بقلم: محمود حسونة
ارتبط شهر رمضان بالكوميديا من أيام الأبيض والأسود، كان المسلسل الكوميدي مكوناً رئيسياً ضمن الخريطة التليفزيونية، وعلى مدار تاريخ ممتد اتخذت (الكوميديا) ومسلسلاتها أشكالاً مختلفة، غرقت أحياناً في السطحية واتسمت أحياناً بالابتذال.
وقالوا عنها أحياناً أنها مسلسلات كوميدية ولكنها خلت من (الكوميديا)، وكانت عبارة عن اسكتشات من الاستظراف غير المقبول، مرت بمحطات ومحطات، صعود وهبوط ووجود معدوم التأثير ووجود سلبي التأثير.
وفي رمضان المنتهي غيرت (الكوميديا) التليفزيونية جلدها، تخلت عن السماجة والافتعال والاستظراف والابتذال والتصنع، ارتدت ثوب الشياكة والأناقة والتلقائية واحترام عقل المشاهد.
تجاوزت المألوف أو ما يطلق عليه (الفارْس) الذي يعتمد على قدرات الممثل وليس المؤلف أو المخرج، واعتمدت على الموقف الدرامي الذي يفجر الضحك ويعتمد على المؤلف الذي يكتبه ويبنيه على ما قبله ويؤثر فيما بعده.
وعلى المخرج الذي يهيء له الإطار الذي يزيد من تأثيره، وعلى الممثل الذي يؤديه بخفة دم وسخرية إذا لزم الأمر.
(الكوميديا) غيرت ثوبها، ألقت بالمهلهل الخارج عن النص وعن اللياقة، المستخدِم لألفاظ جارحة وخادشة للحياء، وارتدت ثوب الإبداع الجماعي الذي لا ينفرد به النجم فقط،
ولكن يتحول خلاله كل الممثلين المشاركين في العمل إلى أدوات لتوصيل رسالة المؤلف والمخرج بالأداء مع منحه فرصة التجويد والإضافة التي لا تنال من رسالة العمل، ولا تتجاوز على قيم المجتمع ولا تخدش حياء المشاهد.
هذا العام شاهدنا أعمالاً تضمنت مشاهد كوميدية، ضحكنا معها وتسلينا بأحداثها وتطورها الدرامي المتصاعد واستمتعنا خلالها بأداء فنانين يرسمون البسمة على وجوهنا من دون أن نقهقه.
أعمال مصنفة على أنها كوميديا
منها أعمال مصنفة على أنها كوميديا مثل (بابا جه، خالد نور وولده نور خالد، أشغال شقة)، وأعمال مصنفة على أنها دراما اجتماعية مثل (امبراطورية م، كامل العدد). وأعمال لم يسعفنا الوقت لمشاهدتها قالوا أنها كوميديا اجتماعية مثل (فراولة) الذي تعرض لانتقادات بسبب إفيهاته وما تضمنه من إيحاءات، وأعمال مصنفة على أنها كوميديا مثل (الكبير قوي)، والذي لم نشاهده بعد أن تحول إلى لعبة مملة وفارغة استنفذت شخصياتها كل ما يثير الضحك خلال أجزائه السابقة.
- (بابا جه)، بطولة (أكرم حسني ونسرين أمين وسما ابراهيم وفريال يوسف) تأليف وائل حمدي ومحمد إسماعيل أمين وإخراج خالد مرعي؛ و(أشغال شقة) بطولة (هشام ماجد وأسماء جلال ومصطفى غريب وشيرين وسلوى محمد علي وإخراج خالد دياب وتأليف خالد وشيرين دياب).
و(خالد نور وولده نور خالد) بطولة (كريم محمود عبدالعزيز وشيكو ودنيا ماهر وآية سماحة وشريف رمزي)، وتأليف أحمد عبدالوهاب وكريم سامي وإخراج محمد أمين، أعمال اشتركت في عدد من السمات أهمها
- كل مسلسل حكاية تستحق أن تروى، ولذا فقد حازت على متابعة قطاع عريض من الجمهور، حيث تمحور (بابا جه) حول أب يفقد عمله خلال أزمة كورونا ويتحول إلى عاطل، حتى يقرر العمل كأب للايجار.
ومن خلاله يناقش أهمية دور الأب في الحفاظ على التوازن النفسي والعاطفي عند الأولاد، والكذب الذي يشوه الإبداع ويخفي الثقة ويهز الكيان الأسري، في حين ناقش مسلسل (أشغال شقة) عواقب الاعتماد على الخدم من دون أن يتجاهل أيضاً قضية الكذب وتأثيره على الأسرة.
