بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
تكريم الأهرام للفنان (خالد النبوي) مؤخراً، لم يكن حفل تكريم بالمعنى التقليدي، لم يكن مجرد تسليم درع أو شهادة تقدير، ولكنه كان لقاء القلوب والمشاعر والعقول، حوار الابداع والنقد، حديث ذكريات وشراكات رحلة الصعود والنجاح، فالأهرام الكبيرة القيمة والأثر لا تكرم سوى كبار القامة والدور.
تكريم الفنان لا يقتصر على منحه درع مهرجان، ولا يتحقق فقط عند فوزه بجائزة دولية في مسابقة فنية عالمية، ولا عند ترشيحه لأداء دور البطولة في فيلم مهم مع مخرج كبير كتبه مؤلف مبدع ليتصدر من خلاله أفيش يضم أسماء موهوبة في عالم التمثيل، ولكنه يتحقق من كل ماسبق وأكثر، فالتكريم له أشكال وألوان.
ولعل أكثر أشكال التكريم أهمية وتأثيراً في أي فنان، يكون عندما تجمعه جلسة مع عقول مبدعة ناقدة مستنيرة تناقشه وتشد على يديه وتهنئه بما حقق عبر مشواره الفني وتسترجع معه ذكريات البدايات وحكايات المراحل المختلفة في مسيرة اعتلى فيها عرش الفن الهادف والإبداع المتميز، وليس فقط عرش الشهرة.
خصوصاً وأن عرش الشهرة يبلغه كثيرون بوسائل مختلفة وأحياناً رخيصة، وليس كل فنان مشهور هو فنان حقيقي.
وإذا احتضنت التكريم مؤسسة حملت شعلة التنوير وانشغلت بالبحث عن الحقيقة وحاربت كل أشكال التطرف وناهضت العنف وفضحت الزيف على مدار قرن ونصف من الزمن، يكون له وقع مختلف ومذاق متميز عن كل ما عداه، وهذا هو ما فعلته مؤسسة الأهرام العريقة التي قامت بتكريم الفنان (خالد النبوي).
وذلك بدعوة من رئيس تحريرها الأستاذ (ماجد منير) وبمشاركة كوكبة من كبار الصحفيين والنقاد، من أبناء الأهرام ومن خارج الأهرام، وباعتبارها من الصحف الرصينة حسب توصيفات أساتذة الإعلام.
فقد انحازت الأهرام عبر تاريخها للفن الرصين الهادف، وناهضت بما تملكه من أدوات النقد الفن المبتذل الرخيص، احتضنت الفنانين الحقيقيين وأدارت ظهرها للمتسلقين والمزيفين وعديمي الموهبة.
تكريم الأهرام لـ (خالد النبوي)
ومثلما تعرف الأهرام قدر (خالد النبوي) الفني فإنه يعرف قيمتها الإعلامية والحضارية والتاريخية ويرى أنها (لم تكن فقط جريدة، بل رمزًا لمخزون المعرفة في مصر، وهي من أعمق أصولنا الثقافية التي علينا أن نصونها ونحافظ عليها.
تكريم الأهرام لـ (خالد النبوي)، ليس الأول ولن يكون الأخير، فقد كرّمته يوم تبنته وهو موهبة شابة لتمنحه مساحة النشر والدعم التي تمنحها لنجوم كبار.
وكما قال أمام كبار الصحفيين والنقاد الأهراميين وغير الأهراميين، أن نشر خبر فوزه بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم (المهاجر) من مهرجان جوهانسبرج عام 1995 في الصفحة الأخيرة في الأهرام، كان في ذاته جائزة لا تقل عن جائزة جوهانسبرج، ولو لم تنشر الأهرام الخبر لفقدت جائزة جوهانسبرج الكثير من قيمتها.
لم يكن اللقاء حواراً بين فنان وصحفيين بقدر ما كان استدعاء لذكريات زمن مضى، وبحث في أزمات وأوجاع الفن والإبداع وحدود التعبير، ووقت للحلم الجماعي بآمال وطموحات لمستقبل مصر وفنونها وصحافتها بما يضمن لها استعادة ريادتها وتأثيرها في محيطها الذي تركت عليه بصمتها.
