كتب : محمد حبوشة
على الرغم من مرور قرابة العامين على كارثة (انفجار مرفأ بيروت)، لم يتناول أي عمل درامي لبناني أو عربي هذه الحادثة الأليمة بشكل جدي يعبر عن المأساة الإنسانية التي طالت الاقتصاد اللبناني الذي اعكس على حياة المواطن حتى الآن، لكن في المقابل تحاول العديد من شركات الإنتاج استغلال الحادثة للترويج لأعمالها الدرامية، ففي العام الماضي، أعلنت شركة (الصباح) أن مسلسل (صالون زهرة) يسلط الضوء على معاناة اللبنانين بعد الانفجار، ليساهم ذلك بإثارة ضجة حوله، خصوصا أن تصوير المسلسل تم في الأحياء المتضررة من الانفجار في منطقة (مارمخايل) من العاصمة بيروت، لكن بعد انتهاء عرض المسلسل تبين أن الرابط الوحيد بين انفجار المرفأ والمسلسل هو جملة تقولها بطلة العمل (زهرة/ ندين نسيب نجيم) بأنها خسرت صالونها السابق بسبب الانفجار، وعليه كان من المخجل تسويق العمل بهذه الطريقة، ومن أجل هذه الجملة السطحية الدخيلة على النص وغير المؤثرة حتى على السياق الدرامي.
وتعود شركة (الصباح) اليوم لتسلك النهج نفسه، لتستثمر انفجار بيروت بطريقة مغايرة في مسلسلها الجديد (بيروت 303)، الذي انتهي عرضه قبل أسبوع حيث صرح القائمون على العمل بأنه يوثق أحداثا واقعية جرت في بيروت خلال فترة زمنية معينة، وكان لها تداعيتها على الدول العربية والأوروبية من دون أن يتم ذكر اسم الحادثة أو زمنها، ليتركوا الباب مفتوحا أمام التأويلات، وفي الحلقة الأولى من المسلسل يبدأ الإيحاء للحادثة واستحضار بعض التفاصيل المتعلقة بها، حيث يبدأ المسلسل بسقوط طائرة في البحر بالقرب من شاطىء بيروت، وبلقطات مصورة من الهواتف المحمولة توصف الدخان الكثيف الناجم عن الحادث بشكل يكاد يتطابق مع حادثة انفجار المرفأ والفيديوهات التي رصدت اللحظات الأولى منه.
وتلته مشاهد لانتشال الضحايا من المياه والتي صورت المستشفيات التي تعج بالمصابين والنقص الحاد بالكادر الطبي، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يعتبر صدفة، فجميع تلك اللقطات تم اختيارها لتظهر مشابهة لفيديوهات انفجار المرفأ، خصوصا أن هذا الحدث يؤدي إلى حراك شعبي ومظاهرات في الشارع اللبناني، ينقسم المشهد في الحلقة الأولى ما بين صراخ الضحايا والحفل الفاخر لرجل الأعمال المشهور (عزيز/ عابد فهد)، الذي يحتفل بمناسبة إطلاق عطره الجديد (تاج) تيمنا بزوجته التي تحمل الاسم ذاته (سلافة معمار)، في الحفل يتلقى الثنائي اتصالا هاتفيا من الشرطة ليبلغهم أن ابنهم كان على متن الطائرة التي سقطت وأن جثته مفقودة وأنه المشتبه به الرئيسي في تفجير الطائرة وفي محاولة اغتيال شخصيات سياسية معروفة كانت على متنها، لتبدأ رحلة البحث عن الابن المفقود.
هذا السياق بحد ذاته يسخف من صورة الحراك الثوري في لبنان، فيجعله حراكا غاضبا ضد عصابات إرهابية تحاول أن تعكر صفو الحياة الرغيدة التي يعيشها اللبنانيون، كما أنه يجعل الحكومة والشعب على صف واحد ضد الغريب المجهول، وبغض النظر إذا كان صناع العمل يقصدون إعادة تجسيد لحظات انفجار المرفأ أو يختارون كارثة إنسانية عشوائية، فإن كل ما يتم تقديمه يبدو سطحيا ويرسخ الأفكار المشوهة عن المؤامرات الخفية ضد طبقة السياسيين وضد طبقة رجال الأعمال، فالمستهدف الأول هو (عزيز) الذي يتم تحريض الناس ضده من قبل جهة مجهولة لتحث أهالي الضحايا على الخروج بمظاهرات ضده وضد الدولة، رافعين شعارات ممائلة لتلك التي رفعها أهالي ضحايا انفجار المرفأ المطالبين بمحاسبة المتورطين بالانفجار!.
