رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: (سيوة).. و(الجدي المقدس)

كانت الطائرة الصغيرة تمر فوق الصحراء في طريقنا إلى الواحة  تأملتها من النافذة

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

قبل أتجه إلى واحة (سيوة)، حقق برنامج (صورة شعرية) نجاحا هائلا وانتشارا واسعا أضاف إلى مساحة وجودي كشاعر في الوسط الأدبى والإعلامي.. أصبحت الصحف تتناول أخباري بشكل مستمر..

كان نجاحى الأدبى في هذه الفترة يطغى على احتياجاتي المادية رغم صعوبتها ومعاناتي اليومية مع متطلبات عائلة من 9 أشقاء ووالد على المعاش و أم ربة منزل.. حقق هذا النجاح لى بعض التوازن النفسى بعد الخروج من ظلمة نفق المعتقل..

في هذه الفترة وصلتنى دعوة في خطاب أرسله لى المهندس (إلهامي عيد)، وهو مهندس في شركة بترول تنقب عن البترول في واحة (سيوة).. تبعد (سيوة) حوالى 300 كيلومتر عن مدينة مرسى مطروح.. وعن القاهرة حدود 600 كيلومتر ..و تنخفض حوالى 18 متر عن سطح البحر..

كانت الدعوة ملحة ورقيقة في أن أزور الواحة مصطحبا معي من أريد من رفقة وأن يكون الانتقال على حساب الشركة جوا.. وبطائرة خاصة.. بالفعل اصطحبت معى الصديق سامى سعيد..

بينما كانت الطائرة الصغيرة تمر فوق الصحراء في طريقنا إلى الواحة  تأملتها من النافذة.. تلك الصحراء التي ابتلعت (جيش قمبيز) وهو يعبرها في طريقه الى معبد أمون  على رأس جيش  ضخم وقد أقسم على هدم و حرق معبد أمون واستعباد كهنته والتنكيل بهم..

وقد اختفى الجيش تماما فجأة في هذه الصحراء بعد أن ابتلعته عاصفة رملية كلعنة هائلة لم ينج منها جندي واحد.. كما مر من هنا الإسكندر الأكبر في طريقه إلى معبد آمون ليحصل على مباركة الكاهن الأكبر وينصبه إمبراطورا لمصر دون حرب..

وقد دار بينهما حديثا سريا لم يبح به الإسكندر بعد خروجه محملا بنبوءات الكاهن.. ظللت أفكر في هذه النبوءات، هل هى حدود إمبراطورية الإسكندر الواسعة التي سيغزو أراضيها.. أم موته بمجرد خروجه من مصر..

فجأة انتهت الصحراء حينما طالعتنا مساحات هائلة من النخيل (سيوة)

مساحات هائلة من النخيل

فجأة انتهت الصحراء حينما طالعتنا مساحات هائلة من النخيل (سيوة)، وسيوه اسم فرعونى يعنى (أرض النخيل).. تنتشر فيها أيضا العيون الكبريتية فيما يزيد عن الـ 200 عين مثل عين كيلوباترا وغيرها..

هبطنا إلى المطار الخاص حيث كان في استقبالنا المهندس (إلهامى تصحبه فتاة جميلة اسمها (سونة).. رافقتنا (سونة) طوال الرحلة حتى أصبحت من أعز صديقاتي.. لكننى لم انتبه إلى هالة الشهرة كونى شاعر أكتب الشعر العاطفى و الأغانى العاطفية فتجذب أضوائها الفراشات من أمثالها..

لم انتبه إلى ذلك إلا بعد أن عادت مع شقيقها الى القاهرة بعد أن يأست الشركة من العثور على البترول هناك.. حاولوا منعها عن استمرار التواصل معى بعد أن بدا عليها انجذابها العاطفى نحوى فحاولت الانتحار..

