كتب: محمد حبوشة
تقوم الدراما بدور هام وحيوى في بناء وتشكيل وتغيري المفاهيم المختلفة داخل المجتمعات، خاصة وأن الدراما من أكثر المضامين العالمية التي يقبل عليها الجمهور بشتى فئاته ومنها بالطبع مسلسل (زينهم) الذي جاء في إطار اجتماعي مغلف بالإثارة والتشويق.
ولأن الفنان الشاب الموهوب (أحمد داودو) يرى كما يرى الجمهور أن الدراما مرآة وانعكاس للواقع المجتمعى بإيجابياته وسلبياته المختلفة، فقدم لنا مسلسل (زينهم) الذي يجمع بين الكوميديا الخفيفة والجريمة في ثوب من الإثارة.
وهو هنا في (زينهم) يحاول تقديم الحلول الفعالة للعديد من المشاكل المجتمعية، وذلك بهدف تغير القيم والمفاهيم المجتمعية، وكذلك القوانين، حيث نجد (زينهم) الطبيب الشرعي يحاول فك طلاسم مقتل والده في قلب المشرحة.
صحيح أن مسلسل (زينهم) مازال يعرض حتى الآن عبر منصة watch it وقنوات (أون)، حيث عرض حتى الآن 25 حلقة من المسلسل، لكني آثرت الكتابة عنه قبل انتهاء حلقاته لأن المسلسل شهد تفاعلا كبيرا فور انطلاق أولى حلقاته، كما أن نهايته تبدو متوقعة.
إذ احتلت كلمات البحث على محرك (جوجل) الصدارة بعد عرض الحلقة الأولى منه، والمسلسل مأخوذ عن مجموعة قصصية تحمل اسم (أصدقائي الموتى شكرا) للدكتور محمد جاب الله – الذي يعمل كطبيب شرعي.
والسلسلة القصصية هذه تقوم على حل ألغاز القضايا الغامضة التي يواجهها أحد الأطباء في أثناء مسيرته المهنية التي يحاول خلالها جاهدًا كشف غموض الجريمة.
(زينهم) مسلسل (لايت كوميدي)
على الرغم من أن الجمهور يعتقد للوهلة الأولى من عرض البوستر التشويقي لمسلسل (زينهم) أنه ينتمي إلى أعمال الرعب، إلا أننا نجد المسلسل (لايت كوميدي) حيث تدور أحداثه حول عالم الطب الشرعي، وحياة الموتى، وتشريح الجثث.
ولكن (محمد سليمان عبد المالك) قدمه بشكل كوميدي من خلال دخول زينهم – مدير المشرحة – في مواقف كوميدية متعددة نظرا لطبيعة عمله، بالإضافة أيضا لوجود خط رومانسي في حياته، ويثير عالم الجرائم والموت الغامض فضول محبى الدراما والسينما.
تلك الثيمة التي لعب عليها مسلسل (زينهم) والتي مكنته من تحقيق متابعة واسعة، حيث يبدأ المسلسل في الحلقة الأولى بعرض الشخصيات للمشاهد بشكل بسيط للتعرف عليها، وهو ما يحسب لمؤلفه ومخرجه وممثليه.
فنحن هنا نجد (أحمد داود) يجسد شخصية طبيب شرعي يدعى (زينهم زكريا) يخفي حقيقة عمله عن والدته التي تخاف عليه، وتحاول أن تجعله يتزوج وهو يرفض، ويبحر في هذا العالم لدرجة تدفعه للتحدث مع الموتى.
و(زينهم) بداخله يقين تام بأن الموتى لا تكذب حين يحدثهم داخل المشرحة، وأن الآثار الموجودة على أجسادهم ستدفعه دائما لكشف الحقيقة، وهذا ما يجعله دائمًا يشعر بقيمة عمله وما يقدمه لهؤلاء الموتى.
