بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
مما لاشك فيه أن قرار فصل الفنانة الجميلة والقديرة (سلاف فواخرجي) التعسفي من نقابة الفنانين السوريين صنع كثير من الجدل في الشارع العربي، خلال اليومين الماضيين، على مستوى ردود الفعل سواء من جانب زملائها من فناني العالم العربي الذين انتفضوا لمساندتها، أو من جانب الجمهور الغاضب جراء هذا التعنت الذي أصابها.
عجبت لقرار الفصل لأنه جاء بتوقيع الفنان (مازن الناطور) نقيب الفنانين السوريين، والذي عانى كثيرا نفس التعسف في عهد نظام الأسد السابق، وأبعد عن بلده جراء معارضته النظام الذي مدحته (سلاف فواخرجي) قبل أيام نافيه عنه مظالمه الواضحة للكافة، وهو ما كان يستوجب تحقيقا مسبقا.
ربما أخطأت (سلاف فواخرجي) حين داست برأيها على الضحايا من أبناء شعبها الذي عانى كثيرا في ظل نظام استبد بشعبه، وأوقع كثيرا من الضحايا وزج بعشرات أو مئات الآلاف في سجون الظلام وعومل بقسوة لاتليق بشعب سوريا العربية.
ولكن بما أن الفنان (مازن الناطور) عاني نفس الاضطهاد والغربة عن سوريا، كان ينبغي أن يشرع في مثل هكذت قرار قبل أن يتصل بالفنانة (سلاف فواخرجي) كي يناقشها فيما صدر عنها أولا، فربما تراجعت احتراما لشعبها الذي أحبها وتوجها نجمة على رأس الفن السوري والعربي، لا أن يقوم بإصدار قرار عنيف تفاجأ به الفنانة عبر السوشيال ميديا.
منطوق القرار يقول أن قرار فصل الفنانة الجميلة والقديرة (سلاف فواخرجي) من عضوية النقابة يقول أنه بسبب (إصرارها على إنكار الجرائم الأسدية وتنكرها لآلام الشعب السوري)، وهنا أتساءل مع كثيرين غيري من محبي فن (سلاف فواخرجي): هل ناقشها النقيب وأبدت ذات الإصرار، ومن ثم أصدر قراره بناء على نتائج التحقيق؟.
بالتأكيد لم يناقشها خاصة أن (سلاف فواخرجي) فوجئت بالقرار، علما بأنها في الأساس لم تقدم نفسها للعالم العربي بوصفها عضو نقابة الفنانين السوريين، والدليل أننا كمشاهدين أحببنا فنها لأنها ممثلة كبير وقديرة، جسدت أروع أدوراها في الدراما التلفزيونية السورية والعربية، حتى صارت أيقونة من رواد هذا الفن في سوريا ومصر وباقي الأقطار العربية.
لم تتخذه جهة أمنية
ثم إن الموقف الذى اتخذه نقيب الفنانين السوريين بفصل فنانة من عضويتها لأنها أبدت رأيها فى قضايا محددة تخص وطنها سوريا، هو موقف مخزى ويدعو للسخرية والاستنكار ويمثل سابقة مخيفة تنذر بمزيد من التغول على حرية الرأى.
والذي يدعو للأسف والأسى في ذات الوقت لهذا القرار أن هذا الموقف لم تتخذه جهة أمنية – كما كان يحدث من قبل في عهد نظام الأسد – وإنما نقابة دورها الأساسى الدفاع عن الحق فى الرأي، وصيانة وحماية حقوق أعضائها بالأساس فى التعبير عن مواقفهم السياسية دون خوف من منع أو مصادرة أو عقاب من قريب أو بعيد.
وحتى ولو كان هذا الرأي مخالفا للنظام الحالي، الذي من مصلحته أن تقول (سلاف فواخرجي) رأيها وهى في بلدها سورية مدعومة بمناخ الحرية الجديد، تأكيدا على حيادية نظام جديد يدعوا لمصالحة كافة الأطياف السياسية في إطار لم الشمل.
فمنذ هبط نظام سوريا الجديد بقيادة (أحمد الشرع)، وهو يدعو لتكاتف أبناء سوريا صفا واحدا لإعادة بناء الوطن على جناح المصالحة، وعدم إقصاء أي شخص طالما أن يده لم تتلوث بدماء الشعب أو التسبب في معاناة أحدا أيا كان.
صحيح أن (سلاف فواخرجي) لم ولن تخسر شيئا بفصلها من نقابة الفنانين – تلك التي لاتحترم حرية الرأي – كما أن الجمهور العربى لن يتوقف عن مشاهدة أعمال (سلاف فواخرجى)، لأنها فقدت عضوية نقابتها التي لم تناقشها في رأيها إن كانت على صواب أو خطأ.