أما (خالد نور وولده نور خالد) فكما كان اسمه غريباً طويلاً، كان موضوعه أيضاً غريباً على المشاهد المصري، وتدور أحداثه حول ابن يعيش معتقداً أن أهله تبنوه من ملجأ، ويبحث عن والديه الحقيقيين حتى يعثر على والده وهو يوصل طفله إلى المدرسة.
ليجد أن هذا الأب يصغره بعام واحد وأن لديه طفل في عمر طفله وبذات المدرسة والفصل ويحمل نفس الاسم، وتتوالى الأحداث وتستمر حالة البحث عن تفسير لهذا اللغز الغير مقبول منطقياً حتى الحلقة الأخيرة لتكون المفاجأة الصادمة.
– نجوم ثلاثتهم لم يشغلهم سلاح الإفيه أو النكتة أو اللازمة أو التشنج الحركي بقدر ما شغلهم تقديم عمل درامي متكامل الأركان يتضمن مواقف كوميدية تستلزم أداءً واعياً لتثير الضحك بانسيابية.
15 حلقة دون مط أوتطويل
- أحداث كل مسلسل جاءت في 15 حلقة حتى لا يصيبه داء المط والتطويل، ورغم ذلك كان يلزمه المزيد من الاختصار حتى تكون الجرعة مكثفة وأكثر إمتاعاً.
- كل من المسلسلات شارك في بعض حلقاته ضيوف شرف مشهود لهم بالبراعة في اللعبة الكوميدية أضفوا على العمل مساحة من البهجة وعزفوا مع أبطاله سيمفونية كوميدية ممتعة.
لتأتي الحلقات كما لو كانت مباراة كوميدية مستمدة من المواقف الدرامية ومستغلة خفة دم المشاركين فيها من الأبطال الأساسيين ونجوم الشرف، فزينت (أشغال شقة) إنعام سالوسة ومحمد محمود ومي كساب وإيمان السيد وانتصار ورحمة أحمد.
وشارك في (خالد نور وولده نور خالد) صلاح عبدالله وحمزة العيلي وأحمد صيام وسامي مغاوري وسليمان عيد، وأضفى على (بابا جه) مزيد من البريق عمرو وهبة ومحمود البزاوي وبسنت شوقي.
- جسدت هذه المسلسلات حالة الحب والتعاون بين نجوم الكوميديا الجدد بمشاركة بعض الأسماء الكبيرة في حلقة واحدة أو مشاهد محدودة من مسلسلات زملاء منافسين لهم، حيث شارك أكرم حسني في واحدة من حلقات (أشغال شقة)، كما شارك أحمد أمين في حلقة من (بابا جه)، وكذلك شارك كريم فهمي في حلقة أخرى.
- تفاوتت حدة الصراع الدرامي بين المسلسلات الثلاثة، وكان الصراع خفيفاً في (أشغال شقة) ومتفرعاً في (بابا جه)، وخامداً بين الحلقتين الأولى والأخيرة في( خالد نور).
- أبطال المسلسلات الثلاثة حرصوا على تقديم أنفسهم كنجوم لكوميديا الموقف رغم أنهم أصحاب باع في كوميديا الفارْس ويجيدون صناعة الإفيه.
وتألق بينهم بالأداء السهل الممتنع ورسم البسمة على وجوه مشاهديه (كريم محمود عبدالعزيز)، الذي ذكّر مشاهديه طوال (خالد نور وولده نور خالد) بوالده الراحل العبقري محمود عبدالعزيز.
- الأداء الكوميدي لا يحتكره عدد محدود من صناع الضحك ونجوم الإفيه فقط ولكن يجيده كل ممثل متمكن من أدواته ولديه القدرة على التعبير بأساليب مختلفة، المهم أن يكون مكتوباً بما يثير الضحك وأن يكون في عهدة مخرج قادر على تشكيل موقف مضحك وصناعة أجواء كوميدية
شاهدنا كوميديا مختلفة هذا العام تحترم عقل المشاهد وتضحكه من خلال مواقف ومشاهد اعتمدت على الابداع الجماعي، وهو ما رفع من كثافة المشاهدة لها ولفت الأنظار، وأكد ثراء الممثل المصري وقدراته المتنوعة في التعبير التراجيدي والكوميدي.