بقلم الكاتب الصحفي: أحمد السماحي
خلال الأسابيع القليلة الماضية شاهدت ثلاث مسلسلات مصرية هي (برغم القانون)، و(ديبو)، و(تيتا زوزو)، والحقيقة أنني لم أستمتع بما شاهدته، لسبب بسيط وهو غياب المنطق في هذه المسلسلات، وعدم إتقان الكوميديا، والفانتازيا بشكل محكم.
أنني وكثير من الجمهور لا نطلب أيه معجزات درامية، ولا نتوقع شيئا خارج منطق الدراما التجارية نفسها الذي ندرك قواعده جيدا، ولكننا نطمع فقط فى قدر من المعقولية.
مع (برغم القانون) وغيرها لا نجرأ الآن أن نطالب بروائع درامية مثل التى نشأنا وتربينا عليها خلال السنوات الماضية، ولكن نريد أنا وغيري من الجمهور أن نصدق ما نشاهده فقط، هل هذا صعب؟! حتى لو كان مسلسلا بسيطا الغرض منه الضحك، أو الفانتازيا فيجب أن نلعب صح! ونضحك صح!
لكن لا نبكي ونحن نشاهد أعمال من المفترض أنها كوميدية على ثقل الدم، والتصنع، و(إيفيهات) عيب أن تطلق أوتقال، مثل جملة الفنان الكبير (محمد محمود) في مسلسل (ديبو) في أول حلقة عن ما نفعله في الحمام!
كثيرا ما تكون الكوميديا أسلوبا راقيا لتناول أخطر المشاكل بشرط عدم تفريغ المشكلة من محتواها الحقيقي وتمزيق جوهرها ودلالاتها الاجتماعية لصالح بعض (الأفيهات) الكوميدية الساذجة.
نسب مشاهدة عالية
سيقول أحد القراء الآن وهو يقرأ كلامي لكن هذه المسلسلات (برغم القانون)، و(تيتا زوزو)(، وديبو) حققت نسب مشاهدة عالية؟!.. نعم اتفق معاك جدا قارئ العزيز.
وهذه المشاهدة الكثيفة، ليست لجمال وعظمة هذه الأعمال، ولكنها راجعة إلى جلوس الناس هذه الفترة في البيوت، بسبب بداية العام الدراسي، وغلاء المعيشة التى جعلت الناس تكلم نفسها، ولا تخرج من البيوت إلا للضرورة القصوى!.
لهذا كنا نتوقع من صناع الدراما أن يكونوا رفقاء بالمشاهدين الغلابة في (برغم القانون) وغيره من مهلهلات، لكن أن يكونوا هم والزمن والغلاء عليهم فهذا حرام، والله حرام!.
ورش الكتابة ومحترفي السماجة
الحال الذي وصلت إليه الدراما المصرية في السنوات الأخيرة، حقيقي لم يعد يرضى أحد، ولا يجب السكوت عليه، خاصة في مجال الكتابة، لأننا لدينا كوادر عظيمة في باقي التخصصات، ممثلين رائعين، موسيقي تصويرية ولا أجمل من كده، رغم الظلم الذي يقع على مؤلفين الموسيقى التصويرية!، مخرجين مبدعين، مديرين تصوير هايلين.
إذا ماذا ينقص الدراما المصرية حتى تعود إلى ما كانت عليه، ينقصها كُتاب لديهم وعي وثقافة، (مش شوية عيال في ورش)، أو كتاب محترفي كتابة نصوص وموضوعات سخيفة، شجع بعض من ليس له في الكتابة على الإطلاق أن يكتب!.
فبعد الكوارث التى شاهدناها في شهر رمضان الماضي، باستثناء عملين أو ثلاثة، انتظرنا الموسم الشتوي، وجاء الموسم الشتوي أو بالتحديد الموسم الخريفي فوجدنا الحال لا يسر عدو ولا حبيب!
كل ما شاهدناه، الحلو فيهم (أعور وسط العميان)!، لا قصة محبوكة، ولا أحداث مثيرة حقيقية، ولا أسماء الأبطال تحمل مدلولات معينة، ولا حوار ممتع، ولا جمل تصلح مأثورات شعبية، ولا أي شيئ!.
كل ما شاهدناه في (برغم القانون) مثلا عبارة عن كلام أشبه بكلام مسلسلات الإذاعة، ونجوم تتحرك على الشاشة التى أمامنا، لا تشبهنا، وتقول كلام – وليس حوار – غير مقنع، وأحداث ملفقة تفتقد المنطق.
علي سالم وأهمية الحوار
اتوقف بعض الشيئ عند الحوار في المسلسلات الدرامية، وأتسأل معقولة يا جماعة الخير منذ سنوات طويلة لم نعد نسمع ونشاهد جملة حوار ممتعة، أقول حوار وليس كلام!
