كتب: محمد حبوشة
يجب أن يفهم (عمرو دياب) أن الفن هو سلطة قادرة على القيام بهذا الدور الأخلاقي والارتقاء القيمي، بكل ما يملكه من أدوات سحرية جاذبة قادرة على إبعادنا عن العالم الحقيقي أو تقريبنا منه.
فالدور الأخلاقي للفن قد يكمن في جعلنا نتعرف إلى الوحشية والهشاشة والشرور كتعزية وتعويض لهذا النقص ليس كاتهام أو قبول مطلق، إنما اعترافاً بإنسانية الفن وإنسانية الإنسان.
في الوقت نفسه ينبغي أن يعرف (عمر دياب) إن الفن جزء من الحياة وصورة لها، وتكمن عظمته أحيانا في تأكيده أن الإنسان غير طاهر ولا ملائكي وقد يتجاوز كل قواعد السلوك المعقول.
ولكن كما عبر الفيلسوف الأيرلندي يوهانس سكوتس إريجينا (815 -877) ومن نحا نحوه، فالجمال قد يرمز إلى جمال الله، كما يمكن أن يكون فخا من فخاخ الشيطان، ولا يجعله الشيطان فخا من فخاخه إلا لأنه حسن يستهدي الأبصار ويفتن القلوب.
فبين مثالية (هيجل) الذي يعلي الفن باعتباره منزها، وبين (أفلاطون) الذي ينظر إليه بأنه محكوم بالأخلاق، منطلقا من أن الخير والجمال والحق شيء واحد، علينا أن ندرك أن قيمة المعرفة وقيمة الأخلاق هي ذاتها قيمة الفن، والفن بحد ذاته فعل حياة.
الكلام في مناسبة ما أثاره المطرب (عمرو دياب) من جدل كبيرا خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك بعد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للهضبة وهو يصفع فيه أحد معجبيه، حين حاول التقاط صورة معه في حفل زفاف.
وقال محام بالنقض، إن واقعة الاعتداء الجسدي من قبل عمرو دياب على أحد معجبيه هي واقعة مؤسفة، فالاعتداء البدني أو حتى اللفظي مرفوض تماما في جميع الأحوال، وطبقا للقانون فهو يستوجب العقاب.
وأضاف أنه يحق للشاب الذي تعرض للاعتداء التوجه إلى أقرب قسم شرطة وتحرير محضر بالواقعة.
المادة 242 من قانون العقوبات
وذكر أن المادة 242 من قانون العقوبات تنص على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة والغرامة من 10 آلاف إلى 200 ألف جنيه للضرب البسيط بدون أداة أو ترصد.
وكان مقطع فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد أظهر (عمرو دياب) وهو (يصفع) أحد معجبيه حاول التقاط (سيلفي) معه أثناء حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدي.
ويعتبر هذا الموقف ليس الأول لـ (عمرو دياب)، فقد قام منذ أيام قليلة بإهانة مهندس صوت على المسرح خلال إحدى الحفلات أمام الجميع، مما تسبب هذا في استياء الكثير من متابعيه.
وفي وقت سابق تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو ظهر عمرو دياب وهو يقول: (الحيوان بتاعنا فين؟) يقصد (السواق فين؟)، وأثار هذا الفيديو غضب جمهور عمرو دياب بشكل كبير، وتم تداوله بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كانت قد أثارت واقعة تعدي المطرب (عمرو دياب) على أحد معجبيه بالصفع على الوجه، حالة كبيرة من الجدل، وذلك عقب انتشار مقطع فيديو أثار غضب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعى، خلال الساعات القليلة الماضية.
وقال والد الشاب (سعيد) صاحب واقعة الصفع على وجهه من الفنان (عمرو دياب): (ابنى لم يصدر منه أي غلط، كان كل همه بأن يتصور مع الفنان عمرو دياب، يتعرض لضرب بالقلم، أنا مش هسيب حق ابني وهحرر محضر ضد الفنان عمرو دياب).
أضاف والد الشاب (سعيد): (حق ابني أنا مش هسيبه وهقف ضد الفنان عمرو دياب علشان خاطر ابني).
من جانبها فسرت خبيرة الصحة النفسية الدكتورة (رشا الجندي)، مدرس علم النفس بكلية التربية بجامعة بني سويف: اللقطة الغريبة للفنان (عمرو دياب)، المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بصفعه أحد معجبيه على وجهه عندما حاول التقاط صورة تذكارية معه.
