محمد شمروخ يكتب: حدث في قناة (الجزيرة).. خطأ المترجم أم خطيئة القناة؟!

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
صار أثقل ما على القلب أن يتناول أمراً إعلامياً خالطه ماء السياسة المدنس، فأفسده؟!، وما أكثر ما نتجاهل من أحداث حتى لا نعكر صفو الصدور، لكن هناك وقائع تستفزك حتى حدود اللعنة! تماما كما حدث في قناة (الجزيرة)
فماذا يمكن أن نطلق على ما حدث من قناة (الجزيرة) في (خطأ) الترجمة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي ترامب مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن؟!.
فكما نعلم جاءت ترجمة (الجزيرة) تفيد بـ (موافقة) عبد الله على خطة ترامب بتفريغ غزة من أهلها وتهجيرهم رضاءً أو قسراً.
وما أن بثت (الجزيرة) المؤتمر بترجمتها (الخاطئة) حتى هاجت الدنيا وتسابقت صفحات السوشيال ميديا في هجوم شرس مع استدعاء مواقف تاريخية لتأييد إدانة الملك.
وما هى إلا سويعات حتى بدأت الحقيقة تتجلى بنشر الترجمات الصحيحة التى لم يكن من بينها ما بشير إلى ما ذهب اليه مترجم الجزيرة.
فما الأمر؟!
هل كانت ترجمة (الجزيرة) الخاطئة مجرد اختيار ألفاظ لا تحتمل إلا أن الأردن يمكن أن يوافق على التهجير من حيث المبدأ؟!.
وذلك عندما نسبت الى الملك أنه قال: (سوف نتوصل إلى صيغة ترضى الجميع)، بينما كانت الترجمة السليمة والتى بثتها بقية وسائل الإعلام العالمية عبر مواقعها الإلكترونية أو مطبوعاتها الورقية أو شاشاتها التلفزيونية تقول: (من الصعب تنفيذ ذلك بصورة ترضي الجميع).
وشتان ما بين الترجمتين.. فهل كان ذلك مقصوداً؟!
فيما نظن أن قناة (الجزيرة) لديها من المترجمين المحترفين من يمكن أن يفرق خاصةً أن صوت الملك عبد الله الثاني كان مسموعاً بوضوح وهو يقول ذلك بلغة إنجليزية سليمة!.

مشاهدها لا يجيد اللغة الإنجليزية
فهل لعبت قناة (الجزيرة) في قسمها الناطق باللغة العربية المبثوث تلفزيونياً، على أن مشاهدها لا يجيد اللغة الإنجليزية سماعاً أو تعليماً ؟!
كذلك فعل موقعها الإلكتروني إذ قرر أن ترجمة العبارة الواردة على لسان الملك: (سوف نرى كيف يمكن تحقيق ذلك!).
وكثيرون – ومنهم شخصيات مشهورة – تورطوا فاتبعوا كما ذكرته (الجزيرة) بالرغم أن منهم من يجيدون التحدث بالإنجليزية، بل وبعضهم يعيشون في أوروبا وأمريكا!
هل هو مجرد خطأ متسرع من الأخطاء المعتادة في عمليات الترجمة الفورية؟!
لكن حتى لو حدث ذلك، فلماذا لم تستدرك قناة (الجزيرة) وتنوه الى هذا الخطأ خاصةً بعد أن تداوله الكثيرون على حساباتهم هلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؟!
ألم يدرك المسئولون عن القناة ما حدث، أم أنهم لم يروا ثمة خطأ وقع؟!
فحتى هذه اللحظة لا تفسير لما حدث، سوى أن (الجزيرة) تصر على أن ما حدث ليس خطأ بما يعنى أنها لم تزل على موقفها، لاسيما أن القناة لم تعتذر إذ ربما اخذت إدارتها العزة بالإثم!.
أو ريما ثمة شيء آخر؟!
الغريب أن الجهات الرسمية في الأردن لم تعلق على الأمر.. فلم ينشر – أو ينتشر حتى الآن أى رد فعل غاضب حيال ما حدث!
فليت الأمر كان مقتصراً على خطأ مقصود او غير مقصود في الترجمة، بل ما حدث هو اتهام مباشر للملك عبد الله الثاني بموافقته او على الأقل عدم اعتراضه على خطة التهجير على ما سوف يثير عواصف عاتية، لكن سرعان ما استبان عن زوبعة فى فنجان إثر انتشار الترجمة الحقيقية أو الاستماع مباشرةً إلى كا نطق به الملك؟!
هل آثرت الجهات الرسمية الأردنية، الترفع عما حدث حيال الاستكبار عن الاعتذار من جانب القناة؟!
أم أنه حسب التعبير المصري الشعبي أن (في الأمور أمور!).
هذا بالنسبة للجانب السياسي بكل ثقل الدم الذي تجرنا إليه السياسة.
لكن فلتذهب السياسة إلى الجحيم!
لكن ما الأمر إذن من الناحية الإعلامية؟!، فما حدث يشكل جريمة إعلامية مكتملة الأركان، وبخاصة في قضية مصيرية أصبحت تشغل اهتمام العالم كله إن لم يكن شعوباً فحكومات، وليس الأمر متعلقاً بالعالم العربي وحده؟!.

الصدمة عند هؤلاء
الأسئلة كثيرة ولكن حتى هذه اللحظة لم نجد كن تصدى لإجابتها بصراحة ووضوح، إذ يبدو أن المعضلة الحقيقة ستبقى دائماً في هاتين الكلمتين (الصراحة والوضوح).
ففيما يبدو أن الكلمتين صارتا ثقيلتين على الصدور، صدور السياسيين وصدور الإعلاميين، بل وصدور كثير من السادة الذين يطلق عليهم (الناس العاديين) فحتى كثير من هؤلاء بدا على حساباتهم الفيسبوكية والإكسية أنهم صدموا في أن ترجمة الجزيرة كانت خاطئة
والكارثة أن الصدمة عند هؤلاء – وعم كثر – لم تكن في أن (الجزيرة) أخطأت في الترجمة ولم تنوه، بل لأنهم فيما يبدو تمنوا أن تكون الترجمة صحيحة ولذلك حينما استبان الأمر واجهوه بصمت القبور.
تلك القبور التى سكنتها كثير من الضمائر السياسية والإعلامية وكثير من ضمائر هؤلاء الناس العاديين!
اللعنة على الأبراج!