وباعتقادي الشخصي وفقا لذلك، يبدو المسلسل فاقدا تماما لأي حساسية فنية تجاه الظرف الإنساني المحيط بلبنان حاليا، فهو لا يراعي المعاناة والذكريات الأليمة للناس الذين مروا بتجربة تفجير المرفأ، كما أنه يقلب المعادلة بتوجيه البوصلة إلى الاتجاه المعاكس بطريقة ترضي السلطات الحاكمة، وما بين السطور، ومن خلال الهوامش المتعلقة بالحادثة، تتم إعادة رسم خريطة تحدد موطن الإرهاب في المنطقة لتبرئ فعليا كل السلطات التي تحكم المناطق الأخرى، وذلك عندما يتم الإشارة إلى الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام إلى أنه موطن الإرهاب، وكأن صناع العمل يعيدون السيناريوهات السخيفة التي تشير إلى أن المعارضة السورية هى بؤرة الإرهاب وهى التي تقوم بتصدير الإرهابيين إلى دول المنطقة، ويكفي أن يكون (ابن عزيز) قد زار تلك المنطقة ليكون المشتبه به الرئيسي في جريمة تفجير الطائرة.
وبحسب رؤيتي الخاصة بعد المشاهدة المتأنية فإن مشاكل (بيروت 303) لا تقتصر على الخطوط السياسية المتحكمة فيه، وإنما هناك العديد من المشاكل الفنية التي تجعل المسلسل واحدا من الأقل جودة على مستوى المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة، فقد لاحظت أن المسلسل يعاني من بطء شديد بالإيقاع يجعل من الممكن اختزال ما يجري في الحلقات الثماني الأولى بحلقة واحدة لا أكثر، وذلك يبدو غريبا حين مقارنته مع تصريحات الشركة المنتجة، التي ذكرت بأن المسلسل كان مكونا من ثلاثين حلقة وتم اختصاره إلى خمسة عشر حلقة للحفاظ على جودة القصة وكثافة الأحداث!
هذه التصريحات غير منطقية إطلاقا بالنظر إلى كثرة مشاهد (السلوموشين) التي تملأ وقت الحلقة بالصمت والفراغ والنظرات المجانية، وبالمقارنة مع تصريحات مخرج المسلسل (إيلي السمعان) أيضا الذي صرح بأن العمل لم يتم عرضه في الموسم الرمضاني الماضي لعدم انتهاء الكتاب (سيف الرضا حامد وبشار مارديني) من كتابة النص حينذاك، أي أن النص لم يكتب بالأصل على أساس ثلاثين حلقة ويتم اختزاله، ويزيد من تراجع المسلسل الأداء الذي يفتقد للحرارة لكل من (سلافة معمار وعابد فهد)، اللذين زادا من ضعف النص بالانفعالات المجانية والمبالغ فيها من الأولى والبرودة التقليدية من الثاني.
بصراحة ودون مجاملة لقد ظهر لي الثنائي (عابد وسلافة) بعيدا عن أي انسجام أمام الكاميرا، وحتى القصص الهامشية تبدو عاجزة عن سد الثغرات، بما في ذلك الخط الذي يشغله (معتصم النهار)، الذي قد يبدو أفضل السيئين في العمل، ولكنه غير قادر أيضا على حمل المسلسل بمفرده وانتشاله من برودة الأداء، لكن (جيرى غزال) استطاع أن يلفت النظر بأدائه الهادئ دون تشنج أو انفعال، لكن الحبكة الدرامية تبدو بطيئة جدا، كما أنها في لحظات معينة، مثل مشاهد غضب أهالي الضحايا الباحثين عن الحقيقة أمام الفروع الأمنية، التي تذكرنا بمشاهد اللبنانيين الغاضبين أمام منازل الطبقة السياسية.