في المستشفى قاموا بتمزيق كل دواوينى التي تصطحبها معها.. في جولتنا في واحة (سيوة) لاحظت الرجال في الطرقات الجبلية أقرب إلى الأقزام.. النساء في البيوت أقرب إلى ملكات الجمال.. يظهرن أمام أبوابها ويختفين بسرعة الغزلان الهاربة المنتشرة هناك..

لاحظت بعد ذلك أن الرجال يجتعون سويا في شعاب الجبل يحتسون الشاي ويقضون ليلهم هناك بينما النساء قابعات في المنازل في انتظار يطول.. لم أفهم هذه الظاهرة الغريبة إلا بعد سنوات..

فقد كان رئيس مجلس مدينة سيوة والذى كان يهوى التمثيل واشترك في مسرحية لأمين الهنيدى قد نصب فيما بعد سكرتيرا عاما لمحافظة الدقهلية، وقد دعى المهندس (إلهامي) بدوره لزيارة المنصورة والسهرة في نادى التجديف..

شاركتهم السهرة لأعيد عليه تعجبى من ظاهرة الرجال في الجبل والنساء في المنازل ليلخص لي الإجابة في موقف صغير، حيث حضر إلى مكتبه في الواحة رجلين وطلبا منه أن يزوجهما.. وأنه ما زال يحتفظ بصورة من عقد الزواج إلى الآن .

اشتهرت (سيوة) كونها مركزا للعلاج بالطبيعة من الروماتيزم و الروماتويد و غيرها من الأمراض .. رأيتهم هناك يدفنون المريض في الرمال الساخنة حيث تتعامد الشمس مع الواحة في الواحدة ظهرا من شهور الصيف ليتم تنزيل الشخص عاريا داخل حفرة بارتفاع الشخص فلا يبقى منه خارجا سوى الرأس التي يقومون بتظليلها..

حتى لا يصاب بضربة شمس فتقوم الرمال الساخنة بفتح مسام الجلد، وبعد نصف ساعة يخرج من الحفرة ليقومون بإدخاله خيمة بنفس درجة الحرارة حيث يرتدى ملابسه ويشرب هناك الحلبة لتدر مزيدا من العرق والينسون للتهدئة..

تدخل كهف الملح فتجلس على قالب من الملح وتدفس قدميك في الملح فتتم سحب الطاقة السلبية من الجسم

طريقة العلاج بالملح

ثم يكمرونه في بالطو ثقيل حيث يتجه الى سكنه لينام فتخرج منه كمية هائلة من العرق محملة بسموم الجسم ليتم بعدها غلق مسام الجسم بزيت الزيتون والخل.. كما تنتشر أيضا طريقة العلاج بالملح فتدخل كهف الملح فتجلس على قالب من الملح وتدفس قدميك في الملح فتتم سحب الطاقة السلبية من الجسم ويعود اليك الكثير من هدوئك النفسى..

وقد تهبط إلى بحيرات ملحية لتقوم بنفس الدور.. كلها طرق للعلاج رأيتهم يقومون بها لمن يأتي اليهم من أقاصى الأرض للعلاج في مقابل مبالغ ضخمة.. وإذا لم يشفى يلجؤون إلى الأعشاب الطبية التي تنمو في واحة (سيوة)..

سألتهم وإذا لم يشفى بعد كل ذلك هل يعود المريض صفر اليدين بعد كل هذه التكاليف للانتقال الى هنا و الإقامة؟.. أجابوني أن هناك العلاج الحاسم (الجدي المقدس).. سألت عن سبب تقديسه.. (الجدي) غريب في تكوينه.. له ثلاثة أثداء يدر كل منهم كمية هائلة من اللبن .. من يرتشف منه تذهب عنه كل الأمراض..

وهو في مكان ما في صحراء مرسى مطروح  حيث الرحلة إليه برا تستغرق ساعات عدة منعتنى من فكرة الذهاب لمشاهدته.. بعد عودتي إلى القاهرة استمرت فكرة مشاهدة هذا (الجدي المقدس) تشاغلنى حتى سافرت في رحلة جماعية إليه..