والتي استفزت قطاعا كبيرا من متابعي السوشيال ميديا، هى عبارة عن رد فعل من الهضبة، لكن مبالغ فيه ولا يليق بمكانة فنان كبير مثله.
وقالت الدكتورة (رشا) إن هناك عدة أسباب قد تكون دفعت (عمرو دياب) للقيام بهذا الأمر، لعل أبرزها كبر سنه أو ضغوط في العمل، فكلما تقدم الإنسان في العمر فإن قوته وقدرته على تحمل المضايقات والاستفزازات تكون قليلة، ورغم ذلك لا يعني ما قام به عمرو دياب أنه يعاني من مرض (الغيبوبة الحسية).
قوة احتمال الشخص
وتابعت أن قوة احتمال الشخص تتضاءل مع التقدم بالعمر قائلة: (الواحد كل ما يكبر قدرة استحماله وخلقه بيضيق، والمشكلة الناس بتتعامل مع النجوم كأنهم حد من أسرهم).
لذلك أستطيع القول بأن الطرفين عليهم خطأ الشخصية العامة والجمهور نفسه، فالجمهور يتصرف بشكل خاطئ مع الشخصيات العامة وهو ما فعله الشخص الذي كان يصر على التقاط صورة مع (عمرو دياب).
لكن ذلك لا يعني أنني أبرر رد فعل (عمرو دياب) المبالغ فيه، ولكن بعض المشاهير عندما يصلون لدرجة كبيرة من النجومية تجعلهم لا يفرق معهم أحد المعجبين بسبب كثرة المعجبين به وتجاوز عددهم الملايين.
وأوضحت الدكتورة (رشا) أن التصرف الصحيح الذي كان يفترض أن يقوم به (عمرو دياب)، هو أن يكون رد فعله موازيا للفعل، بحيث مثلا يستدعي الحراسة ويطلب منهم إبعاده، لكن هناك مرحلة يصل إليها المشاهير اسمها (التوب) تعطيه شعور الاستغناء عن المعجبين، وذلك يعود للجمهور ذاته الذي يقوم بتحويل المشهور إلى (إله).
وتابعت أن للتعامل مع الشخصيات العامة والمشاهير هناك قواعد وطرق صحيحة وهذا يتطلب رفع الوعي فيها وعمل حلقات تلفزيونية كثيرة، فهناك مواقف للفنان (عمرو دياب)، لم يكن فيها قدوة عندما ارتدى الحلق.
وأشارت الخبيرة النفسية إلى مرض اسمه (هوس المشاهير)، فالشخصيات العامة والفنانون في بداية حياتهم يفرحون بذلك ويقبلون تصرفات الجماهير تجاههم مهما كانت ومنهم (تامر حسني) في بدايته، لكن بعد فترة من الزمن وكلما كبر في السن خلقه بيضيق، ولا يستطع التحكم في ذلك ولا يضع في اعتباره التحكم في تصرفاته.
ومع احترامي لكل ما قالته الدكتورة (رشا الجندي)، فإنني أرى أن خطأ (عمر دياب) هذه المرة لايغتفر بل يستلزم محاسبته وردعه على فعله المشين، لأن العلاقة بين الفن والأخلاق والسلوكيات الحميدة؛ لابد أن تكون علاقة وطيدة كالحبل السري بين الأم وجنينها الذي تمنحه نبضات الحياة في أحشائها.
فالأمل والأمنيات أن نجد (الفن) هو الذي يمسك بمقود الحياة على الأرض لتهذيب الواقع المعاش في المجتمع وليس لتقليده أو النقل حرفيا عنه؛ من أجل أن يحوذ الرضا من فئة أو شريحة معينة، لا تمثل سوى قاع الحواري والشوارع الخلفية.
فإذا ما قام الفن بهذا الدور التقليدي؛ فقل على الفن والمجتمع والأخلاق وبأعلى الصوت: على الدنيا السلام!