صحيح كما يبدو من الأحداث فإن الكاتب اقتبس بعضا من الواقع اللبناني والسوري الراهن عندما كتب قصته، لكننا لم نعرف من خلال المشاهدة من هم السياسيين الذين كانوا على متن الطائرة، ولا نعلم حتى مناصبهم أو توجهاتهم؛ أما على مستوى مشاهد المافيا والاغتيالات فإنها لم تكن بذلك الإقناع، وفي كثير من الأحيان كانت القصة بشكل عام غير متماسكة بسبب بطئها أولا والحوارات والانفعالات المفتعلة ثانيا، وكذلك على مستوى الشخصيات، فإن أداء طاقم التمثيل كان متفاوتا إلى درجة كبيرة، دائما ما تعرف (معمار) بأدوارها المتميزة على الشاشة الصغيرة، لكنها في (بيروت 303) كانت في كثير من المشاهد غير مقنعة، والحال ينطبق على (عابد فهد) الذي اشتهر بشخصية (المقدم رؤوف) في مسلسل (الولادة من الخاصرة)، لكنه في شخصية عزيز قدم كثيرا من التشنجات وبرود الأعصاب لم يكن مقنعا، وهو غير مفاجى قياسا بالمستوى الإخراجي العادي أيضا للمسلسل.
إذا أردنا الإنصاف ليس مسلسل (بيروت 303) العمل الدرامي القصير الذي يقدم قصة وإخراجا عاديا، فقد استبقت منصة شاهد تقديمه للجمهور بعرض الموسم الثاني من مسلسل الإثارة والتشويق (الوسم) (فكرة وبطولة قصي خولي وإخراج سيف الدين سبيعي)، الذي لم يقدم أي إضافة جديدة من ناحية القصة التي تقوم في أساسها بين مجموعة من المافيات العالمية التي تقيم ما بين سوريا وأوكرانيا، حتى يكاد يأتينا شعور أننا نعيش في شيكاغو الشرق، ومثل (بيروت 303) خلا من عنصري التشويق والإثارة أولا، وكان أداء خولي مثل فهد مفتعلا وغير مقنع ثانيا، وفي النهاية قدم قصة بحبكة بطيئة وعادية جدًا.
النقطة الإيجابية الوحيدة مسلسل (بيروت 303) أنه شهد عودة (نادين الراسي) بعد سنوات من الابتعاد عن الدراما، وهى التي أعربت عن سعادتها بأن تكون هذه العودة إلى جانب (عابد فهد) الذي اجتمعت معه منذ 10 سنوات تقريبا، وأن تجمعها بسلافة معمار أيضا، لكنها هى الأخرى لم تكن على المستوى في تجسيد شخصية (رزان)، تلك المرأة العشيقة التي تحب عزيز أكثر مما تحب نفسها، وتريد أن تراه سعيدا، لكن في لحظة معينة تنقلب المرأة العاشقة بعد سنوات التضحية، (وما أدراك ما كيد النساء) وحتى وإن كانت (زران) تشبه (نادين) في مرحلة معينة، لكن نادين لم تكن على أي درجة من درجات الحيوية في أدائها الساخن كما هو حالها في مسلسل (الإخوة) مثلا قبل 8 سنوات من الآن.
باختصار ودون الدخول في تفاصيل القصة والسيناريو والإخراج، كنت أتمنى أن أرى كل من (عابد فهد، وسلافة معمار) في أحسن حالاتهما الأدائية لكنهما (خزلاني للأسف)، فمعروف أن (فهد) صاحب الأداء الصعب خلال السنوات القليلة الماضية، كما جاء في مسلسلاته الأخيرة (الساحر، دقيقة صمت، عندما تشيخ الذئاب) وغيرها من أعمال تشهد له بالقدرة الفائقة على التجسيد الحي، وكذلك (سلافة) صاحبة الأداء الناعم والسلسل والمخيف في ذات الوقت كما في (مسافة آمان، حرملك، حارة القبة، عالحد)، لكن الورق ظلمهما ظلما فادحا وورطتهما في قصة مسلسل (بيروت 303) التي هى بالأساس تشبه معظم الأفلام الهوليوودية التجارية، فيبدو من المؤكد أن القصة بطيئة وكان يمكن اختزالها بـ 6 حلقات من خلال تكثيف الحبكة الدرامية مع الحوار، والابتعاد عن المشاهد المكررة أو غير الضرورية، كما يبدو الحال مع والدة عزيز (جيانا عيد) التي ظهر أن دورها ثانوي، لكن تبدو المشاهد المكررة صفة عامة على الأعمال الدرامية العربية، كما الحال دائما مع مقدمة هذه الأعمال التي يصل طولها إلى أربع دقائق، ومسلسل (بيروت 303) دليل على ذلك كنموذج عملي يشهد على ضعف المستوى.