رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(أمينة صبري) صاحبة (حديث الذكريات) تسترجع مع (دريد لحام) صعوبات الطفولة (1)

* أحياء وحارات سوريا الشعبية في طفولتي كانت غاية في الجمال والتكوين المعماري الأصيل، كانت مثل الحضن، وتشعرين بأن الأحياء تحتضن بعضها البعض

* نشأت في عائلة تعدادها اثنا عشر فردا، وظروف الحياة كانت صعبة عليّ، وعلى كل من حولي، وكنت أتميز بالهدوء والخوف والخجل

* ظروفي الصعبة لم تشلني، ولم تمنعني من البحث عن حياة أفضل، فجو الفقر لم يولد في نفسي النقمة، وإنما ولد في نفسي الصبر والجلد والطموح.

* عملت أعمالا متعددة، عملت كحداد، وترزي، وفي كي الملابس، وبائع أقمشة، وبائع جوال وشيال وغيرها.

* كانت الكهرباء نوعا من أنواع الفرجة، فعندما دخلت الكهرباء في بيوتنا كنا نسهر لنتفرج عليها.

* الإنسان عندما يتذكر لحظات السعادة، يذكر أيام الطفولة مهما كانت قاسية.

دريد لحام على المسرح

بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري

كواليس الحوار

أجريت هذا الحوار مع (دريد لحام) في حقبة الثمانينات، ذهبت إلى سوريا الحبيبة بعد فترة انقطاع بين مصر وبعض الدول العربية، والتي قاطعت مصر بعد معاهدة السلام، وكانت تجربة مؤثرة جدا في وجداني ..

فقد قوبلنا كبعثة لإذاعة (صوت العرب) بترحاب وحب ومودة كبيرة جدا من الناس والمسئولين لدرجة أن سائقي التاكسيات كانوا يرفضون أخذ الأجرة بعد سماع لهجتنا المصرية.

وأصحاب المحال في (سوق الحميدية) وباقي الأسواق يرحبون بنا ترحيبا شديدا، ويصرون علي تقديم بعض الهدايا البسيطة الخاصة والمميزة لسوريا..

ويتحدثون معنا عن حبهم لمصر وللمصريين والمسئولون في الإذاعة، وسخروا كل جهودهم لانجاح مهمتنا الإذاعية.

وكان في ذهني، وفي تخطيطي بعض الأسماء التي أود أن التقي بها من نجوم سوريا، وأيضا بعض الأماكن والأحداث هناك.

 من الشخصيات التى كنت حريصة على مقابلتها وإجراء حوار معها المطرب (فهد بلان)، والفنان السوري الكبير (دريد لحام)، تحدثت في حوار سابق عن ظروف مقابلتي لفهد بلان.

واليوم أتحدث معكم عن ظروفي مقابلتي لـ (دريد لحام)، حيث طلبت مقابلته، وعرفت أنه موجود في مدينة (حلب) يعرض مسرحيته الشهيرة (شقائق النعمان) تأليف الكاتب الكبير (محمد الماغوط).

 وبطولة وإخراج (دريد لحام)، وتشاركه البطولة الفنانة (سلمى المصري، وعمر حجو، وحسام تحسين بك)، وغيرهم من نجوم سوريا.

وأخذت منه ميعاد، وذهبت إليه في المسرح مع صديقتي وزميلتي المذيعة (نبيلة مكاوي)، وفي سكة ذهابنا من مكان إقامتنا في دمشق إلى المسرح، تأخر بنا التاكسي حوالي نصف ساعة.

وبمجرد وصولنا المسرح، وجدنا (دريد لحام) آخر – على غير عادته – رفع الستار حتى نصل، وبمجرد أن وصلنا، وجلسنا في أماكنا في المسرح، ظهر دريد لحام وأعتذر للجمهور عن تأخير رفع الستار، وقال لهم: (أن السبب في التأخير اليوم، هو انتظار بعثة إذاعة صوت العرب).

وبعد أن نطق بجملته هذه فوجئنا بكم هائل من التصفيق الشديد، لمدة خمس دقائق، لدرجة أننا انبهرنا من هذا السيل من التصفيق.

وبعد استمتاعنا بالمسرحية أخذنا (دريد لحام)، وذهبنا إلى بيت حلبي قديم في منتهى الجمال، وحكى لنا عادات وتقاليد الشعب السوري في الماضي، وكيف كانت البيوت، ومظاهر رمضان وغيرها من العادات والتقاليد التى حكاها بشكل جذاب للغاية.

أنا من دمشق داخل السور، فقد كان لدمشق القديمة سبعة أبواب

حواري مع (دريد لحام)

في اليوم التالي أجريت هذا الحوار الذي أعتز به جدا، فإلى نص الحوار: عشق الفن ووهب حياته وجهده وفكره له، عندما اختار الفن خطا أساسيا في حياته كان وراء هذا الاختيار وجهة نظر، رسالة يود أن يرسلها لمجتمعه الصغير ثم لوطنه الأكبر.

