بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
(أنوبيس) شخصية محورية في الأسطورة المصرية القديمة، وبالتالي يظهر في المسرح المصري القديم، ولم يظهر كشخصية في النصوص المسرحية المصرية القديمة، التي تم اكتشافها وترجمتها.
ولكن هذه الشخصية يمكن أن تظهر في العروض المسرحية، الخاصة بأوزيريس خاصة المشاهد المرتبطة بقتله وموته، ولكن هذه الشخصية لا تتكلم بل الممثل الذي يقوم بتمثيلها يعتمد على الأداء التمثيلي الصامت، خاصة أن هذه الشخصية مرتبطة بالموت وبالتحنيط، ولا ينطبق هذا على الكلب (أنوبيس) الذي تسلق الهرم مؤخرا.
وتوجد مجموعة من الأقوال حول المتضاربة حول (أنوبيس)، فبرديات تذكرة أنه ابن رع الرابع، وبرديات أخرى تذكر أنه أبن نفتيس من أوزيريس، وهذه الرواية ظهرت في الأسطورة الخاصة بأوزير.
وهذه الأقوال المتضاربة راجعة إلى انحراف الديانة المصرية عن التوحيد، واتخاذ بشر آلهة للعبادة، وبالتالي يغيرون الأدوار والأنساب وفق الحالات السياسية في البلد من قبل الكهنة.
ونعود إلى هذه الشخصية (أنوبيس) ولنبين مشاهدها داخل المسرح المصري القديم، ونحاول أن نتصور ونتخيل هذه المشاهد الخاصة بأنوبيس في مسرحية بدء الخليقة، و(مسرحية الأسرار) الخاصة بأوزيريس لنتعرف على هذه الشخصية الصامتة.
وبداية ننوه بأن الكهنة المصريون صوروا (أنوبيس) بجسم إنساني وقناع حيواني (إبن أوي)، وجسده في الصور ظهر بصورة بطل رياضي، ونتعرف الآن على بعض من مشاهده:
المشهد الأول (الحمل والولادة)
تمكن (ست) من إقناع زوجته (نفتيس) بمشاركة أوزيريس الفراش، ولكي تفعل ذلك تدثرت بلباس أختها (إيزيس) وتعطرت بعطرها الخاص، ثم تسللت بجوار أوزيريس أثناء نومه، وبعد أن حملت منه وضعت أبن أوزيريس (أنوبيس).
(أوزيريس) له ولد آخر
وفي هذا المشهد الصامت نرى صورة حب نفتيس لأوزيريس، والحمل منه، ثم تلد له ابنه (أنوبيس)، وفي هذا المشهد يصور لنا المؤلف صورة (أوزيريس) بأنه قادر على الإنجاب، وبالتالي بعد موته استطاعت (إيزيس) أن تجامعه، وتحمل منه بحورس.
المهم أن (أوزيريس) له ولد آخر، ولد في حياته وهو لا يعلم، فقد كان مخمورا، وقت مضاجعة (نفتيس)، وتسللت له على أنها (إيزيس)
المشهد الثاني (التخلص من أنوبيس)
بعدما فعلت (نفتيس) فعلتها، خافت من (إيزيس)، وقامت بالتخلص من الطفل في الأحراش (دلتا النيل) فقد تركته هناك ورحلت .
المشهد الثالث ( إنقاذ الطفل .. أنوبيس وتربيته )
في هذا المشهد، نجد أن (إيزيس)، تعثر على الطفل (أنوبيس) ملقى في الأحراش، فتأخذه، وتتبناه، وتعرف قصته، وتعرف أنه أبن (أوزيريس) من أختها (نفتيس)، وفي الأقوال الأسطورية، يتم وصف هذا الحدث كالتالي:
عندما علمت (إيزيس) أن (أوزيريس) يحب أختها ويقيم معها علاقات بالخطأ، وعندما رأت دليلاً على ذلك في شكل إكليل من البرسيم تركه (أوزيريس) لنفتيس – كانت تبحث عن الطفل، لأن نفتيس تخلت عنه على الفور بعد ولادته خوفًا من (ست).
وعندما وجدت (إيزيس) الطفل بمساعدة الكلاب التي قادتها إلى هناك بصعوبة كبيرة، ربته وأصبح حارسها وحليفها باسم (أنوبيس)، وتعفو (إيزيس) عن (نفتيس)، وتربي الوليد، ويلقب بابن (إيزيس).
وفي هذا المشهد نتعرف على عاطفة الأمومة الطاغية عند (إيزيس)، والتي تظهر بشكل أعمق في النصوص المسرحية الخاصة بميلاد (حورس)، وهذا المشهد الصامت يتطلب من الممثلة التي سوف تأدية قدرة عالية من الأداء ، فهي تظهر مشاعر الأمومة عند (إيزيس) في صمت بدون كلام.
الأداء التمثيلي الصامت
وهذا من أصعب أنواع التمثيل، وهذا راجع إلي فن أداء هذه الشخصية يعتمد على المشاعر الداخلية للممثلة، والتي عند أدائها تطبع على كل جسدها لتمثل مشاعر الامومة، فحركات الجسد وتعبيرات الوجهة، واللفتات والإيماءات والاحتضان.. إلخ.
تظهر في صورة صامتة، وتعنى (إيزيس) بالطفل حتى يكبر ويصبح حارس لها (أي يعينها على محاربة ست عند موت أوزيريس).
المشهد الرابع ( تحنيط جثة أوزيريس )
بعدما قام ست بقتل (أوزيريس)، وقام بتقطيع جثته، قام (أنوبيس) بمساعدة (إيزيس) في تجميع الجثمان، وقام بتحنيطه، ولفه في الكتان، ولهذا كان (أنوبيس) من أدواره تحنيط الموتى.
المشهد الخامس (معركة أنوبيس.. وست)
في هذا المشهد يقوم (أنوبيس) بحماية جسد (أوزيريس) من ست، فيبدو أن (ست)، بعد تحنيط جسد (أوزيريس) ودفنه، حاول (ست) مهاجمة الجسد، وتخفى في صورة نمر، ولكن تصدى (أنوبيس) لهذه المحاولة، وقام بمهاجمة (ست) ومحاربته وجلده. واستعان بقضيب معدني ساخن، وجلد به (ست) ووسمه، ثم قام بسلخ (ست)، وارتدى جلده (جلد النمر) كتحذير ضد الأشرار الذين يدنسون مقابر الموتى.
ومن المشاهد السابقة لأنوبيس، نتعرف على الأداء التمثيلي الصامت في المسرح المصري القديم، فهذه المشاهد كانت على ما يبدو كانت تمثل ضمن (مسرحية الأسرار) الخاصة بأوزيريس.
وعلى ما يبدو أيضا أنها كانت جزء من المسرح الغنائي المصري القديم، والذي تم التعرف عليه من خلال بردية لنسي آمسو (رقم 10158 في المتحف البريطاني)، عنوانها هو (أغاني مهرجان الزرتيتين).
وبهذا تكون مصر من أوائل الدول في العالم القديم، التي قدمت مشاهد تمثيلية صامتة، داخل العرض المسرحي المصري القديم.