ولكن هنا أقول للفنان والصديق (مازن الناطور): حكم ضميرك وراجع نفسك في شأن فصل (سلاف فواخرجي) التعسفي، حتى ولو كان بإيعاز من النظام الذي يحكم سوريا – وهو ما أشك فيه جملة وتفصيلا – لأن هذا يشكل تناقضا واضحا بين تصريحاته فور توليه السلطة وتراجعه عن لم الشمل السوري حاليا.
أذكر تلك المرارة التي عانها (مازن الناطور) طوال سنوات الغربة مبعدا عن سوريا، ولا أنسى دموعه في حال الحديث عرضا عن التراب السوري الذي افتقده رائحته طويلا، حتى أنه لم يصدق نفسه حين وطأ التراب السوري، بعد أن كان قد فقد الأمل في العودة إلى حضن وطنه الذي نشأ وترعرع في كنفه، وحقق سمعة طيبة جراء فنه الراقي.
أغلب الظن أن النظام السوري الذي مد يد العفو أنه لا يقبل مثل هذا التعسف في حق الفنانة (سلاف فراخرجي)، التي أصبحت رمزا من رموز الفن السوري العريق جنبا إلى جنب مع الفنانين (أمل عرفة، دريد لحام، مني واصف، أيمن زيدان، بسام كوسا، سالوم حداد، عباس النوري، تيم حسن) وغيرهم، ممن أضاءو الشاشة السورية والعربية بفصل إبداعهم البطولي.
لن تخرج من وجدان الجمهور
وأشك أن تخرج (سلاف فواخرجي) لحظة واحدة من وجدان الجمهور السوري والعربي، وهى التي عبرت عن هموم أبناء وطنها عبر أعمال تشهد لها بالجدارة والإبداع، بعينيها المعبرين حاملة الرسائل الإنسانية بدلالتها المختلفة كوسيلة للتعبير وإدراك المشاعر المشبعة بالعاطفة المشحونة بالشجن.
نعم (سلاف فواخرجي)، هى نهر لا يتوقف في جريانه الهادر في التعبير بصدق وواقعية، وقد ميز الله الإنسان بنعمة الإدراك لكى يتفاهم مع البيئة التى تحيط به، وصحيح أن الإنسان لا يمتلك صفات خارقة للطبيعة، ولكن الإنسان قادر أن يحتوى الكون فى عقله وقلبه ويعيد صياغة الدوافع الإنسانية في صورة مشهد تمثيلي دارمي يلخص المعاناة ويعبر بالمشاعر الفياضة إلى ضفة أخرى من النهر.
وهى التي جسدت هذا على جناح أداء عفوي يجسد الحالة ويحلق في آفاق عوالم الخيال الطامح نحو مناطق الدفء والحنين، وبالتالى فعندما يبدأ الإنسان فى تفسير شئ ما فى الطبيعة فإنه يبحث عن أسباب من أجل تطوير أساليب ومعايش الحياة نفسها وكذلك يبحث عن معانى فى الحياة لتطوير الذات والنفس.
وفي تحليلنا للغتي الجسد والعيون سيكولوجيا، عند (سلاف فواخرجي) سنصل إلى هدفنا في التدليل على أن السيكولوجيا هى الشرط في نجاح الدراما التلفزيونية، وأن سبب فشل الكثير من المسلسلات الدرامية التلفزيونية العربية، هى افتقار المخرج والممثلين لهذا الفهم السيكولوجي فتكون النتجة أن المشاهد يرى الممثل يمثل ولا يعيش الفعل سيكولوجيا.
وعند متابعتي لمجمل أعمال (سلاف فواخرجي) بعين المشاهد المتأمل بعمق لتفاصيل الأداء، وجدت أنها كان موفقة جدا في توظيف لغتي الجسد والعين، بالمعاني التي ذكرناها، في تجسيد انفعالات الحب، ونقيضها الصعب.. الانتقام من المحبوب!، كما بدا جانبا من هذا في بعض أعمالها الرومانسية التي لا تسقط بسب فصلها التعسفي من النقابة.
وستبقى (سلاف فواخري) ممثلة سورية مبدعة في الدراما السورية والعربية، والتي سميت وستظل (شهر زاد الشاشة العربية)، حيث اشتهرت بعدة أدوار مميزة، مثل (أسمهان وكليوبترا)، وأصبحت أجمل الممثلات التي استطاعت منذ ظهورها على الكاميرا التي تشكل بجمالها الأخذ بموهبتها المثالية
العيون الزرقاء عنصرا ساحرا
ولعل وجهها ليس له مثيل على الشاشة، لأن مكياجها طبيعي والصورة خير دليل على ذلك، لتظل العيون الزرقاء عنصرا ساحرا في إطلالتها التي بدأت بها مسيرتها الفنية عندما تم ترشيحها لتؤدي دور في فيلم (الترحال)، الذي حققت من خلاله نجاحا كبيرا، رغم أنه أول دور لها ولكن قامت به بأفضل ما يمكن، مما جعل المخرج (عبد اللطيف عبد الحميد) يعرض عليها دورا رومانسيا.
