رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!
ظهور أول ميليشيا مسلحة مضادة لحركة (حماس) في غزة
عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

احتفت وسائل إعلام (إسرائيل) بظهور أول ميليشيا مسلحة مضادة لحركة (حماس) في غزة، واعتبرتها بداية ميدانية حقيقية لانهيار سلطة الحركة في القطاع، والحديث يدور عن مجموعة (ياسر أبو شباب) المسلحة، الذي تتهمه (حماس) بالعمالة لإسرائيل.

المؤكد والثابت هو أن الفشل الإسرائيلي المتواصل في قطاع غزة، كان دافعاً إلى إعادة تفعيل أدواته القديمة في الداخل، وفي مقدمتها بعض المجموعات المرتبطة به أمنيًا، والتي تحظى بحماية مباشرة من طائرات ودبابات جيش الاحتلال على أطراف مدينة رفح المحتلة.

عاد اسم (ياسر أبو شباب) إلى الواجهة مجددًا، لكن هذه المرة ضمن حملة أكثر تنظيمًا وتنسيقًا، تهدف إلى تلميعه وتسويقه كجهة (ضامنة) لتوزيع المساعدات، في محاولة لتغطية الفشل الإسرائيلي في تأسيس نظام محلي متعاون وشرعي، وترافق هذا الترويج مع محاولات فلسطينية محدودة تستثمر سياسيًا في المشهد، فاختارت الاصطفاف إلى جانب “لص مساعدات” معروف، على أمل تصفية حساباتها مع قوى المقاومة.

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!
يعرف سكان المناطق الشرقية في مدينة رفح جيدًا العصابة التي تمارس البلطجة

التسلق على المعاناة

يعرف سكان المناطق الشرقية في مدينة رفح جيدًا العصابة التي تمارس البلطجة على المساعدات الإنسانية، فهذه المجموعة ليست جديدة على المجتمع المحلي، بل ارتبط اسمها طويلًا بملفات جنائية معروفة، تعود إلى ما قبل اندلاع الحرب الحالية.إذ كانت الوجهة الدائمة لكثير من عناصرها هي سجون الأجهزة الأمنية، نتيجة تورطهم في قضايا تهريب وسرقة واعتداءات متكررة.

وتبرز في المشهد شخصية (ياسر أبو شباب)، وهو أحد أبناء مدينة رفح، وينتمي إلى قبيلة الترابين، وهى إحدى القبائل الممتدة بين قطاع غزة وصحراء النقب وشبه جزيرة سيناء، وبرغم محاولاته الاستقواء بالانتماء القبلي، فإن وجهاء القبيلة أعلنوا مرارًا براءتهم من أي شخص يعتدي على حقوق الناس، أو يتواطأ مع الاحتلال، مؤكدين أن الترابين كانت وما زالت تقدم الشهداء في صفوف المقاومة الفلسطينية.

استغل (ياسر أبو شباب) حالة الفراغ الأمني والفوضى، ليشكّل ميليشيا مسلحة تضم نحو 100 عنصر، معظمهم من أصحاب السوابق الجنائية ومن الخارجين مؤخرًا من السجون. وتشير التقارير الأممية إلى أن هذه الجماعة تتحرك بتواطؤ مفضوح من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحظى بحماية مباشرة في محيط معبر كرم أبو سالم.

وعلى مدى أشهر الحرب، فشل الاحتلال الإسرائيلي في إنتاج أي نموذج محلي متعاون يُعوَّل عليه، رغم محاولاته المتكررة للاستثمار في العشائر، أو المكونات المحلية، أو حتى المؤسسات الأهلية والدولية، لبناء نواة نظام جديد يتماشى مع رؤية بنيامين نتنياهو لما يُسمى (اليوم التالي) في قطاع غزة.

ومع تعثر مشروعه العسكري والسياسي، أُضيف فشل جديد إلى سجل آلة الدعاية الإسرائيلية – في تأليب المجتمع الفلسطيني على قواه الوطنية، أو خلق حالة تمرّد جماهيري تنقلب على المبادئ التي شكّلت صمّام الأمان الوطني للقطاع.

ومن رحم هذا الفشل، يولد البؤس الذي يدفع الاحتلال إلى التمسك بأكثر الخيارات وضاعة، بمحاولة تلميع وتدوير شخصية هامشية مثل (ياسر أبو شباب)، وتقديمه كنموذج محلي (منقذ)، في محاولة لتسويقه أمام الولايات المتحدة والدول الغربية، وكأن بإمكان الاحتلال أن يخلق بديلًا يتماهى مع طموحاته الأمنية.

وفي هذا المشهد البائس، تُقدّم شخصية متورطة في السرقات والاعتداءات والقتل كنسخة مقلوبة من (روبن هود)، لا لشيء سوى لأنها تخدم الرواية الإسرائيلية.