وهنا استحضر ما كتبه مبدعنا الكبير (علي سالم) الذي كتب مقال ممتع عن أهمية الحوار الدرامي قال فيه : (في الدراما كل جملة حوار هي بحد ذاتها فعل ينقل اللقطة أو الموقف إلى اللحظة التالية، نتكلم عن الحوار، وليس الكلام.
ويضيف: عدد قليل للغاية من كتّاب الدراما يعرفون الفرق بين (الحوار) (الكلام) فمثلاً عندما أقول لك: (امبارح رحت لإبراهيم وخدت الشاي معاه، قعد يكلمني عن اللي عملته فيه سنيّة، زعلان منها قوي، فأنا قلت له إيه؟).
هذا هو الكلام، وليس الحوار، تستطيع أن تخرج من فمك أطناناً منه، لكنها تظل عاجزة عن الانتقال من لحظة إلى أخرى.
الدراما هى الفعل، هكذا يعرفها أساتذة هذا الفن، لذلك، عجزت معظم المسلسلات المصرية و العربية مثل (برغم القانون) و(ديبو) و(تيتا زوزو)عن الفعل والوصول إلى الناس.
فضلاً عن البقاء طويلاً في الذاكرة، بسبب غياب الحوار، واستبداله بثرثرة لا تفضي إلى فعل أو موقف، ولا تنقل الصراع بين الإنسان ونفسه، أو بينه وبين الآخرين والأفكار والمعتقدات).
عتاولة الدراما المصرية
إلى هنا ينتهي كلام مبدعنا الكاتب الكبير (علي سالم) وأضيف عليه أزمة المسلسلات العربية لا تقف عند استبدال الكلام المرسل، بالحوار المفضي إلى التغيير، بل تتعداه إلى ضحالة الكلام.
وهذا مردّه إلى غياب بناء الشخصيات على أساس درامي يجعل لها دورها وخصائصها داخل المسلسل، وهذا الدور يفرض عليها موقفاً تعبر عنه لغتها في الحوار.
مثل الأعمال التى شاهدناها للمبدعين الراحلين (أسامة أنور عكاشة، وحيد حامد، محفوظ عبدالرحمن، يسري الجندي، كرم النجار، فتحية العسال، كوثر هيكل، محسن زايد)، وغيرهم من عتاولة الدراما وليس (عتاولة طارق لطفي، وباسم سمره).
هؤلاء كان لديهم لغة حوار عالمية، فمثلا الحوار عند (أسامة أنور عكاشة) كان أحد أدوات إبداعه المهمة، هو أحد أسلحته، فأهمية الموضوع وطريقه رسمه والبناء الدقيق للشخصيات، كل هذا لا يصل للمشاهد بدون حوار يزين العمل.
حوار على سبيل المثال
تعالوا بنا نعود إلى الماضي القريب ونتوقف لحظات عند مسلسل (أبوالعلا البشري) مثلا ونقرأ الحوار الذي دار في لحظة عتاب وفراق بين (نجوى/ نسرين) وبين (مجدي البشري/ محمد العربي) وكان كالتالي :
مجدي: ليه يا نجوي؟ ليه كدبتي؟
نجوى: أنا مكدبتش عليك.
مجدي: خبيتي.
نجوى: خبيت لكن ما كـدبتش عليك.
مجدي: إخفاء الحقايق زي تزيفها الاتنين كدب.
نجوى: أنا اللي خبيته متصل بماضي ما عشتوش معاك، ومالكش حق فيه.
مجدي: الماضي جزء منك، وأنا ليا حق فيكي كلك.
نجوى: مين اداك الحق ده؟
مجدي: الحب اللي ربط بينا.
نجوى: الحب اختيار مش عبودية.
مجدي: الحب بيملك كل اتنين لبعض.
نجوى: من لحظة ما يرتبطوا مش بأثر رجعي.
أحببت أن أذكر هذا الحوار كنوع من عينة الحوارات الدرامية التى نشأنا عليها ونحن طلبة صغار، وكنا نكتبها في كراريس المدرسة، ومازال رواد مواقع التواصل الإجتماعي يتبادلونها حتى الآن.
ولو توقفت فقط عند الحوارات الممتعة في مسلسلاتنا سأحتاج إلى مجلدات ضخمة لكتابة هذه الحوارات الرائعة التى كانت تزلزنا ونحن نستمع إليها ونشاهدها.
أقول هذا الكلام وأنبه إليه قبل بداية الماراثون الرمضاني، الذي ننتظره كل عام، ونتمنى أن يتضمن دراما متنوعة الأهداف والمحتوى والتراكيب الإبداعية المبهرة التي تستحق أن تسكن الوجدان المصري وتعيش كما عاشت دراما الماضي.
وبالمناسبة، وحتى لا أظلم مرتزقي الدراما الحاليين، ومحترفي النصوص السمجة السخيفة، الفقر الشديد والمدقع في الكتابة ليس في مجال الدراما فقط، ولكنه موجود أيضا في السينما، والمسرح، والأغنية، ألهم ما بلغت، ألهم ما أشهد.