وفيلم (نسيم الروح) كان ثاني عمل لها، وبعدها توالت أعمالها الفنية في الدراما التلفزيونية والسينما، وأصبح أسمها لامعا في عالم الفن والتمثيل .
قدمت (سلاف فواخرجي) أعمالا رائعة في الدراما العربية والسورية منها مسلسلات (الحقيبة الضائعة) عام 1996، و(عودك رنان – 1997)، ثم مسلسلات (بنت الضرة – 1997، زمن المجد، وخان الحرير ج2 – 1998، قلب دافئ، وثلوج الصيف، الجمل – 1999، سيرة آل الجلالي – 2000، مبروك – 2001، لشو الحكي، قوس قزح..
صلاح الدين الأيوبي، الأيام المتمردة، أحلام لا تموت – 2001، ورود في تربة مالحة، نوادر جحا، صقر قريش، صراع الزمن، ردم الأساطير، الوصية، الفصول الأربعة ج 2، (الأرواح المهاجرة) ومسلسل (أقبية الموت – 2002، نساجة ماري، لغز الجريمة، قانون ولكن)، وفي عام 2003: ذكريات الزمن القادم، بقعة ضوء، لشمعة والدبوس، الحسناء والعجوز).
في عام 2004 شاركت في مسلسلات: (عصر الجنون، شهرزاد الحكاية الأخيرة، أحلام كبيرة، وفي عام 2005 قدمت أروع أدوراها في (ملوك الطوائف، عصي الدمع، عصفور طيار، بكرا أحلى، الظاهر بيبرس).
أما في عام 2006 فقدمت مسلسلات: (ندى الأيام، على طول الأيام، بارود.. اهربوا، الواهمون، فضلا عن فيلم (حليم)، وعام 2007 شارك في مسلسل (عنترة، سقف العالم، رسائل الحب والحرب، جنون العصر، وفيلم (الهوية).
أنضج أعمالها على الإطلاق
أما أنضج أعمالها على الإطلاق فكان في عام 2008 من خلال مسلسلات (يوم ممطر آخر، يا ناس يا هوه، هيك تجوزنا، حسيبة، العشاق، أسمهان، اسأل روحك، وفيلم (ليلة البيبي دول)، وعام 2009 قدمت عملا واحدا هو مسلسل (آخر أيام الحب)، وكذلك الحال في عام 2010 مسلسل (كليوباترا).
وبدأت عام 2011 بفيلم سينمائي واحد هو (يوم صامت)، ثم قدمت مسلسليها البديعين (الولادة من الخاصرة، وفي حضرة الغياب)، وكذلك بدأت عام 2012 بفيلمي (هوى، ومريم)، وقدمت أيضا مسلسلي (ما بتخلص حكاياتنا، المصابيح الزرق)، وعام 2013 قدمت كلا من (ياسمين عتيق، حدث في دمشق (يا مال الشام).
ويأتي عام آخر في التألق 2015، بمسلسلات (حرائر، حارة المشرقة، بانتظار الياسمين)، وأفلام (انتظار الخريف، ثلوج الصيف، الأم)، أما أنضج أعمالها على الإطلاق فكان في عام 2008 من خلال مسلسلات (يوم ممطر آخر، يا ناس يا هوه، هيك تجوزنا، حسيبة، العشاق، أسمهان، اسأل روحك، وفيلم (ليلة البيبي دول).
وعام 2009 قدمت عملا واحدا هو مسلسل (آخر أيام الحب)، وكذلك الحال في عام 2010 مسلسل (كليوباترا)، وبدأت عام 2011 بفيلم سينمائي واحد هو (يوم صامت)، ثم قدمت مسلسليها البديعين (الولادة من الخاصرة، وفي حضرة الغياب)، وكذلك بدأت عام 2012 بفيلمي (هوى، ومريم).
وقدمت أيضا مسلسلي (ما بتخلص حكاياتنا، المصابيح الزرق)، وعام 2013 قدمت كلا من (ياسمين عتيق، حدث في دمشق (يا مال الشام)، ويأتي عام آخر في التألق 2015، بمسلسلات (حرائر، حارة المشرقة، بانتظار الياسمين)، وأفلام (انتظار الخريف، ثلوج الصيف، الأم).
وفيما بعد قدمت (سلاف فواخي) عدة مسلسلات تشهد لها بالكفاءة من فرط روعتها، مثل ( أحمر، هوا أصفر، مدرسة الحب، باب الحارة 8، ناس من ورق، خط ساخن، شارع شيكاغو، الكندوش، عنبر 6، مع وقف التنفيذ، مال القبان، إمبراطورية م)، فضلا عن (ليالي روكسي).. آخر أعمالها في رمضان 2025.
وبعد كل تلك الأعمال التي زينت الشاشة السورية والعربية، يبقى لي القول براحة تامة: أن (سلاف فواخرجي)، لايمكن أن تبرح ذاكرة الجمهور السوري والعربي، وستظل راسخة في وجداننا جميعا رغم أنف نقيب الفنانين السوريين ونقابته العرجاء.