بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
عرف (المسرح) المصري القديم (الملهاة) أو(لكوميديا)، وتم العثور على نص من هذا النوع، ولكن هذا النص يشوبه بعض الإضافات، مما يعني أن العروض المسرحية في مصر القديمة، كانت تعاد برؤى إخراجية جديدة، والنص يتحدث عن شخصية مصرية تدعى (أبو فيس).
وهذه الشخصية تحاول باستمرار القضاء على رع (قرص الشمس.. في الشروق)، فعندما يغرب (رع) يدخل في معركة مع (أبو فيس)، الذي يحاول بكل قوته القضاء على (رع).
وشخصية (أبوفيس) كما ورت في الأسطورة المصرية، شخصية حيوانية – كما جسدت في (المسرح) -، فهو ثعبان لايقل طوله عن مائة ذراع (حوالى اثنين وخمسين مترا) جسمه يحتوي على كثير من التعرجات.
وهذا الثعبان لا يألو جهدا ليلا ونهارا لتدمير (رع) إله الشمس، ويرمز (أبو فيس) لمبدأ الظلمات الذي يهدد دائما أبدا النور والضياء، وفي كل مساء يقوم القط الأعظم ابن الإلهة باستت، بالإطاحة برأس الثعبان (أبو فيس)، حتى تتمكن مركب (رع) من مواصلة طريقها منتصرة،.
ولكن في الليلة التالية تحتم الضرورة تكرار ذلك، ويبين (أبو فيس) دائما أن الخواء البدائي إذا دمر فأنه لا يتوقف أبدا عن تهديد تناسق العالم وتناغمه، أي أن كل نصر يتم إحرازه على هذا الخواء والفوضى هو أمر مؤقت فقط.
وعن شخصية (رع) فإنه يبحر في قارب وتصور إبحارها في السماء كالتالي: وهى مبحرة بالمتوفي أثناء الاثنتي عشرة ساعة ليلية، في الساعة الأولي يدخل: تسمى ساعة العبور، وعندها يدخل رع بمركبته تحت الأفق في أقصى الغرب.
الثانية: يتطهر (رع) خلالها ويستبدل مركبه بواحدة غيرها ليلية تصاحبها أربع مراكب أخرى أي (الآفاق الأربعة)، الثالثة: يتم استقبال (رع) في مملكة (أوزيريس) بالترحيب الرابعة: منطقة دامسة الظلام خاصة بالإله (سوكر) ولا يستطيع ان يرى (رع) أي شيء.
عن (رع) ورحلته العجيبة
الخامسة: نفس المنطقة، ولكن تتحول مركبة (رع) إلى ثعبان لكي تسير فوق الرمال، منطقة حالكة السواد، ولكن (رع) يخرج منها أكثر حيوية وشاب، السادسة: يتراءى نهر ما لكي تبحر فيه مركبة (رع).
وتعبر منطقة يرقد بها جثمان (أوزيريس)، وفي هذا المكان توجد بعض الربات يمسكن بعين (حورس)، وتوجد به بعض الأرواح ترفرف في صورة طيور، وهنا تبدأ مسيرة (رع) نحو الحياة.
السابعة: منطقة خطرة لمركب (رع)، فالثعبان (أبو فيس) يرقبه، واستطاع (رع) أن يلف من حوله، ولكن المياه في هذه المنطقة تنضب، وغير كافيه للإبحار، ولكن بمقدرة إيزيس أمكن التغلب على العراقيل بتلك المنطقة.
الثامنة: يقوم (رع) بعبور منطقة بها البشر، وتهلل للشمس التي لم يرونها منذ وقت بعيد، وأصواتهم مثل طنين النحل أو مواء القطط، التاسعة: وقت الاسترخاء والراحة في تلك المنطقة، ويغادر مجدفي مركب (رع) مركبه متوجهون إلى مساكنهم في الكهوف الواقعة في العالم السفلى.
العاشرة: يصبح رع في غير حاجة للمساعدة، فإن تحوله قد بدأ بالفعل، إنها الساعة التي يبدو فيها جعلا رمزا للمولد الجديد بجوار الشمس، الحادية عشرة: يتم الإنهاء كلية على أعداء أوزيريس وتدميرهم تماما، وتتجلى الحقائق، فقطعة الحبل التي كان يستعان بها حتى هذه اللحظة لجر المركب قد عادت إلى حقيقتها الفعلية، ثعبان ضخم. الثانية عشر: في هذه اللحظة يتم التحول العظيم فرع يتخلى عن جسده في العالم السفلى، ويولد من جديد بالعالم السماوي في هيئة الجعل خبري، وهذا عن (رع) ورحلته العجيبة.