بالإضافة أنه يعمل دائما لتحقيق العدالة – بحكم ابن لقاض عريق في تحقيق العدالة – كما أننا نجده يسعى دائما إلى كشف قاتل والده، ويشعر بشكلٍ كبيرٍ أنها ليس مجرد حادث طبيعي يمكن أن يمر مرور الكرام.
ولهذا نجده دائما يتحدث إليه، ولكن في الحقيقة يتحدث لنفسه، ويسأل ويجيب أيضا عن نفسه، فوالده ليس إلا صوت يفكر معه إذ كان موجوداً فماذا سيكون ردة فعله أو إجابته على اسئلته؟!
ومع متابعة الأحداث التي تتسم بالتشويق والإثارة، نرى في الصورة التي كان يظهر والده فيها وهو في البيت، مرتديا (روب) لتعكس الدراما هنا صورة الأمان والطمأنينة له.
ولأن (أحمد داود) يجيد الاختيار، فكان اختياره لشخصية (زينهم) اختيارا موفقا، حيث جاء أداؤه التمثيلي غير مبالغ فيه بل كان بشكل طبيعي وواقعي وقريبا من المشاهد بطريقة تجعله يتأثر به وبمشاكله التي يواجهها في حياته بشكل كبير.
براعة (أحمد دواود) في (زينهم)
لذا تجد المشاهد يتفاعل مع (زينهم/ أحمد داوود) ويفكر معه في حلول للقضايا التي تقابله، وقد كانت جميع ردود أفعاله وانفعالاتها متقنة، حيث شخصية كهذه لديها دوافع انتقام لوالدها.
الأمر الذي يجعله دائما في حالة من التوتر والسير وراء أي خيط مهم يجعله يصل إلى الحقيقة، وهذا ما جسده (أحمد داود) بشكل مميز ومختلف، بالإضافة إلى ذلك أنه منذ ظهور (أحمد داوود) وهو يتمتع بهبة ربانية، وهى القبول.
وليس هذا فحسب، فإنه يتمتع بحب الجمهور له مما يجعله مناسبا لهذا الدور، وقد كانت ملابسه أيضا كلها موفقة إلى حد كبير بنفس الموضه قميص وبنطلون معبرة بشكل كبير عن شخص تعدى سن الثلاثين.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: أحمد داوود.. إعلامي برع في فن التحقيق التلفزيوني
وقد ظهر في صورة وزن زائد (الكرش) – الذي انتقده البعض دون مبرر منطقي) – لكن يبقى هنالك مبرر درامي لحبه الزائد للفول بالزيت الحار، وأنه يأكله بشكل يومي في الإفطار.
ومن خلال الأحداث التي سوف تلحظ أنها تسير بشكل ناعم ودافئ كعادة (محمد سليمان عبد المالك) في تمتعه بحس اجتماعي جميل، ولابد لك أن تلمس جانبا من ذلك الدفء في تصادف (زينهم) فتاة تدعى (جميلة)، وتنشأ بينهما علاقة صداقة.
وهى شخصية تعاني من مشاكل نفسية بسبب إهمال أهلها لها، وعدم سماعها، كما أنها لديها حلم تريد أن تحققه وهو أن تصبح مصورة، والتي تجسد شخصيتها سلمى أبو ضيف ببراعة وتلقائية معهودة في أدائها.
عذوبة أداء (سلمى أبو ضيف)
فعلا قدمت (سلمى أبو ضيف) دورها بشكل مختلف عن أعمالها وشخصيتها السابقة، وربما المراقب لها يلحظ أنها استطاعت في الموسم الرمضاني لعام 2023 أن تخرج من إطار الشخصية الرقيقة التي حصرت فيها.
وشخصية (جميلة) فتاة بسيطة تعمل لتستطيع أن تنفق على نفسها، بعد أن تركت أهلها، ولابد لي لي أن أذكر في هذا المقام أنه كانت جميع أداءات سلمى أبو ضيف واقعية وعفوية، خالية من أي مبالغة أو تصنع.