أراد أن يقدم دعوة للتفكير والتأمل لكي يتغير المجتمع إلى الأفضل والأحسن، واختار البسمة والضحكة أسلوبا وشكلا لإيصال فنه ورسالته، قدم العديد من المسرحيات الكوميدية والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية.

وعددا من الأفلام، وأصبح واحدا من النجوم الذين يحملون هموم الوطن على أكتافهم أينما ذهبوا، ولذلك أختير أيضا سفير النوايا الحسنة من قبل الأمم المتحدة.

نشأ (دريد لحام) في حي قديم من أحياء دمشق القديمة، حيث ولد عام 1934 بجوار الباب القديم الذي دخل منه (خالد بن الوليد) دمشق عند الفتح، ويفخر هو بذلك ويقول: أنا من دمشق داخل السور، فقد كان لدمشق القديمة سبعة أبواب.

ولها سور تاريخي، وكانت عبارة عن أحياء وحارات شعبية غاية في الجمال والتكوين المعماري الأصيل، كانت مثل الحضن، فقد كنت تشعرين بأن الأحياء تحتضن بعضها البعض، الزفاق الضيق الصغير والغرف فوقه.

كما لو كانت الغرف تتعانق بعضها مع البعض، عندما تنظرين من أعلى، كان شكل البيوت يوحي بالحضن، كانت الأحياء القديمة نسخة سماوية وأطرافها مجموعة من الغرف.

وكل غرفة لعائلة صغيرة، فتجدين العائلة الكبيرة تجتمع في صحن الدار يوميا حيث يوجد في صحن كل دار بركة ماء تأتي من نهر بردى، كل منزل كان يأتيه الماء من بردى.

وفي هذا الصحن توجد بعض الأزهار والياسمين، وفي المساء تجتمع العائلة ويحلو السمر والغناء والأحاديث.

نشأت في عائلة تعدادها اثنا عشر فردا، وظروف الحياة كانت صعبة عليّ

* ولكنك رغم أنك نشأت في دمشق القديمة الجميلة حيث الود والحميمية والحضن كما تقول إلا أنك عانيت كثيرا في طفولتك من صعوبة العيش، والظروف القاسية للحياة في أسرة كثيرة العدد، قليلة المورد؟

** (دريد لحام): أنا نشأت في عائلة تعدادها اثنا عشر فردا، وظروف الحياة كانت صعبة عليّ، وعلى كل من حولي، وكنت أتميز بالهدوء والخوف والخجل، إلا أن هذه الظروف لم تشلني، ولم تمنعني من البحث عن حياة أفضل.

فجو الفقر لم يولد في نفسي النقمة، وإنما ولد في نفسي الصبر والجلد والطموح، ولذلك عملت وخضت غمار العمل وأنا صغير في المدرسة الإبتدائية.

أعمالا متعددة، عملت كحداد، وترزي، وعملت في كي الملابس، وبائع أقمشة، وبائع جوال وشيال

* هذا بالقطع أكسبك خبرة ومعرفة كبيرة بالحياة والنفس البشرية، وأغنى تجربتك في الحياة، وأعتقد أنك كونت مخزونا هاما استفدت منه فيما بعد؟

** (دريد لحام): نعم أنا عملت أعمالا متعددة، عملت كحداد، وترزي، وعملت في كي الملابس، وبائع أقمشة، وبائع جوال وشيال، هذه النشأة أعطتني نظرة خاصة بالحياة، فالحياة بالنسبة لي مثل الكيمياء معادلة، تضع إيمان وجهد وتعب، تلقى نجاحا.

 فأنا لا أؤمن أن الحياة ضربة حظ أو أن الحياة نصيب، فنسبة الحظ هو واحد في المائة ألف، فالذي يريد أن يعتمد على الحظ فلينتظر دوره ونسبته في الواحد على كل مائة ألف.

بينما الإنسان بجهده وتعبه سينجح وسيصل إلى ما يصبو إليه، طبعا قد يضيع من الجهد الكثير، لأن أحيانا يضيع الجهد على الفاضي، ولكن حتى بعد أن يضيع جزء من الجهد فما يبقى منه كاف للنجاح.

 فيجب أن نقيس هذه المسألة بشكل فيزيائي، ممثلا عندما كانت القطارات القديمة تسير بالبخار الذي يعتمد على الفحم الحجري كان معروفا بحسابات الفيزياء إنه عندما يضع الوقاد الفحم الحجري في موقد الآلة لكي يسخن الماء لينتج البخار ويسير القطار.

فالحسابات الفيزيائية تقول إن 70% من الطاقة الحرارية تذهب سدى عبر المدخنة في الهواء.

ولا يبقى من هذه الطاقة سوى 30%، وهذه الثلاثين في المائة هي الكافية لتسير القطار، ولكي يصل للوجهه التى يريدها، وهكذا الحياة بالنسبة للإنسان، ولتحقيق أهدافه في الحياة.