والآن نعرض كيف عالج (المسرح) القديم هذه المعركة في صورة نص (المسرح) الهزلي يوضح ما حدث لأبو فيس:
(أبو فيس يتنكر لخداع راع) في الصباح الباكر، وهو معتزم شرا من المكان الذي ستشرق منه الشمس، ويخفي شخصيته، ويفضل هذا الشرير أن يغامر بالدخول في المعركة، (أبو فيس) يستعد (فجأة يظهر شخص يوقفه ويقيد حركته.. ويظهر أبو فيس في حالة رعب وكلماته محبوسه ويرتعد).
الشخص القابض على (أبو فيس): إذا تكلمت مسخت الآلهة وجهك، وستنتزع الإلهة أنثي الفهد قلبك ، وستشد وثاقك الإلهة العقرب، وستقوم إلهة العدالة بتعذيبك ، وتسدد إليك الضربة القاضية.
(أبو فيس يرتعش لا يستطيع النطق).
وحين يحس (أبو فيس) بشعور الآلهة العدائي، فيقرر أن يفعل فعلته الكبرى، فيدعى أنه ليس هو (أبو فيس) ويصب على نفسه لعنة، ويتنكر مما يظهر الحدث في شكل الملهاة:
المعركة بين أبو فيس ورع
(أبو فيس) يصب للعنة على نفسه متنكر : اسقط يا (أبو فيس)، اهبط يا (أبو فيس) يا عدو (رع)، إن ماذقته أقوى من المذاق الذي يبدو عذابا، للإله العقرب، وإن ما أنزلته بك لشديد، ولسوف تعاني من معاملتها لك إلى الأبد، لن تفلت بعد، ولن تهرب أبدا، يا أبو فيس، يا عدو (رع).
(أبو فيس) مخاطبا نفسه: أدر وجهك فإن رع يفزع من رؤيتك.
إلى الوراء يا من يستحق رأسك ان يقطع ووجهك أن يشوه.
فليحطم رأسك من يأتي على جوانب الطرقات ، وليكسر عظامك من يقيم على الأرض وليمزق لحمك، وليسلمك إلى إله الأرض، يا (أبو فيس) يا عدو رع.
(وظل أبو فيس يتنكر، ويهذي بكلماته، وتركه رع والآلهة المحيطون به، في حالة الهذيان دون مقاطعته، ولم ينخدعوا بهذه الملهاة، ووضع (آتوم) وهو أقدم الآلهة حلال لهذا الموقف بكلمة مليئة بالاحتقار، وتبعه بقية الآلهة).
(آتوم) يقول: أرفعوا رؤوسكم يا جنود (رع) واطردوا هذا الجبان من صحبتنا.
(جب) يقول: انتبهوا أنتم يا من تشغلون أماكنكم على أنكم ملاحو مركب خبري تقدموا للأمام وبأيديكم الأسلحة التي أعطيت لكم.
(حتحور) تقول: خذوا سيوفكم .
(نوت) تقول: هيا طاردوا ذلك الهلع الفزع.
ونكتفي بهذا القدر من نص (المسرح) الذي لم يصل إلينا كاملا، ونعرف من خلاله كيف قدم (المسرح) المصري القديم كيفية المعركة بين أبو فيس ورع، في صورة تمثيلية ساخرة ( كوميدية ) تختلف عن المكتوب عنهم في الأساطير.
فرحلة رع في قاربه التي سقناه في البداية، نري تمثيلها يختلف عن المكتوب، وشكل (أبو فيس) المرعب، يظهر بصورة ساخرة، والنتيجة أن (المسرح) المصري القديم، يقدم أعماله بخلاف ما هو مكتوب في الأساطير.
فهي شخصيات بشرية وليس إلاهية تظهر وتتصارع فيما بينها، فمن يقرأ الاسطورة الخرافية التي وضعها الكهنة عن رحلة (رع) الليلة في قاربه، يلاحظ أنها معتقد غريب ومختلق عن طبيعة السماء الحقيقية.
ولكن عندما تشاهدها تمثيلا في صورة عرض، سوف يرى المشاهد الفرق خاصة أنها تقدم في صورة تمثيلية هزلية، وهكذا يكشف (المسرح) خرافة الأسطورة في مصر القديمة، وأن الآلهة المزعومة ما هى إلا شخصيات بشرية، وبهذا يكون المسرح المصري القديم من أوائل المسارح في العالم الذي قدم (الكوميديا) الملهاة التمثيلية.