بل كانت بشكلٍ كبير تمثل جزءا كبيرا من طبيعتنا، وردود أفعالنا، ونجد ذلك بشكل واضحٍ في مشاهدها مع (زينهم) وطريقة كلامها وانفعالاتها التلقائية تشير إلى فطريتها باعتبار أنها واحدة من بين بناتنا في هذا الجيل.
(كريم قاسم).. أداء مختلف
أحداث مسلسل (زينهم) تبدأ من استقبال (زينهم) مدير المشرحة الطبيب الجديد (جيمي) الذي يقوم بدوره (كريم قاسم) ببراعة غير معهودة في أدائه، حيث أتقن شخصية الطبيب الذي يخاف من طبيعة ذلك العمل، ويحلم أن يصبح طبيب قلب.
ولكن حظه أرسله لمشرحة الطب الشرعي، لكن بعد فترة قليلة يفهم طبيعة العمل، بل ويحبه ويشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الموتى، وقد أتقن (كريم قاسم) هذه الشخصية التي أعتقد أنه لم يسبق له أن قدم مثلها من قبل.
وقد كانت ملابسه أيضا (الكاجول) مختلفة بشكل كبير عن ملابس شخصية (زينهم)، نظرا لفرق العمر الخبرة بينهما والتركيبة النفسية البسيطة.
وقد نجح المخرج (يحيي إسماعيل) في اختياره لذلك الثنائي( دوود – قاسم)، فالكيمياء والهارمونية التي نشأت بينهما لعبت دورا مهما في الكوميديا وفي تألق الأداء التمثيلي. في كافة المشاهد التي تجمعهما.
والحقيقة أنه بالإضافة إلى ذلك هناك عناصر أخرى لعبت دورا مهما في تعزيز الأجواء الدرامية في مسلسل (زينهم)، مثل الإضاءة والمكياج، والديكور، فعنصر الإضاءة تمثل لنا بشكل متقن في المشرحة.
فكانت الإضاءة خافتة نوعا ما مكونة من مجموعة مصابيح تتركز اتجاه الجثة المراد تشريحها مما يقوى فكرة الإيحاء بالخوف والتوتر من جانب جيمي تحديدا، أما عن المكياج فقد كان مكياج جميع الجثث واقعيا جدا، وكأنك هنا تقف أمام جثة حقيقية.
أما عن عناصر الديكور فيتمثل لنا في المشرحة أيضا حيث الجدران المتأكله نوعا ما، وشكل مكتب (جيمي) المنظم دائما الذي يشبه شخصيته الهادئة والمنظمة إلى حد كبير، ما يعكس ذلك جوهر الشخصية بشكل حقيقي غير مبالغ فيه.
وقد لاحظت على مستوى الأداء في مسلسل (زينهم)، أنه ليس شرطا أن تكون اللغة للكلام وحسب بل هناك: لغة صمت، لغة للجسد، ولغة العيون – أهم لغة على الفنان أن يتقنها للوصول إلى قلب المشاهد.
(أحمد الرافعي).. مفاجأة (زينهم)
ولو اتجهنا للأداء التمثيلي لـ (أحمد الرافعي)، فقد فاجئني أداؤه الكوميدي، وفي نفس الوقت الشخص الجاد وكيل النيابة، وقد أبرز قدرات جديدة لديه تجعلني أجزم أن هذا الممثل لديه قدرة تمثيلية رائعة ترشحه للعب أدوار مختلفة غير رجل الدين المتطرف.
بل ولديه أيضا ذكاء هو الآخر في اختيار الشخصيات المختلفة التي لدى معظمها شكل وهيئة بعيدة عن شكله وهيئته، فجعل المتلقي يصدقها تماما ويتفاعل معها وبكل ما يتعرض له.
وربما لمست ذلك من خلال ردود أفعال الجمهور على الحادث الذي تعرض له في المسلسل نتيجة لمنصبه، كما تبرز أيضا الفنانة القديرة (هناء الشوربجي)، والتي يمتاز تمثيلها بالعفوية فتجذب انتباه المشاهد نحوها.
