
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
مصيدة التنمر امتلأت عن آخرها بعد وقوع (ريهام عبدالغفور) و(دينا الشربيني، وآية سماحة) في المصيدة، وهذا لن يعني أنهن آخر ضحايا (التنمر)، فبمرور الوقت سيتم توسيع المصيدة حسب الحاجة، رغم أنها تضخمت وأصبحت تفوق مساحة الوطن، بل وتمتد على مساحة الكوكب بعد أن أصبح رؤساء يتنمرون على رؤساء وشعوب تتنمر على شعوب وحكومات تتنمر على حكومات.
قبل حوالي 1200 عام قال شاعر العلماء وإمام الحكماء (محمد بن إدريس الشافعي): (نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا، وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا، وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا).
ولا أعرف ما الذي كان يمكن أن يقوله لو عاش في هذا الزمان الذي يستبيح الإنسان فيه حياة الآخرين بلا خجل ولا حياء، يستبيح سمعتهم وشرفهم ويغوص في خصوصياتهم من خلال (التنمر).
وإن لم يجد ما يغوص فيه يخلق الأكاذيب وينشرها ويروجها على الملأ، نميمة وتنمر وسخرية مما لا ينبغي السخرية منه واستهزاء وطعن في الأعراض، وقذف المحصنات وصناعة فتن وهدم أسر وتشكيك في أنساب، وكل ما ليس له نهاية مما حرم الله في جميع الديانات.
الزمن لم ولن يتغير ولن تأتي الشمس من المغرب ولن يسبق الليل النهار ولن يغيب تاركاً مساحة الزمن للنهار وحده ولا العكس، ولن يكون العام كله شتاء أو صيفاً، ولكن ستظل تدور عجلة الزمن بنفس النظام الذي أقره الله عز وجل منذ الأزل وإلى الأبد.

بلغ الفجور المدى
الذي يتغير من وقت لوقت هو الإنسان، تتغير نفسه بين عشية وضحاها، تنام على حال وتصبح على آخر مختلف، تَفجر أحياناً وتخاف الله أحياناً أخرى، ولكن للأسف بلغ فجورها مداه، ولم تجد من يتصدى لأوامرها السيئة.
بل وجدت الإذعان والخضوع لرغباتها، وكلما ازدادت الرفاهية ازداد جشع النفس، وتجاوزت كل الحدود، ولم تستح بل جاهرت ولم تكتف بالانحراف الذاتي بل طال جشعها الغير، تتنمر وتقذف وتجرح وتدمر وتفتن وتخرب من دون ضمير يؤنبها ويعيدها إلى الصواب.
السوشيال ميديا كشفت خراب النفوس التي تتلذذ بكل ما يزعج الآخرين، (التنمر) لم يعد يطال فئة دون فئة، ولم يعد يقتصر على المشاهير من الفنانين والرياضيين، بل طال الجميع من رأس الدولة إلى فئات الشعب الدنيا وما بينهما.
من حقنا جميعاً أن ننتقد قرارات وأعمال الشخصيات العامة، إنما ليس من حق أحد أن يتدخل في خصوصيات الآخرين، أو يتجاوز على سلوكياتهم الشخصية، كما يفعل المتنمرون والمتربصون بخلق الله الذين لم تعد تستوقفهم العموميات قدر ما تستوقفهم الخصوصيات.
وآخر ضحايا (التنمر) الفنانة الراقية (ريهام عبدالغفور) التي اختارت طريق الصدق ولفظت التجميل والتجمل، ظهرت في مسلسل (ظلم المصطبة) بشكلها الحقيقي بلا تزييف ولا ماكياج.
انتقدوا تجاعيدها بدلاً من الثناء على جرأتها واختيارها طريق الصدق، مما دفعها للخروج على السوشيال ميديا راجية الكف عن إيذاء مشاعر أولادها، لم يلفتهم عمق أدائها ونجاحها الكبير في تقمص شخصية صعبة عبرت عن أوجاعها وآلامها بأدوات التعبير الصحيحة.
كانت تتحدث بعينيها وهى صامتة، وملامحها تتألم من دون أن تنطق، بلغت النضوج وأوصلت للمشاهد مكنون الشخصية التي جسدتها، وبدلاً من أن نصفق لها جميعاً جاء من ينتقد تقدمها في العمر وهى التي لم تخف عمرها (٤٦ عاماً) وتدرك أن لكل عمر جماله وأن التجميل والتجمل أداة خداع للمشاهد!
يضعون الفنانات في حيرة، من تنفخ شفتيها وتخفي تجاعيدها وتزيف ملامحها ينتقدونها ويكيلون لها بكل المتاح من قاموس السب، ومن تطل عليهم بشكلها الطبيعي بلا أي تدخلات تجميلية يتنمرون عليها.



سخروا من أنف (أمينة خليل)
ليست (ريهام عبدالغفور) وحدها من تعرضت لـ (التنمر) بسبب الشكل، شبهوا (أسماء جلال) بمايكل جاكسون، سخروا من صوت (هنا الزاهد)، تنمروا على شكل بطن (سلمى أبوضيف) وهى حامل، سخروا من أنف (أمينة خليل)، استهزئوا بإعاقة ابنة (يسرا اللوزي).
وما سبق مجرد نماذج تكشف درجة الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه البعض ممن يسعون لتشويه مجتمعنا وإظهاره مجتمع نميمة وتنمر وفراغ فكري واعتلال وجداني.
العلاقات بين الفنانين والفنانات تسكن كل الوقت في مصيدة (التنمر)، ولو لم يجدوا ما يريدون اختلقوه، ولن تكون حكاية (دينا الشربيني وكريم محمود عبدالعزير) آخر ما يجعلونه ترينداً في هذا الصدد.
صحفية لبنانية قالت على السوشيال ميديا أن بينهما علاقة غرامية، وما هى إلا دقائق معدودة حتى تصدر هذا الخبر التريند، وكأنهم يجلسون خلف الشاشات في حالة انتظار لما يمكن أن يشغلون به الناس، بصرف النظر عن مدى صحة هذا الخبر، فهو سلوك شخصي لن يضير أحداً سواء كان صادقاً أو كاذباً.
إنما يمكن أن يهدم أسرة كريم ويزعج بناته ويؤذي المحيطين بكلا الطرفين، ولكن في زمن فتنة السوشيال ميديا فكل شيء مستباح.
المصورون والصحفيون الذين يطاردون جنازات وجثامين الموتى من الفنانين لا يؤدون رسالة صحفية ولكنهم يهينون مهنة البحث عن الحقيقة ويحولونها إلى مهنة البحث عن فضيحة أو عن جنازة.
وإذا أبدى فنان انزعاجاً من هؤلاء (الباباراتزي) فإنهم يستخدمون معه كل الأساليب (التنمر)، وما حدث من محاولة أحد المواقع خلق فتنة بين (آية سماحة) وزوجها، رغم اعتذارهما عن مالا ينبغي الاعتذار عنه عقب ما شاهداه من مصورين خلال جنازة الفنان (سليمان عيد).
هذا مجرد غيض من فيض لما وصلنا إليه، والغريب أننا دائماً نرجعه للزمن رغم أنه بريء من كل ما نفعله، فنحن الذين نحدد ملامحه، ولا ننتبه إلى ما نحدثه من تغيير وما نتركه من أثر وميراث مشوه للأجيال القادمة من بعدنا.