هناك رأيت الخيام تشبه ما ذكرنى بمولد السيد البدوى في طنطا.. حيث الخيام تنتشر في كل مكان.. تغص بالمنتظرين لدورهم.. فالجدى المقدس لا يسمح بحلبه سوى ثلاث مرات في اليوم وكل ثدى يكفى لثلاثة من المرضى فقط .. و على البقية الانتظار في الخيام..

الغريبة أن معظم من رأيتهم يحضرون للعلاج في (سيوة) هم من كبار الأطباء اللذين ترى بعضهم في البرامج التليفزيونية يسخر بكل الأنفة من طرق العلاج الشعبى ..

 كان (الجدي المقدس) فاتحة خير لكل البلدة التي يقيم فيها.. مصدرا لدخلهم الذى حاولوا الحفاظ عليهم بإسباغ المزيد من هالة التقديس حوله حتى تحولت  البلدة إلي مزار سياحي أو مشفي.. يؤجرون الخيام و الدور الصغيرة للزائرين المنتظرين لدورهم لرشفة الحليب..

مطاعم فقيره وأسواق مفتوحه 24 ساعة.. ألعاب نارية وأماكن لشرب الجوزة والمخدرات وصيدليات متنقله ومئات الأطفال يبيعون كل شئ.. كل شئ هنا متوفر وللبيع  حتي الجنس..

الجدي المقدس

يجلس في حجرة الانتظار الكبيرة مجموعة ضخمة  من البشر.. بينهم  أطباء وأساتذة جامعة وأصحاب شركات.. الحجرة بها كنب خشبى بدون فرشة وبعض الحصائر..

أنظار الجميع نحو الباب في انتظار ما سيجود به الجدى المقدس من حليب.. كنت ألاحظ أن الوعاء الذي يجلب فيه  الحليب به بعض الماء حتي يزيد الكمية.. يدخل الرجل ومعه (الجدي المقدس) فيقف الجميع احتراما له حتي يهز ذيله فيجلسون..من عليه الدور يأخذ نصيبه حسب ترتيبه..

وبعدها بدقائق يقسم صائحا في فرح أنه لم يعد يشعر بأي مرض (الجدي) ذبل.. يشبه البلي أو حبات العقد.. بعد دقائق يختفي كل هذا الذبل في جيوب صفوة المجتمع داخل البدل المستورده من لندن وقد تسابقوا على جمعه..

سألت أحدهم: لماذا؟، أخبرني أن ابنته طالبة الطب تصيبها حساسيه من رائحة الفورمالين في المشرحه.. و أنه سيقوم بتجفيف الذبل و تحميصه لعمل عقد لابنته.. سألتني شخصية كبيرة وكأنني كاهن في محراب  (الجدي المقدس)  وعالم بأسراره (كيف أستفيد من هذا الذبل المقدس ).

قلت له في جدية الكاهن: (قم بتجفيفه و طحنه و أشربه كل يوم قبل الإفطار بنصف ساعه.. نصف ساعة لا تزيد دقيقة ولا تقل دقيقة).. كان الرجل ينظر الى ساعته يتأكد من دقتها ..

تذكرت حينها  (البقرة المقدسة) التي سافر إليها مفيد فوزي ليكتشف أن هناك الآلاف التي تنتظر دورها في علاج السكر ليكتشف في اللقاء أن صاحب البقرة مريض مزمن  بالسكر..

و

يا أمة السكارى

يا روح مغيبة

خلاصة العابرة..

غرقتوا المركبة

………………..

يا أمة الخرافه.ة

والكدب والبهاق

قتلوا في المضافة..

ودفنتوا الكبرياء

………………..

يا أمة الكسالى..

والزيف ويا الذنوب

فوق الخدود ريالة..

والفكر فيه عيوب

………………..

يا أمة الضحالة..

والحالة الصعبة جدا

تبقى إنسان؟.. محالة..

فردا.. وبعده فردا

………………..

يا أمة ضحكتهم..

علينا من زمان

واضحة للناس خيبتكم..

مع (جدي) لابسة جان

من كتاب (مدد مدد..)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.