن كان صغيرا، ولذلك انضم إلى فرقة من فرق الهواة المسرحية في مدينة (حمص)، ورغم أن هذه الفرق تفتقر إلى الدعم المادي والمعنوي، إلا أنها كانت تنتج أعمالا مقاربة إلى أعمال المحترفين، ولم يجن الفنانين الهواة من هذه الفرق سوى الطاقة الإيجابية التي يمنحها لهم العمل الجماعي.
كل ذلك جعل (سامر إسماعيل) يترك مدينته (حمص) ويتوجه إلى العاصمة دمشق ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ثم شارك أثناء دراسته في المعهد في بعض المسرحيات وتخرج منه عام 2010.
في عام 2002 شارك في بعض الأدوار الثانوية ومنها مشاركته في مسلسل (صراع الزمن)، والذي تم عرضه في عام 2002، ومسلسل (ذكريات الزمن القادم) عام 2003، و(كليوباترا) و(جلسات نسائية).
توالت أعماله الفنية بعد ذلك إلى أن قدم الدور المميز والشهير له وهو تجسيد شخصية الصحابي عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، وذلك في المسلسل السوري (عمر) والذي تم عرضه في عام 2012، واشتهر (سامر) كثيراً بهذا الدور وانهالت عليه العروض.
وعن تجربة عمله في مسلسل (عمر)، يقول (سامر إسماعيل): تقدمت لتجارب الأداء التي يتم من خلالها اختيار الفنانين المشاركين في طاقم العمل في المسلسل، بعد فتح باب تجارب الأداء أمام الفنانين من مختلف الدول العربية.
وبعد أن تقدمت أنا وزملاء لي لتجارب الأداء، لم نكن نعلم أن تجارب الأداء لهذه الشخصية بالذات، اعتقدنا أنها لشخصية أخرى في العمل، وتابع سامر قائلا: تلقيت وثلاثة أصدقاء مكالمة من الأستاذ حاتم علي مخرج العمل وذلك للاستمرار في تجارب الأداء وخضعنا لاختبارات عديدة، ثم بدأنا في عمل تجارب على المكياج.
واستمرت تجاربي من العاشرة صباحا وحتى السادسة مساءً وذلك لمدة أسبوع، لذلك استنتجت أنها لشخصية مهمة داخل المسلسل، إلى أن فاتحني المخرج حاتم علي في الموضوع.
بدأ سامر يتحدث عن بداية معرفته بتجسيد شخصية عمر فقال: (بعد أن عرض علي الدور نسيت النوم لأنه كان بمثابة أهم حدث في حياتي، فدور بهذا الحجم لشخصية بهذه العظمة هو شرف لي، وهو ما حرمني من التسلسل في مشواري الفني للوصول إلى هكذا دور يطمع فيه الكثير من النجوم.
كما أن الدور الذي عرض علي في البداية هو شخصية (وحشي الحبشي) وبالفعل كنت قد تدربت عليه، ولكن تغير الدور من قبل المخرج (حاتم علي) الذي قال: أنا كمخرج أفضل شخصياً أن يكون الممثل محترف لأنه يستطيع خدمة الشخصية بشكل أكبر.
التحضير لشخصية (عمر)
ولكن بطبيعة الحال بسبب الأفكار السائدة اضطررنا إلى اختيار شخصية لم يسبق لها الظهور في الأعمال الدرامية من قبل، خاصة وأنها رغبة لجنة العلماء المشرفة على العمل.
بدأ الفنان سامر في التحضير للشخصية، وبذلك نزل وزنه حوالي 12 كجم ليكون مشابه في جسمه (للفاروق عمر بن الخطاب)، وكذلك حلق نصف شعره، بدأ في التدريب اللغوي لإتقان اللغة العربية الفصحى وحفظ الحوارات بشكل جيد وبدقة نظرا لحساسية الشخصية التي يقدمها.
ورغم أنه تمت دبلجة المسلسل إلا أن الفنان الأردني (أسعد خليفة) أدى دبلجة شخصية (عمر بن الخطاب)، وذلك بعد أن اعترضت لجنة علماء المسلمين على صوت (سامر إسماعيل).
اضطر (سامر) لربط يده اليمنى برجله اليمنى لمدة شهر حتى يتمكن من استخدام يده اليسرى لأن (عمر بن الخطاب) كان شخص أعسر، أما التحضيرات الشخصية فقال عنها: (ساعدني العديد من الزملاء بالإضافة إلى المخرج خلال التحضيرات وخلال التصوير أيضا..
وأخص بالذكر الفنان الأستاذ (غسان مسعود) الذي كان له فضل كبير في تأديتي الدور إما من خلال بروفات الطاولة أو البروفات الفعلية بملابس الشخصية وخلال التصوير أيضاً.
من بعد مسلسل (عمر بن الخطاب) شارك (سامر إسماعيل) في مسلسلات (الولادة من الخاصرة (الجزء الثالث: منبر الموتى) عام 2013، (طوق الأسفلت) عام 2014، (العراب) عام 2015، (بقعة ضوء 12) و(دومينو) عام 2016، (أوركيديا)عام 2017.
ودخل تجربة سينمائية من خلال فيلم (المختارون) عام 2017 أيضا، ثم مسلسلات (فوضى) عام 2018، (عبور) عام 2019، (المنصة) عام 2020، (كسر عظم) عام 2022، (ولاد بديعة) عام 2024، وحاليا يتألق في مسلسل (العميل) الذي يذاع على منصة (شاهد).
أداء ساحر بلغة الجسد
وربما جاء أداء (سامر إسماعيل) ساحر على مستوى لغة الجسد المعبرة وتكنيك الأداء الاحترفي الحر كعادته كنجم متألق في لوحة الدراما السورية خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه في مسلسل (عمر) الذي يعد درة أعماله، جاء بأداء ساحر كصقر محلق في الآفاق بحيث لفت الانتباه طوال الحلقات الأولى، ويواصل العزف على أوتار الشخصية بأداء متفرد.
جاء نصيب (سامر إسماعيل) من النجومية جراء هذا المسلسل ممزوجاً بمسؤولية كبيرة تجاه مجتمع إسلامي وعربي لم تتقبل كل فئاته النقلة النوعية في صناعة الدراما العربية التي حققها مسلسل (عمر).
ولكثرة الجدل الذي دار حول العمل وحول الشخص الذي سيؤدي دور الفاروق رضي الله عنه قبيل العرض، وما رافق ذلك من أصوات نادت بمنع عرضه لأسباب دينية، بات مسلسل (عمر) بطل الشهر الكريم دون منازع، ونال صناعه والممثلون فيه ما نالوا من الأضواء مدحاً وذما.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجم السوري الشاب (سامر إسماعيل)، الذي استطاع اجتياز دوره في مسلسل (عمر)، وانطلق نحو آفاق أخري في التجسيد الدرامي، فتنوعت أدواره ليثبث موهبته الفذة في في التجسيد الدرامي الاحترافي.