العلاقة الوطيدة بين الفن والأخلاق
وقد ينبري البعض – من وجهة نظرهم – بالتساؤل المشروع: ما كنه تلك العلاقة الوطيدة بين الفن والأخلاق وبين من يعملون به من الفنانين؛ وبخاصة من المطربين الذين يواجهون الجمهور كل ليلة بالحفلات العامة أو على خشبة المسرح أو شاشة السينما والتلفزيون؟
فالمقصود ليس المعنى الحرفي للأخلاق كما في حالة (عمر دياب) أوغيره، فلم أطلب أن يخرج الفنان أو المطرب على الجمهور وهو يمسك بـ (مسبحة) بين يديه مثلا؛ فالعرف السائد في المجتمع هو الذي يجب أن يحكم تلك اللقاءات الجماهيرية.
لأن القيم الأخلاقية متغيرة ومتنوعة ومختلفة بحسب كل مجتمع وتركيبته وطريقة ممارسته لسلوكياته، فالذي يحدث في المجتمعات الأوروبية والأمريكية بالذات؛ لا يمكن أن يحدث داخل قاعات الفنون بالمجتمعات العربية المحافظة.
وإلا كان تقليدا ممسوخا ومستهجنا، قد يقبله البعض من الشباب اللاواعي ولكن ترفضه ـ حتما ـ الأغلبية الواعية برسالة الفن الهادف وعلاقته بمكارم الأخلاق.
دعونا نتفق جميعا أن الفن رسالة سامية؛ والفنان الملتزم هو حامل مبادئ تلك الرسالة وخير موصل لها ولبنودها الراقية؛ ولهذا تظل تصرفاته وسلوكياته دائما تحت أنظار جماهيره وعاشقي فنه، فإذا ما خرج عما هو مألوف في مضامين التواضع دون غرور أو تعال على تلك الجماهير، فإنها تقوم بإسقاطه من حساباتها إلى غير رجعة.
ممارسة داء التعالي والغرور
وكم من فنانين حازوا الكثير من الشهرة والمجد؛ لكنهم ضاعوا في زوايا النسيان جراء ممارسة داء التعالي والغرور الذي يصيب ضعاف النفوس البشرية في كل زمان ومكان.
إن مواد الميثاق الأخلاقي لاتحتاج إلى صحائف مكتوبة في متن دستور الوطن؛ ولا إلى الإعلان عن عقوبات مغلظة لمن يخرج عن إطارها؛ ولا تحتاج ولا تحتكم إلا إلى يقظة الضمير الإنساني الذي تعنيه مصلحة الوطن والمواطن.
هذا الضمير الذي يظهر واضحا وجليا، ابتداء من الاختيار الراقي لكلمات العمل الذي يخرج به الفنان إلى ساحة الجماهير في الحفلات العامة أو الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية.
دون اللجوء إلى ممارسة الإسقاطات الحركية الفجة التي تنسف مقاصد اللفظ والدلالة المتعارف عليها؛ وتعطي المستمع أو المشاهد ما يشي بعكس الاتجاه على طول الخط، فالجماهير الواعية تعرف جيدا كيف تضع الفنان بأخلاقياته وسلوكياته في الميزان.
وفي النهاية أقول للفنان (عمرو دياب): الفنان لايرقى بفنه إلا إذا كانت ابداعاته تحمل بين طياتها أخلاقيات الصنعة، فهو يولد من رحم المعاناة حيث ينقلنا الى عالم يسوده الخير والحب والسلام وينبذ الشر والحروب والإجرام.
وأخيرا كما قال الناقد الكبير (طارق الشناوي): يجب أن يسارع (عمرو دياب) بإصدار بيان اعتذار على اليوتيوب يوضح ملابسات الصورة السيلفي والصفعة التي تلقاها أحد معجبيه، قطعا لا شيء يبرر الصفعة مع افتراض حتى أن هناك تجاوز لفظي أصاب (عمرو دياب) من أحد معجبيه.. الاعتذار أولا وتوضيح الملابسات ثانيا).
وأضاف: (هل يدرك عمرو كم خسر ويخسر بسبب هذا الفعل ويخسر أكثر لو استمر لائذا بالصمت الرهيب؟).
ظني أن غرور (عمر دياب) سوف يدفعه للعند أكثر، خاصة أنه يرى نفسه بعيد عن المحاسبة، وأنه يعيش كالطاووس الذي يختال بنفسه بين أقرانه من نجوم الفن المسكونين بالتعالي والغرور.. لله ضرك ياعمر أنت وأمثالك من نجوم الغفلة.