بقلم: محمود حسونة
لن تتوقف إسرائيل عن تضليل الرأي العام العالمي إلا إذا وجدت من يتصدى لأكاذيبها، حتى في فيلم (جولدا)، ولعل ما نراه اليوم على الشاشات الغربية من انحياز لها في حربها على غزة وتقديم المبررات لها على جرائمها المتوالية في حق المدنيين من الفلسطينيين الذين تحاصرهم منذ 16 عاماً ولا تتقبل عواقب ذلك.
ولا ترضى منهم سوى التسليم بإرادتها في إذلالهم وتركيعهم خير دليل على أن هذا الكيان تتجاوز طموحاته احتلال الأرض وتصل إلى احتلال العقول.
الفلسطينيون صرخوا ولم يسمعهم أحد، استغاثوا ولم يلبهم أحد، جلسوا على موائد التفاوض ووقعوا على اتفاقيات لم تحترمها إسرائيل ولم تنفذ شيئاً من بنودها، ولم يجدوا أمامهم سوى استخدام نفس الأسلوب الإسرائيلي، الاجتياح والعنف عله يكون الأنسب ليلتفت إليهم العالم، وكانت النتيجة هدم غزة على رؤوس أطفالها وشيوخها ونسائها.
وبعد 50 عاماً من انتصار الجيش المصري والجيش السوري على إسرائيل في أكتوبر 1973، تخرج علينا هوليوود التي يديرها ويتحكم فيها اللوبي الصهيوني بفيلم (جولدا).
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : فيلم عربي .. حيلة إسرائيلية مكشوفة
وهو سيرة ذاتية عن حياة رئيسة وزراء إسرائيل خلال حرب أكتوبر (جولدا مائير)، لنجده يقدم رؤية مغالطة للحقائق عن الحرب بعيون (جولدا مائير)، محاولاً النيل من الانتصار، مقراً بهزيمة إسرائيل في بداية الحرب.
مرجعاً ذلك إلى عنصر المفاجأة والخداع، ثم يقلب الحقائق ويدعي انتصار إسرائيل بفضل محاصرة الجيش الإسرائيلي للجيش الثالث الميداني المصري، والمعروفة بثغرة الدفرسوار.
لا ينبغي استغراب ذلك على دولة قامت على أكذوبة، وخدعت اليهود حول العالم بقولها أن فلسطين أرض أجدادهم وأرض الميعاد لهم، وتواصل أكاذيبها بالحفائر التي تجريها في محيط قبة الصخرة والمسجد الأقصى بحثاً عن هيكل سليمان المزعوم.
والذي ينفيه علماء آثار غربيون وصهاينة، وباعتراف الكاتب الصهيوني (آري شبيت) في مقال له في جريدة (ها آرتس) الإسرائيلية صبيحة اجتياح المسلحين الحمساويين للمستوطنات الاسرائيلية، محذراً من عواقب السياسة الاسرائيلية على مستقبل الكيان.
حيث قال: علماء الآثار الغربيون واليهود، ومن أشهرهم (إسرائيل فلنتشتاين) من جامعة تل أبيب، يؤكدون أن الهيكل أيضاً كذبة وقصة خرافية ليس لها وجود، وأثبتت جميع الحفريات أنه اندثر تماماً منذ آلاف السنين.
وورد ذلك صراحة في عدد كبير من المراجع اليهودية، وكثير من علماء الآثار الغربيين أكدوا ذلك، وكان آخرهم عام 1968، عالمة الآثار البريطانية الدكتورة (كاتلين كابينوس)، حين كانت مديرة للحفائر في المدرسة البريطانية للآثار بالقدس.
فقد قامت بأعمال حفريات هناك، وطردت من فلسطين بسبب فضحها للأساطير (الإسرائيلية)، حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل المسجد الأقصى، بعد أن أقرت بعدم وجود أي آثار لهيكل سليمان.
(جولدا) كذبة إسرائيلية جديدة
فيلم (جولدا) كذبة إسرائيلية جديدة، هدفها التشويش الباهت على انتصار مصر في حرب أكتوبر، وتبرئة جولدا مائير أمام الأجيال الاسرائيلية الشابة من المسؤولية عن الهزيمة، وتقديمها كسيدة قوية منحت حياتها للكيان.
