بقلم: محمود حسونة
(امبراطورية م).. دراما الحرية والحب، الأصالة والهوية، الكرامة والتحضر، مسلسل ظاهره أنه عمل اجتماعي خفيف، ولكن باطنه سياسي ثقيل الوزن والقيمة، يتضمن الكثير من الرسائل غير المباشرة.
يستلزم من المشاهد إعمال العقل حتى يستوعب المستهدف منه، وإلا سيكون مجرد حكاية للتسلية تضاف إلى حكايات فنية كثيرة ماتت بعد أن سرقت من المشاهد بعضاً من وقته.
كتب الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس قصته القصيرة (امبراطورية م) ونشرها ضمن مجموعة (بنت السلطان) الصادرة عام 1965، وهى واحدة من أهم الأعمال التي ترصد التغيرات المجتمعية وتأثيرها على العلاقة بين الأجيال، بين الأبناء والأهل، يناقش حدود سلطة الوالدين والمساحة المسموح بها للأبناء في اتخاذ القرار.
رجل يمنح حياته لأبنائه الستة، كلهم أولاد وأسماؤهم جميعا تبدأ بحرف الميم، يسعى لتكوين إمبراطورية بهم، وبعد سنوات يفاجأ بهم يريدون الخروج عن المسار وتجاوز القيود والتمرد على السلطة الأبوية بينه وبينهم.
الرؤى مختلفة والقناعات متباينة والأفكار متناقضة والاهتمامات متفاوتة، الأسرة لن تصبح امبراطورية إلا إذا تأسست على الحرية والحب.
قصة (امبراطورية م) تحولت إلى فيلم سينمائي عام 1972، فيلم تغيّر فيه البطل أو رب الأسرة من رجل إلى امرأة، أم لديها 6 من الأولاد والبنات، فيلم جمع كبار زمانهم، فالقصة لإحسان عبدالقدوس والسيناريو كان من نصيب نجيب محفوظ والاخراج لحسين كمال والبطولة كانت لفاتن حمامة.
وكان أيضاً فيلماً ظاهرة اجتماعي وجوهره سياسي يتضمن الكثير من الإسقاطات السياسية المتوافقة مع طبيعة الحقبة الزمنية، وتم اختياره ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
(امبراطورية م) يستحوذ اهتمام الجماهير
البحث في الدفاتر القديمة وإعادة تقديم ما تم تقديمه في الماضي أمر محفوف بالمخاطر، كثيره يفشل وقليله ينجح، وهو الأمر الذي يعتمد على مساحة التغيير في الرؤية والمعالجة.
ولأن قصة إحسان الأصلية لديها مساحات تحتمل التغيير وإعادة التشكيل فقد استطاع مسلسل (امبراطورية م) أن يستحوذ على اهتمام قطاع عريض من الجماهير وأن يكون من الأعمال التي تركت بصمة في الموسم الرمضاني بصرف النظر عن الجوانب السلبية فيه.
السيناريو والحوار صاغه (محمد سليمان عبدالمالك)، وأجرى عليه تغييرات تتوافق وطبيعة العصر، لم يكتف بأن يكون الصراع الدرامي بين الأب وأبنائه فقط، ولكن جعله صراع الأب مع الطامعين في بيته والمهددين لاستقرار أسرته من المحيط الخارجي.
متخذاً من البيت رمزاً لمصر المراد هدمها من بعض أبنائها سواء الطامعين والجشعين أو المتطرفين، محيطون بهذا البيت باعوا بيوتهم أو (أوطانهم) سواءً بإرادتهم أو رغماً عنهم، بينما صاحبه ورب الأسرة (أو الامبراطورية) هو الوحيد الصامد في وجه المتربصين الساعين لهدمه.
فالمقصود هدم مصر وتشويه حضارتها وطمس تاريخها وخلخلة أصالتها والنيل من كرامتها، ولكنها رغم الحاجة وضيق الحال صمدت في وجه كل العواصف.
الأب تعامل مع رغبة أبنائه على أنها لعبة يمارسها الأولاد، ولكن المهم هو عدم التهاون فيما يتعلق بالبيت الذي هو وطن الأسرة وموطن الامبراطورية وذكريات أبنائها.
مسلسل (امبراطورية م) يطرح قضيته بسلاسة تجمع بين البساطة والجدية وبأسلوب تتخلله مشاهد كوميدية، ولكن رمزيته لم يستوعبها قطاع عريض من مشاهديه، ورآه مجرد مسلسل اجتماعي يشجع على تمرد الأبناء على الآباء.
ويساهم في تفكيك الأسرة وخلخلة صلابتها، ويساوي بين من يربي ويعلم ويوجه ويتحمل المسؤولية في الأسرة مع من يتربى ويتعلم ويحتاج إلى التوجيه.
(خالد النبوي) لا يسيء الاختيار
(خالد النبوي) اعتدناه خلال السنوات الماضية لا يسيء الاختيار، يبحث عن كل ما يحمل قيمة، يقدم فناً هادفاً، وهو ما تحقق له في (امبراطورية م) من خلال أدائه لشخصية (مختار أبو المجد)، الوالد الحالم بمستقبل عظيم لأولاده.
القائم بدور الأب والأم معاً بعد وفاة زوجته، المتفرغ تماماً لهم، الكابت لمشاعره والرافض لكل ما يشغله عنهم، المتشبث ببيته الذي يمثل له الوطن والذكرى والتاريخ والحاضر ويريده أن يكون الحاضن لمستقبل أولاده.
ولكن يبدو أن (النبوي) ومعه المخرج (محمد سلامة) قد تغاضيا عن بعض الجوانب السلبية في المسلسل وعلى رأسها ما أصابه من مط وتطويل في بعض حلقاته وتسطيح بعض مشاهده التي لا تحمل أي تطور درامي والتكرار حواراً وصورةً.
منها مشاهد بين (نشوى مصطفى ومحمود حافظ) ومشاهد بين (نور النبوي ومايان السيد)، ورغم أن تترات المسلسل تقول أن بطلته أمام (خالد النبوي) هى (حلا شيحة) العائدة بعد غياب، فإن الشاشة لم تقل ذلك.
ولكنها قالت أن (نشوى مصطفى) هى البطلة سواء على مستوى عدد مشاهدها أو فاعليتها، ويليها (نور النبوي)، وباقي المؤدين لأدوار أبناء وبنات مختار أبو المجد، لتأتي بعدهم حلا شيحة.
وبالتالي فإن مسلسل (امبراطورية م) لم يستفد من وجودها كثيراً، ويبدو أنهم أغروها بمكان الاسم في التترات لينالوا من مكانتها في المسلسل، وهذا لا يعني التقليل من موهبة المستحوذين على المساحة الأكبر.
حيث تألقت (نشوى مصطفى) في دور شقيقة (مختار)، والتي حاولت ملء فراغ غياب الأم بأسلوبها الكوميدي في بعض المواقف، كما تألق (نور النبوي وهاجر السراج)، وباقي الأولاد في المسلسل.