بقلم: محمود حسونة
بيننا نماذج قاتمة ولكنهم قلة وسط الأغلبية المشعة في حياتنا، والتي تنثر الخير حولها وتدخل السعادة على قلوب المحيطين وتعي أن تجاوز الحدود ليس سوى هدم للقيم وتخريب للبناء المجتمعي؛ وإذا كان الفن مرآة المجتمع فالأجدر به أن يركز على المضيء والذي يمكن أن يكون نموذجاً تحتذيه الأجيال الطالعة من دون أن يتناسى النماذج القاتمة كي يبلغ من خلالها رسائل تحذيرية من المضي في طريق الاعوجاج الذي يؤدي دائماً للضياع والهلاك.
مسلسل (أزمة منتصف العمر) الذي تم عرضه مؤخراً عبر إحدى المنصات العربية أسوأ من كل ما لدينا من سوء، وبلا أدنى مبالغة قد يكون أسوأ ما أنتجته الدراما المصرية خلال سنواتها الأخيرة على مستوى ما يقدمه من مضمون حتى ولو كان به جهد تمثيلي وإخراجي، فالتمثيل والإخراج وكل مفردات الابداع الفني ليست سوى وسائل لتوصيل رسالة النص أو السيناريو، وعندما تكون الرسالة شديدة السواد يكون المسلسل شديد السواد، وهو ما يفتح عليه أبواب التأويل والتي يمكن أن تصل إلى حد وصفه بالعمل المغرض الذي يستهدف تشويه صورة المجتمع وتقديمه للمشاهد على أنه مجتمع من المرضى المعقدين نفسياً، مجتمع يستبيح الإنسان فيه المحارم ولا تتحكم في سلوكياته سوى شهواته ومشاعره الفجة.
معظم من شاهد المسلسل استاء من وقاحة مضمونه، وكثيرون عبروا عن استيائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدلاً من أن يؤدي الغضب الجماهيري بصناعه إلى الصمت خجلاً من عملهم المؤذي، خرج مؤلفه أحمد عادل متباهياً بما حققه المسلسل من (نجاح)ـ ومدافعاً عن مضمونه مدعياً أن سبب الهجوم عليه هو جرأته الشديدة، كما خرج بطله (كريم فهمي) والذي شارك مع مخرجه (كريم العدل) في كتابة المعالجة الدرامية متفاخراً ومدعياً أنه مستوحى من حكايات حقيقية.
أولاً، ما قدمه المسلسل ليس جرأة بقدر ما هو تجاوز درامي لكل القيم والحدود الاجتماعية؛ ثانياً، لا ننكر أن في كل مجتمع نماذج رديئة، ولكننا شاهدنا مسلسلاً لا يضم نماذج مضيئة ونماذج مظلمة بل كل شخصياته تقريباً مظلمة وأنانية وقاسية؛ ثالثاً، المبررات الدرامية التي ساقها صناع المسلسل لتجاوزات كل شخصية ليست سوى تبرير للقبح، ولا نتهم المسلسل بأنه مهلهل درامياً ولكن الرأي العام ضد هذا الطرح جملة وتفصيلاً، ضد نماذج الشخصيات، وضد طبيعة العلاقات الشاذة والغريبة التي تربط بينها، وعندما يصل التجاوز إلى علاقة جسدية بين أم وزوج ابنتها يكون المنتهى، وتبرير ذلك بأنها ليست الأم البيولوجية لها ولكنها فقط التي ربت ورعت وكبرت وسهرت الليالي تبرير رخيص؛ رابعاً، المسلسل الذي يتباهى مؤلفه وبطله بجرأته، ليس فتحاً جديداً في عالم الدراما، فالعلاقات المحرمة تناولتها العديد من الأعمال السينمائية، ولعل آخرها فيلم (حظر تجول) للمخرج أمير رمسيس وبطولة الهام شاهين وأمينة خليل، وعدم تناولها بهذا الشكل في الدراما المصرية يعود إلى حرص صناعها على عدم إيذاء المجتمع في قيمه، وقد تناولتها الدراما التركية وكان مسلسل (العشق الممنوع) هو آخر هذه الافتكاسات الدرامية؛ خامساً، اسم (أزمة منتصف العمر) لا يعبر عن مضمون المسلسل، ومنتصف العمر مرحلة طبيعية في عمر كل إنسان ظلمها المنظّرون واتخذوها مبرراً لجموح وجنوح بعض المرضى النفسيين وفعلهم المحظور، ولكن المسلسل قدم نماذج مريضة ليست في منتصف العمر مثل الفتاة التي تتزوج من والد صديقتها، كما أن تجاوزات البعض باسم منتصف العمر لا تصل إلى حد علاقة أم مع زوج ابنتها! ؛ سادساً، لا ننكر عدم وجود لفظ جارح أو كلمة خادشة للحياء في المسلسل، ولكن عندما يكون المضمون كله خادش للحياء فإن الألفاظ المنتقاة تكون بلا قيمة، وقتل إنسان دون إراقة دمائه لا تعني براءة القاتل.