الرجل الذي سرق المساعدات وأشرف على قتل وجرح سائقين الشاحنات تحت حماية الاحتلال، يُقدَّم فجأة على أنه الضامن والراعي لتوزيع الإغاثة، لا بل (حاميها)، ولإخراج هذه المسرحية، بدأت منصات إعلامية وأبواق ناطقة باسم إسرائيل أو مُنخرطة ضمن خطابه، بالترويج للصور والمشاهد المصممة بدقة.

والتي تُظهر عناصر العصابة بزي موحّد وتجهيزات عسكرية، لتصديرهم كقوة منظمة، لا كمجموعة من السارقين والمتعاونين مع الاحتلال.

سعت إسرائيل من خلال هذا التوظيف الإعلامي الأمني إلى البحث من جديد عن اختراق الحاجز النفسي للمجتمع الغزوى، وصناعة أيقونة بديلة ترمز لفكرة (البديل الممكن) رغم أنها قائمة على الوهم والخداع.. فكل ما فشل فيه الاحتلال من محاولات إشاعة الفوضى، وتعزيز الحصار، وتفكيك البنية المجتمعية، يريد الآن أن يعيد تصديره بصيغة (حل إنساني)، من خلال أدواته.

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!
فلسطيني ولد 19 ديسمبر 1993 في رفح جنوب قطاع غزة، ينتمي إلى قبيلة الترابين

من هو (ياسر أبو شباب)

فلسطيني ولد 19 ديسمبر 1993 في رفح جنوب قطاع غزة، ينتمي إلى قبيلة الترابين، وكان معتقلا قبل السابع من أكتوبر 2023 بتهم جنائية، ثم أطلق سراحه عقب قصف إسرائيل مقرات الأجهزة الأمنية، وهنا تحديداً برز اسمه بعد استهداف كتائب القسام لما قالت إنها مجموعة من (العملاء المجندين لصالح إسرائيل) ويتبعون مباشرة لعصابة (ياسر أبو شباب) شرق رفح.

يُعتبر شخصية محلية تعمل في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وبحسب المعلومات الإسرائيلية، شاركت جماعة (ياسر أبو الشباب) في تأمين قوافل المساعدات الإنسانية الداخلة إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، كما تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن القوة العسكرية لأبو الشباب تتراوح بين عشرات وبضع مئات من العناصر المسلحة.

وفق الرواية الإسرائيلية، كان (ياسر أبو شباب) تاجر مخدرات معروفًا قبل الحرب، وقضى فترة في سجن حماس، بتهمة العمالة لإسرائيل، ويُنظر إلى (ياسر أبو شباب) بوصفه قاطع طرق استغل سيطرته على القطاع لنهب شاحنات المساعدات ، بحسب اتهامات حماس وكبار مسؤولي الأمم المتحدة، فيما يرى آخرون أنه يحاول منع حماس من الاستيلاء على المساعدات الإنسانية.

بحسب الإعلام الإسرائيلي، إنه في قطاع غزة المُدمَّر، أصبحت الشخصيات المحلية المسلحة جزءًا لا يتجزأ من الصراع على السيطرة.. والآن، يبدو أن إسرائيل تتعاون معهم لإضعاف حماس وإلحاق الضرر بها.

ومن جانبه، يقول (ياسر أبو شباب) إنه يعمل تحت إشراف السلطة الفلسطينية في رفح، وإنه أنشأ قوة تهدف إلى حماية الفلسطينيين مما وصفه بإرهاب حكومة الأمر الواقع على الأرض، ممثلة في حماس.

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!
(أفيغدور ليبرمان)، زعيم حزب (إسرائيل بيتنا)

الرواية الإسرائيلية

منذ اليوم الأول للكشف عن عصابة (ياسر أبو شباب)، تبارت وسائل الإعلام الإسرائيلية لتسليط الضوء عليها، باعتبارها نصراً للاحتلال، وهنا جرى الكشف عن  أن إسرائيل سلّحت جهات فلسطينية في قطاع غزة تعارض حماس بزعم (الدفاع عن نفسها) في مواجهة الحركة.

وأضافت القناة أنه جرى تنفيذ هذه الخطوة بموافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومن دون علم المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية، ولا المسؤولين في المؤسسة الأمنية. ووصل الموضوع إلى نقاش في إحدى اللجان السرية في الكنيست الإسرائيلي، حيث طُلب من ممثلي الأجهزة الأمنية ورئيس قسم الأبحاث تقديم معلومات حول الموضوع.

من جانبه اتهام (أفيغدور ليبرمان)، زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) لنتانياهو بتسليح (ميليشيات إجرامية) في غزة، بينها مجموعات وصفها بأنها (قريبة من تنظيم داعش الإرهابي) دون موافقة الحكومة المصغرة أو رقابة الجيش، محذراً من أن هذه الأسلحة قد تُستخدم مستقبلاً ضد إسرائيل نفسها.

