بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
يروي لنا (هيرودوت) ما شاهده في مصر القديمة، وقد ذكر لنا أنه شاهد داخل المعبد (المسرح)، ويخبرنا عنها بقوله (ويوجد أيضا بسايس في حرم معبد (أثينا) قبر من لا يحل لي ذكر اسمه في هذا الشأن.
والقبر موجود وراء الهيكل، ويمتد محاذيا لكل جدار المعبد، وفي حرم المعبد تقوم أيضا مسلتان عظيمتان من الحجر، توجد بجوارهما بحيرة مزخرفة ومزينة بحافة من الحجر، متقنة الصنع على شكل دائري وحجمها – فيما بدا لي – كحجم بحيرة (ديلوس) التي تدعي بالبحيرة المستديرة.
وفي هذه البحيرة، تقدم الاستعراضات ليلا والتي تمثل مصيره المحزن، ويسميها المصريون (أسرار، أوالمسرح الديني المحجّب)، أما عني، وعندي الكثير من ذلك كله، فسوف لا أنطق بكلمة).
ولم يشرح لنا (هيرودوت) عرض (المسرح) بدقة ، ولم يخبرنا عن التفاصيل الدقيقة لمستويات التمثيل، ويخبرنا (هيرودوت) بشيء هام جدا وهو اسم المسرحية، وهو المسرحية الدينية المحجّبة ، أو الأسرار ، و معنى ذلك أن المصريون القدماء كان لهم تصنيف لأنواع عروض (المسرح).
فمنه ما هو ديني، ومنه ما هو غير ديني، ولكن هذه المسرحية بالذات كانت تخص الديانة المصرية، ولذلك أطلقوا عليها، أسرار أو مسرحية دينيه، وعلى هذا نجد أن وصف تلك المسرحية بالدينية من قبل نقاد (المسرح) الأوروبي، لم يكن جديدا على المصريين القدماء، وهم أنفسهم يخبرونا بأنها مسرحية دينيه، ولكن لهذا (المسرح) شق يرتبط بجماهير المسرحية ( المشاهدين ) ، فهذه المسرحية تتحدث عن آلام أوزيريس.
ومن وجهة نظر العقيدة المصرية الأوزيرية، فإن أوزيرويس إله، وأنه عاش ومات وقام من الأموات، وأصبح إله يحاسب الميت، ولما كان من أهداف الأسرار المصرية هو تأليه الإنسان، فإن الكهنة كانت تعلم الناس أن نفس الإنسان، إذا ما تحررت من قيود البدن يمكن للمرء أن يصبح شبيها بالإله المزعوم.
المسرحية موجهة إلى الجمهور
ولهذا كانت هذه المسرحية موجهة إلى الجمهور الذي سوف يصبح مثل أوزيرويس إله، وأن المعاناة هى طريق الخلاص، لتحرير النفس من قيود البدن ليرتقي الميت في العالم الآخر إلى مصاف الآلهة، ويكون معهم في السماء.
إذا هى مسرحية موجهة إلي جمهور، يسعى إلي طريق الخلاص (الموضوع من قبل الكهنة)، وهذا الجمهور يعيش في بيئة اجتماعية، فينبغي أن يكرس هذه البيئة لخدمة الهدف الذي يسعى إليه، فيكون واقعة الاجتماعي مترجم في صورة سلوك يؤدي به إلي طريق الخلاص.
ولهذا نلاحظ أن هذه المسرحية موضوعها الإنسان المصري، وعليه أن يسلوك السلوك الي يؤدي به إلي الخلاص ، وأنه سوف يحاسب على أفعاله، ومن يحكم عليه أوزيرويس في العالم الآخر، وسوف نلاحظ في (كتاب الموتى) طريقة الحساب بشكل تمثيلي، وكأنها جزء من هذه المسرحية الدينية، ونعرض مثال:
الميت قبل الدخول إلى حجرة أوزيريس..
من أنت؟ وما اسمك؟
اسمي بذرة البري الخبيئة في شجرة الزيتون..
من أين جئت؟
جئت من مدينة (العوسج) في الشمال..
أي شيء رأيت هناك؟
كوكبة النجوم القطبية..
وأي شيء قتله لها؟
ها أنا ذا قد شهدت المناحة في بلاد الفينيقيين..
وماذا أعطوك؟
جمرة نار وعمودا من القاشاني (شكل القش على شكل ساق البردي)..
وما صنعت بهما؟
أودعتهما تابوتا على حافة المرسى في الليل..
وأي شيء وجدته هناك على حافة المرسى؟
صولجانا من صنوان يسمى واهب الحياة
وما كان من أمر الجمرة والعمود الصغير من القاشاني بعد أن أودعتهما التابوت؟
ذرفت عليهما الدمع، ثم تناولتهما فأخمدت الجذوة وحطمت العمود الصغير وطوحت بهما في البحيرة..
هيا أدخل من هذا الباب، باب قاعة العدالة المزدوجة.
عرض (المسرح) الليلي
ويمكن أن يكون هذا المشهد جزء من مسرحية الأسرار، خاصة وأنه يذكر البحيرة وعرض (المسرح) الليلي، وإخماد الجمرة وتحطيم التميمة ورميهما في البحيرة اللذان يرمزان في دقه إلي الاغتيال الشعائري.
وهذا ما جاء ذكرة في كتاب (المسرح) المصري القديم، فهي محاولة للربط بين ما لم يذكره (هيرودوت)، فالمسرحية الدينية المحجبة كانت تتعرض للإنسان في أفعاله، وما يسوف يحدث له عند حسابه من قبل أوزويريس.
وبهذا تكون هذه المسرحية هى خاصة بالإنسان المصري، تناقش أفعاله من زاوية حسابه في العالم الآخر، ووصل إلينا الكثير من النصوص التي تتحدث عن ذلك، وهذه المسرحية عرضت لآلاف من السنين ، تحت مسمى الأسرار أو المسرحية الدينية المحجّبة.
فلم يعي النقاد الهدف من المسرحية، ولذلك وصفوا (المسرح) المصري بأنه دين ، يتحدث عن آلهة، ولكن غاب عنهم فهم الحياة المصرية القديمة، وأن (المسرح) المصري كان هدفه الإنسان وأفعاله التي سوف يحاسب عليها في العالم الآخر.
وغاب عنهم عقيدة الخلاص التي ألفها الكهنة، وصنعوا آلة مزعومة ، وأن العقيدة المصرية كانت توحيدية خالصة، إلى أن ألفوا الكهنة نظام الخلاص، المزعوم، وألهوا الإنسان، ولقد صنف المصري القديم هذا النوع من المسرحيات بالأسرار أو المسرحية الدينية المحجّبة.
وكان هدفها الإنسان المصري، الذي يجب عليه محاكاة أوزيرويس، أو محاكاة طريق الخلاص، لكي يعيش بعد الموت كإله مثل الآلهة المزعومة.