لا ننكر أن الإنسان لا يمكن أن يُسقِط عنه ماضيه، ولكن الماضي لا يتحكم سوى في الضعفاء، وللأسف فإن معظم شخصيات المسلسل تعيش الحاضر بعقد وأحقاد الماضي، وهو أكبر المبررات لفعل المحظور وارتكاب الجرائم، وقد قاد الماضي جميع أبطال وشخصيات المسلسل إلى الهاوية.
بعض المسلسلات تتوفى بعض شخصياتها خلال تطورات الأحداث وبعضها قد يتم القبض عليه وسجنه نتيجة أخطاء أو جرائم ارتكبها، ولكن مسلسل (أزمة منتصف العمر) ضرب الرقم القياسي في سوداويته وسوداوية أبطاله حيث أنهم ماتوا جميعاً إما مقتولين أو منتحرين، ومن لم يمت أودع السجن، وهو ما يثير تساؤلاً عن أي مجتمع هذا الذي يريد أن يعبر عنه صناعه، وهل تسمح أي من الدول الشقيقة المحيطة بنا بانتاج وعرض مسلسل كهذا تدور أحداثه على أرضها وتنتمي شخصياته إليها؟، أشك أن يحصل ذلك على أرض غير مصرية!
فيروز (ريهام عبد الغفور) لم تنس أنها تزوجت من يكبرها إجباراً وقهراً، ولا تنسى أن زوجها عزت (رشدي الشامي) يعاملها باحتقار وكأنها لا تساوي قطعة ديكور في المنزل، وابنتها مريم (رنا رئيس) التي نكتشف أنها ليست ابنتها تعاملها بازدراء واستخفاف، وعمر (كريم فهمي) يعيش بعقدة زواج أمه المتكرر ممن يصغرونها سناً بعد وفاة والده، ويبدو أن هذه العقدة سببت له الزواج بمن يصغرنه (مريم) وقبلها سلمى (هند عبدالحليم)، والارتباط عاطفياً بمن تكبره فيروز (ريهام عبد الغفور)، في حين أن زوجها عزت يتزوج عليها من صديقة ابنته العشرينية ياسمين (ركين سعد)، وهى التي تسعى للارتباط بوالد صديقة أخرى بعد أن طلقها عزت، وابن شقيقة عزت زياد (عمر السعيد)، يوظف العالم كله للانتقام من خاله بسبب سطوه على ميراث والدته.. لعبكات درامية، وشطحات مأساوية، وعالم مظلم لا يثير لدى المشاهد سوى التوتر والغثيان.
الأفضل تمثيلاً في هذا المسلسل (ريهام عبدالغفور) كعادتها، و(رشدي الشامي، ورنا رئيس وعمر السعيد)، والأسوأ هو (كريم فهمي) الذي لم يتغير تون صوته ولا ملامح وجهه معظم الوقت.