وقادت الحرب وهى تتألم وتخفي إصابتها بالسرطان عن كل المحيطين بها، تتجاهل آلامها البدنية مقابل تعاظم آلامها النفسية تجاه كل جندي إسرائيلي قتل في الحرب، يرضخ لإرادتها جنرالات الحرب باعتبارها الأقوى والأكثر حكمة.
ويرضخ أيضا لإرادتها وزير الخارجية الأمريكي (هنري كيسنجر) بما يناقض حقيقة أنه هو الذي أنقذ إسرائيل وكانت جولاته المكوكية ونيله موافقة مصر على وقف إطلاق النار هي التي أوقفت زحف الجيش المصري إلى إسرائيل.
ووصلت أكاذيب الفيلم منتهاها بتهديدات جولدا مائير لكيسنجر في منزلها، وبادعاء الفيلم اعتراف الرئيس السادات بإسرائيل خلال مباحثات الفريق عبدالغني الجمسي مع رئيس أركان حرب إسرائيل حينئذ، وبتصويرها منتصرة نهاية الفيلم و(جولدا) تتناول نخب النصر مع جنرالاتها الذين ظلوا منكسرين طوال الأحداث.
إقرأ أيضا : (حزنهم يوم فرحنا)
فيلم (جولدا) هدفه تضليل الرأي العام داخل إسرائيل وخارجها، يدعي أن إسرائيل -التي ارتكبت ومازالت كل أشكال جرائم الحرب والجرائم المحرّمة دولياً منذ حرب ١٩٤٨ وحتى الحرب الحالية على غزة- دولة مسالمة تدافع عن نفسها.
وأنها قادرة على تحويل الهزيمة انتصاراً رغم أن كل أحداثه تدور من خلال شهادة (جولدا) أمام لجنة التحقيق في أسباب الهزيمة والمعروفة بلجنة (أجرانات)، ويقدم أكاذيبه في صورة سينمائية باهتة تثير الملل ومن خلال مشاهد تبتز مشاعر المشاهد.
وتدور ما بين شقة جولدا مائير الفقيرة ومطبخها المتواضع ومخابئ القيادة والمستشفى الذي تتردد عليه سراً، ورغم أن أحداثه تدور خلال الحرب إلا أنه لا يتضمن أي مشاهد عسكرية.
(جولدا) ضلل إسرائيل
ورغم أن الحرب كانت مصرية سورية في مواجهة إسرائيل إلا أنه لم يضم أي شخصيات عربية باستثناء مشهدين تسجيليين سريعين للسادات خلال زيارة إسرائيل وتوقيع كامب ديفيد.
إقرأ أيضا : إسرائيل تحاول السيطرة على محتوى منصة (نيتفلكس)!
الايجابية الوحيدة في مضمون الفيلم أنه أنصف (أشرف مروان) الذي ادعت إسرائيل في فيلم سابق أنه كان يعمل لصالحها ضد مصر، وفي (جولدا) ضلل إسرائيل وأبلغهم أن ساعة الصفر ستكون في السادسة من مساء يوم السادس من أكتوبر.
(هيلين ميرين) تألقت في أدائها لشخصية (جولدا مائير) كعادتها كممثلة موهوبة حاصلة على الأوسكار وحاصدة للعديد من الجوائز، ولعل تصدرها لأفيشاته هو الذي أنقذ الفيلم من الفشل الفني.
إسرائيل تكرم رموزها وتلجأ للتضليل من أجل تحسين صورتهم، وتزيف الحقائق حتى تحافظ على وجودها وتبتز المشاعر أملاً في تحقيق مكاسب دولية، ونحن نهيل التراب على رموزنا ونقذفهم بالحجارة أحياءً وأمواتاً ونعمي عقولنا عن إنجازاتهم، كما تعمى السينما لدينا عنهم، وهو ما ينعكس سلباً على حاضرنا ومستقبلنا.