* طبعا ما تذكره ليس بغريب على أستاذ لمادة الكيمياء، فأنت عملت كمدرس للكيمياء لفترة، وأعتقد أنك طبقت هذه النظرية في حياتك، ولكن أتصور أنك حققت من النجاحات والأهداف أكثر بكثير من الثلاثين في المائة؟

** (دريد لحام): والله لا أعرف بالضبط، ولكن إذا كان لي شيئ في قلوب الناس فهذا بالنسبة لي غاية في حد ذاته، وأعتقد أنني حققت الكثير من خلال هذا الشيئ.

* وأنت مازلت صبيا عملت في أعمال متعددة، وأعمال شاقة بالنسبة لسنك، ومع ذلك كنت تواصل دراستك بتفوق كبير فهل كان لديك وقت للإستمتاع بأشياء أخرى مثل متابعة الفن أو ممارسة هواية من الهوايات؟

** (دريد لحام): الحقيقة لم يكن لدي وقت لهذا الترف، يوجد مثل صيني يقول: (لو معك قرشين اشتر بأحدهما رغيفا، والآخر وردة) طبعا يقصد بالوردة ماهو جميل.

وأنا يا سيدتي لم يكن لدي إلا قرش واحد للرغيف، لم يكن هناك فائضا كانت هموم الحياة تخطفني، وتخطف كل جهودي، كان علي لكي ابقى أن أكافح وأكافح، أنا من مواليد عام 1934.

وكان الأستعمار الفرنسي يسيطر على سوريا، وكانت هموم الحياة كثيرة بالإضافة إلى أن البيئة في ذلك الوقت لم تكن تسمح لوصول الفن بسهولة، فالراديو لم يكن منتشرا.

وكانت الكهرباء نوعا من أنواع الفرجة، فعندما دخلت الكهرباء في بيوتنا كنا نسهر لنتفرج عليها، وليس للاستفادة منها، كان شيئا جميلا في ذلك الوقت أن نضغط على أزرار الكهرباء فتنير المنزل.

كانت الكهرباء شيئا جديدا علينان فقد كنا نعيش على الجاز وتتحلق العائلة كلها حول موقد الجاز للتدفئة والتسامر، وحضن هذا الموقد كان مدعاة لأن يلتصق الأخ بالأخ، والأم والأب.

كانت الحياة صعبة وشاقة، ولكن الغريب أن الحياة الآن بكل وسائل الراحة والرفاهية من حولنا ليست أجمل على الإطلاق، فقدنا الحضن، فقدنا هذه الحميمية في التحلق والجلوس في صحن الدار، وسط العائلة، الحياة تعقدت وأصبحت واسعة.

الإنسان عندما يتذكر لحظات السعادة، يذكر أيام الطفولة مهما كانت قاسية

* إذن دفع الإنسان ثمنا غاليا للحصول على راحة شكلية تاركا متجاهلا جزءا كبيرا من العفوية والتلقائية والبراءة؟

** (دريد لحام): معلوم، الإنسان عندما يتذكر لحظات السعادة، يذكر أيام الطفولة مهما كانت قاسية، ويبدأ يبحث عن آثارها حتى لو كانت في حجر ضيق، أوشجرة كان يتفيأ ويستظل بظلها، والآن تبدلت الشجرة الجميلة الوارفة ببناية أسمنتية قبيحة.

* ظلت الحياة تسير بك ما بين جهود عمل، وتحصيل علم، ومحاملة للبقاء وسط حياة قاسية، متى بدأ التغيير؟

** (دريد لحام): عندما دخلت الجامعة في كلية (العلوم) التابعة للمعهد العالي للمعلميين، ونظرا لتفوقي كنت أقبض راتبا أثناء الدراسة، هنا فقط بدأت أرتاح قليلا، وتوقفت عن العمل كصبي لبعض الحرف.

وكنت أمارس التدريس هنا، وهناك، بجانب الراتب الذي كنت أتقضاه كطالب، فتمكنت من أن ارتاح قليلا وأساعد أسرتي من هذا الدخل حيث أن عائلتي ضحت لأجلي كثيرا، ومهما قدمت لها فلن أستطيع أن أقدم ذرة مما فعلت لأجلي.

*هل أفهم من ذلك أن عائلتك كانت ترى فيك شيئا واعدا وأملا مستقبلا برغم كثرة الإخوة من حولك؟

** (دريد لحام): الأصغر دائما يكون مدللا، وأنا أصغر الإخوة، فدائما أحسن الأشياء تكون للأصغر، ومن جملة الأحسن الذي تلقيته من عائلتي هو الحرص على تعليمي، فأخي الذي يكبرني حصل على التوجيهية بعدي، أحبوا أن يوصلوني أنا أولا، وأخي الذي يكبرنا جميعا لم يستطع أن يكمل تعليمه، فقد كانت وراءه مستويات أسرية كبيرة، ولذلك فأنا مهما فعلت فلن أستطيع أن أرد لهم الجميل.

الأسبوع القادم نستكمل رحلة الحياة والفن مع النجم السوري الكبير دريد لحام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.