من خلال قواها الناعمة ويتصدرها الفن بوسائطه المختلفة عبر التاريخ القديم والحديث، وقد حرص (خالد النبوي) على إشراك رموز الأدب والصحافة في مصر في الحوار.
والذين كانوا شهوداً على اللقاء من خلال صورهم التي تزين جدار قاعة الاجتماعات بالدور الرابع التي تنعقد فيها اجتماعات مجلس التحرير اليومية وندوات الأهرام مع الشخصيات الهامة.
استدعى (خالد النبوي) مقالات لهم في الأهرام تربى عليها وشكلت وجدانه ووجهته إلى الطريق الذي اختاره مساراً لحياته، وتذكر جملاً في مقالاتهم اتخذ منها منهاجاً في رحلته واستحضرها عند اتخاذ قراراته المصيرية، فكانت الشعلة التي أرشدته إلى طريق الفن الهادف والممتع في آن واحد.
ومثلما استحضر (خالد النبوي) يوسف إدريس وزكي نجيب محمود ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وأحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل وغيرهم من رموز الأهرام، استحضر أيضاً رموز الفن المصري، أم كلثوم والسنباطي والقصبجي وبليغ حمدي وأساذته في معهد الفنون المسرحية وأصحاب الفضل الذين انحازوا لموهبته.
سلسلة الإبداع الخالية
بعد أن شهدوا نبوغه في المعهد ليمنحوه فرصاً ذهبية، نالها وتألق وحرص أن لا تكون مجرد ضربة حظ، لينتقل من عمل مهم إلى عمل أهم، ومن بطولة إلى بطولة، ومن مخرج متميز إلى مخرج مبدع، لتكون أعماله سلسلة كل حلقة تقود فيها إلى الأخرى، إبداعه في هذا رشحه لبطولة ذاك.
لتتشكل سلسلة الإبداع الخالية من الابتذال والتسطيح والتفاهة، فمن (المواطن مصري) إلى (المهاجر) إلى( المصير) إلى الفيلم الأمريكي (مملكة السماء) إلى (أهل الكهف).. ونفس الأمر حدث في الدراما، ومن إبراهيم الصحن إلى صلاح أبوسيف إلى يوسف شاهين إلى جلال الشرقاوي، إلى ريدلي سكوت إلى كاملة أبو ذكري إلى عمرو عرفة؟
والنتيجة تنويعة سينمائية مسرحية تليفزيونية قدم خلالها نماذج إنسانية متباينة تعبر عن فئات اجتماعية وسياسية وثقافية وتاريخية مختلفة.
من أكثر الأسئلة التي سُئلت لخالد النبوي عبر حياته من الصحفيين، ومن أكثر علامات الاستفهام التي شغلت بال جمهوره هو ما يتعلق بالعالمية، فقد فتحت له السينما العالمية أذرعها، ولكنه لم يترك نفسه لها ليحتضنها وهو ما أثار استغراب الكثيرين.
فهو مؤهل شكلاً وأداءً وموهبةً ولغةً للعالمية التي حفي عليها غيره ولم ينل سوى أدوار ثانوية هامشية، ولم تزغلل عينيه هوليوود ولم تبهره أمريكا ولم تأخذه مسارح (برودواي) التي عرض عليها (كامب ديفيد) مجسداً شخصية الرئيس السادات بكبرياء وشموخ الزعيم المصري الساعي للسلام.
وسبب عدم انبهار خالد بالعالمية رغم بطولته لثلاثة أفلام كبيرة ومسرحية كبيرة أيضاً، هو (لأنني مصري وأفتخر بمصريتي وهويتي العربية.. تجاربي العالمية هي من باب التعلم فقط، لكنني دائمًا أحتفظ بجذوري وأهتم بقضايا بلدي) حسب قوله في الندوة والذي نشرته الأهرام نصاً بالصيغة السالفة.
رئيس تحرير الأهرام أهدى (خالد النبوي) نسخة من صفحتها الأولى الصادرة يوم مولده 12 سبتمبر 1966، والأهرام بكبار كتابه وصحافييه القدامي والحاليين أهداه تقديراً لأعماله وتاريخه ووعيه واختياراته، وهو أهدى للأهرام حباً وامتناناً وتقديراً للدور الوطني والثقافي والسياسي والإعلامي على مدار قرن ونصف القرن.