ولهذا كنت أنتظر بلهفة مشاهدها مع (أحمد داوود) لأنها تسعدني على المستوى الشخصي في علاقتها كأم مع ابنها، فهي تشبه جميع أمهاتنا في تعبيراتها وكلامها وخوفها على أبنائها.
تعرض مسلسل (زينهم) أيضا الأحداث الواقعة في عصرنا الحالي مما جعله أقرب للجمهور، مثل مشكلة الكهرباء، وتخفيف الأحمال على سبيل المثال، وأيضا كان داعما بشكل ما القضية الفلسطينية.
وهو ما يبدو واضحا حين نرى (جيمي) في مشاهد كثيرة يأكل منتجات خارج المقاطعة، أيضا في مشهد ظهر وهو يفتح ثلاجة البيت وبداخلها مشروبات خارج المقاطعة.
وكذلك نرى في مشهد آخر (جميلة)، وهى تسير على البحر، وقد كتب على حائط بجوارها لافتة (فلسطين ليست محتوى غزة تموت)، لتنظر لها (سلمى أبو ضيف)، وتبتسم ابتسامة تحمل معان كثيرة.
وفي النهاية يمكنني القول أننا ومنذ أول حلقة كنا منحازين إلى هذا العمل الدرامي البسيط، حيث نجح في البداية وحتى الآن في أن يدفعنا كي نتأثر بالشخصيات ودوافعها.
بالإضافة إلى أنه عمل كوميدي خفيف لا تمل من مشاهدته، بالإضافة إلى تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، وأنها ما زالت حاضرة في الكثير من المشاهد وهو ما يُحسب لصناع هذا العمل.
ملاحظة مهمة عن (زينهم)
لست مع الناقدة الفنية (ماجدة خيرالله)، في تعليقها حول اكتساب الممثل (أحمد داوود) وزنا زائدا، خلال مسلسله الجديد (زينهم)، خيرالله، طالبت المقربين من داود – في منشور عبر (فايسبوك) – بإبلاغه بأنه أصبح في حاجة إلى فقدان نحو 5 كيلوغرامات، حتى تتناسب هيئته مع نجوميته التي يسعى لتحقيقها.
صحيح أن (داوود) لم يتجاهل المنشور، وأوضح في تعليقه أنه بالفعل اكتسب مزيدا من الوزن، لكن ذلك من أجل السياق الدرامي للشخصية، حيث يظهر بدور شاب تسعى والدته جاهدة لزواجه.
لكنه يسعى لـ (تطفيش) أي فتاة مرشحة، بأي صورة، لذا فلا يهتم بمظهره أو هيئته، كما أنّه يظهر في المسلسل محباً لتناول الفول بالزيت الحار بشكل يومي، وهو من ضمن أسباب زيادة الوزن.
هذا التبرير لم يلق قبولا لدى (ماجدة خيرالله)، وردت عليه في منشور آخر انتقدت فيه تجسيده شخصية طبيب شرعي يتحرك بخفة ملحوظة ويتسلق مواسير العمارات، في الوقت الذي يظهر فيه بطنه بشكل غير لائق.
وهى هنا (ماجدة خير الله) خانها التوفيق في تأكيدها أيضا في قولها: (أن ذلك لا يليق به كنجم مصري)، فعلى العكس أراه كان موفقا بهذا (الكرش) الذي بدأ يختفي تدريجيا مع نهاية الحلقات، لأن الحتمية الدرامية كانت تتطلب أن يكون على الشاكلة.
وأخيرا لابد لي أن أتوجه بالشكر والتقدير لكل فريق (زينهم) الذي نجح في إصابة المتعة، وتسليط أضواء كاشفة على قضايا ومشكلات تمس حياتنا المصرية والعربية، ولم يلجأوا إلى ثيمة غربية تصيبنا بالرعب المقزز الذي يفقد العمل جوهره المصري والعربي الحقيقي.