وقال (إن إسرائيل سلمت أسلحة لعصابات في قطاع غزة بأمر من رئيس الوزراء (بنيامين نتانياهو) مؤكداً أن (إسرائيل نقلت بنادق هجومية وأسلحة خفيفة إلى مليشيات إجرامية في غزة)، مؤكداً أن هذه الخطوة تمت (بأوامر مباشرة من نتانياهو).

وأضاف أن تسليح عصابات إجرامية في غزة لم يحصل على مصادقة المجلس الوزاري المصغر، مؤكداً أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يعلم بالأمر، وأردف: لكنني لست متأكدا من أن رئيس أركان الجيش (إيال زامير) كان يعلم، نحن نتحدث عن ما يُعادل داعش في غزة، وأضاف محذراً : (لا أحد يضمن عدم توجيه هذه الأسلحة إلى إسرائيل.. ليس لدينا أي وسيلة للمراقبة أو التتبع).

أما (ميخائيل ميلشتاين)، خبير الشؤون الفلسطينية في مركز موشية ديان في تل أبيب، فوصف قرار إسرائيل بتسليح المجموعة بـ (خيال وليس شيئاً يمكن اعتباره استراتيجية)، مضيفاً: (آمل ألا ينتهي ذلك بكارثة).

كما اعتبر (يائير غولان)، نائب رئيس الأركان السابق، بتغريدة على حسابه في منصة (إكس) أن (نتنياهو)، الذي حوّل مليارات الدولارات إلى حماس في حقائب نقدية، بناء على فكرة خاطئة مفادها أنها ستؤدي إلى تغيير مواقفها، يُروّج الآن لفكرة خطيرة جديدة: (تسليح ميليشيات غزاوية مرتبطة بداعش).

كذلك أفادت القناة 12، أن مصادر إسرائيلية حذّرت من نتائج عكسية لتسليح حكومة بنيامين نتنياهو مجموعة فلسطينية مناوئة لحركة  في غزة، معتبرة أنها خطوة (خطيرة ومحفوفة بالمخاطر وستأتي بنتائج مضادة).

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!

عصابة (ياسر أبو شباب).. الرواية الإعلامية الإسرائيلية!
المونيتور: (إسرائيل تلعب لعبة منافقة هنا)

فشل استراتيجي

من جانبه موقع (المونيتور)، عن مصدر عسكري إسرائيلي القول: (هذه مُقامرة جامحة.. إنها تُتيح قدراً من الفرص، لكنها تنطوي أيضاً على مخاطرة كبيرة)، وقال المصدر العسكري: (قد تبدو فكرة تمويل وتسليح قوة محلية في غزة لطرد حماس وحماية القوات الإسرائيلية في أراضي العدو خطة سديدة، لكن تطبيقها محفوف بالمخاطر، وقد تُفقِد إسرائيل في نهاية المطاف فرصة حكم حماس المُنظم لغزة على مدى 17 عاماً، لتحل الفوضى).

لكن مصدراً إسرائيلياً مطّلعاً على المشروع قال إن (هذه منطقة طهرها الجيش الإسرائيلي من حماس، ولذلك فإن وجود أبو شباب فيها يتم بتعاون كامل مع إسرائيل.. لا يوجد أي نشاط في هذه المنطقة دون موافقة إسرائيلية).

وفي مواجهة الرفض الشديد والمستمر من الحكومة المتشددة للسماح للسلطة الفلسطينية بموطئ قدم في غزة، اقترح جهاز الشاباك الإسرائيلي ملء الفراغ بجماعات محلية بدلاً من ذلك.

إلا أن (المونيتور) ينقل عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير سابق قوله إن: (هذا وهم)، مضيفاً أن (إسرائيل تلعب لعبة منافقة هنا، فقط لتعلن رفضها للسلطة الفلسطينية كهيئة حاكمة فلسطينية شرعية في غزة).

أخيراً هذا التوجه لا يعكس فقط انحدارًا أخلاقيًا، بل يكشف عمق الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي، أمام سؤال لم يجد له إجابة منذ اليوم الأول للحرب: كيف يمكن هندسة الواقع في غزة دون قواها الوطنية الأصيلة؟، وهو سؤال محسوم الإجابة سلفًا من كل المكونات السياسية الفلسطينية التي عبرت بوضوح: لا شرعية لأي مسار لا يخرج من التوافق الوطني.

وأي محاولة لخلق بدائل مشوّهة، لن تكون سوى تكرار للفشل، وارتطام جديد بجدار المناعة الوطنية الذي أثبت صلابته، فالسارق لن يُصبح (روبن هود)، ومصيره – كما كل المتعاونين – سيكون الحتمي ذاته: السقوط أمام الإرادة الجمعية لشعبٍ يعرف جيدًا عدوه، ويعرف أدواته، وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.