بقلم الباحث المصري الدكتور: كمال زغلول
مصر بلد النشأة لفن العرض المسرحي، والفنان المصري يتميز بميزة الالتحام بالجمهور المصري ، منذ نشأة المسرح في مصر، ولا غرابة في كون الشعب المصري هو أداة التعبير الأولى التي تحفز (الفنان) المصري على الإبداع المسرحي.
إذ توجد علاقة حسية بين الطرفين ناتجة عن النسيج الثقافي المصري الذي يجمعهما، ولذلك تكون مصادر (الفنان) المسرحي المصري مستمد من الثقافة المصرية، إذ لتلك الثقافة تأثيرات جمالية على حامليها من أفراد الشعب.
وهذه التأثيرات ناتجة من شعبيتها(أي تشعبها وانتشارها) في الحس الإنساني المصري، إذ أن الشعبية هى التي تُنَمِّي وتُقَوِّي عناصر الثقافة وتجعلها حية ولها تأثير نفسي على الشعب المصري.
فالشعبية تمثل روحاً جمالية خاصةً، تعطي للعناصر التي تتكون منها الثقافة صفة التأثير النفسي في نفوس الشعب أو الأمة، وتجعل تلك العناصر حية عبر الزمن، ويتشكل الوجدان الجمعي من خلالها، والذي يظهر في صور التعبير الجمعي الشعبي، والذي من خلاله يتم إبداع الفنون المصرية، والتي يتضمنها فن المسرح المصري.
وهذا الفن المسرحي المصري يمتاز بالتلاحم بين (الفنان) المسرحي والجمهور المصري، فهو أداده التعبير عن الشعب المصري، وهذا التلاحم ناتج عن البنية الداخلية المشتملة على (الخيال والتصورات – الحس – الإدراك – الشعور)، فتلك البنية هي الرابطة بين الشعب وفنانيه المعبرين عنه.
ويمكننا القول بأن المسرح المصري علم قائم بذاته، كعلم المصريات الذي يدرس الآثار وبرديات مصر القديمة، حيث أن المسرح المصري شديد الخصوصية، موضوعاته كلها تخص الشعب المصري، وعروضه بنصوصه داله على تاريخ مصر القديم والحديث.
ومن دراستها يظهر التلاحم الشديد بين الجمهور و(الفنان) في التعبير عن الشخصية المصرية، فلم يصل إلينا سوي القليل من أسماء من مارسوا المسرح في مصر قديما وحديثا، ولكن وصل إلينا الحياة المصرية القديمة والحديثة، ونسوق الأمثلة:
مسرحية (بدء الخليقة)
هذه المسرحية تعرض النشأة المصرية القديمة مشتملة على الخلق، وخاصة خلق مصر وشعبها، وتعرض التوحيد الديني في مصر القديمة وكيفية الانحراف وعبادة البشر من أمثال أدوم (أدم عليه السلام)، وأوزير.. إلخ.
ثم ينتقل بنا المسرح المصري إلي عرض الأسرار (مأساة أوزير) ومحاولة البقاء على التوحيد لقطري مصر (الوجه البحري والقبلي)، من خلال المنقذ (حور)، والاحتكام إلي (أدوم)، و(جب).
مما يعني أن الشعب المصري بل والجنس البشري ينتمي إلي أدوم (آدم عليه السلام) مؤرخا لهذا الحدث على جدران المعابد والبرديات، ويتعرض لملوك مصر في التاريخ السحيق، وأنهم كانوا عمالقة، وهم سبب الحضارة المصرية.
بالإضافة إلي النص الخاص بغزو الفرس لمصر، ومدى التخريب التي تعرضت له الأقاليم والمعابد المصرية.
وبخلاف هذا المسرح الديني يظهر (الفنان) في الفرق الجوالة، والتي تعرفنا عليها من خلال (إمحب)، الذي كتب على قبره لوحة جدارية، وقال: (كنت ذاك الذي يتبع سيده في كل جولاته دون ضعف في الأداء.. وأرد على سيدي كل أدواره: فإذا (قام بدور) الإله كنت (أقوم بدور) الحاكم.
وإذا أمات أَحْيَيت (مما يعني أنه كان يوجد في مصر ممثلين مسرحيين محترفين لهذا الفن، وكانت تقدم عروض وفق الثقافة المصرية القديمة.
وبدخول اليونان والرومان إلي مصر لم يصل إلينا ما يدل على ممارسة فن المسرح كما كان سابقا إلي أن في العصر الإسلامي، تظهر لنا العروض المسرحية من جديد، فمع الرجوع إلي عقيدة التوحيد، كان فن المسرح المصري أتخذ صفة التعبير عن الشعب.
فنجد فرق (المحبظين) تقدم عروضها في الدفاع عن الشعب المصري، وتظهر بعرضها أمام والي مصر (محمد علي باشا)، في حفل ختان ابنه، لتقدم له مسرحية ناقدة لحكومة مصر في تلك الفترة عبر فلاح فقير مدين بضرائب للدولة وتحاول زوجته أن تخرجه من السجن فترشي المسئولين في الدولة، حتى يتم الإفراج عنه.
ذوبان (الفنان) في الروح الشعبية
ومع ذلك لا نعرف من هؤلاء (الفنان)، ولم يصل لنا سوي اسم يدل عليهم (المحبظين)،
ثم يظهر فن (الأراجوز)، ليعبر عن أحوال المصريين ، في صور تمثيلية عرائسية، معبرا عن الشعب المصري.
ويسبقهم في التعبير (خيال الظل) الذي تعرض للخليفة العباسي في تلك الفترة، من خلال عرض (الأمير وصال)، ولم يصل إلينا سوى اسم (ابن دانيال) المؤلف، ولم يصل إلينا أسماء الفانين محركين العرائس والممثلين بالصوت للشخصيات.
وهذا للخصوصية الشديدة بين (الفنان) المسرحي المصري وبين الجمهور المصري، وذوبان (الفنان) في الروح الشعبية، فلا يهم من هو، ولكن الأهم هو موضوع العرض.
وقد جددت مصر في العرض المسرحي التمثيلي بظهور شعراء الهلالية، وفن القص وسوف نفرد لهذين الفنين مقالات خاصة، لنتعرف على كلا المسرحين.
ولهذا يجيب علينا دراسة المسرح المصري، دراسة متأنية نستخرج منه كنوزه المتوارثة، ونتعرف على الحس المصري الخالص بين الشعب والفنانين المسرحين، والتحامهما الحسي من خال البنية الجمالية الخاصة بالشعب المصري.
وهي (الخيال.. التصور.. الحس.. الذهن.. الشعور) فهي بنيه العروض المسرحية المصرية، وهى الأسس التي يقوم عليها العرض المسرحي كعلم منفرد، يدرس الآن تحت اسم علم المسرح ، ولهذا وجب علينا التعرف على هذا المسرح ودراسته.