بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
مازال الخيال – وخاصة الخيال العلمى في الدراما المصرية – أقرب للهلاوس التي تطلقها للمخ أرخص وأردأ أنواع العقاقير.. كمتفرج واع تشعر وأن هناك حكما مؤبدا بالحبس على خيول الخيال داخل زنازين ضيقة مظلمة تصهل بين جنباتها المقبضة صهيلا أقرب لحشرجة الاحتضار، وقصور الخيال أصاب مرونتنا العقلية والذهنية باليبس.. وأطرافنا بالشلل.. فلا خطوة للمستقبل أصبحنا قادرين عليها.. ولا تصورا لحلول يمكن أن يفيض علينا من قريحة جافة ضربها التشقق.
الخيال – وخاصة الخيال العلمى – هو أشبه بالإلهام بما سيأتي في المستقبل.. إلهام يستند إلى أدق النظريات العلمية المخلوطة بخصوبة لامحدودة في الخيال، ولا يوجد لدينا حتى الآن فيلما واحدا للخيال العلمى يمكن منحه سمة العالمية.. فكلها أفلام إما فقيرة الخيال.. أو هى خيال في إطار من الفقر، حتى خيال الفقر – فقر الإمكانيات الهائلة التي يتطلبها نجاح فيلم خيال او خيال علمى – لم يعد عذرا مقبولا بعد انطلاق مرحلة السينما الالكترونية.
فيلم (ترون)
في فيلم (ترون) للمخرج سستيفين سيبيلبرج، والذي أعلن بنفسه أن المنفذ الحقيقى للفيلم هو الخبير الإلكترونى الشاب وليس هو، فالسينما الإلكترونية اليوم تبنى لك اللوكيشن الذى يهرب منه أعتى المنتجين بسوفت وير، بل وبإضافة الذكاء الصناعى استطاعت السينما الإلكترونية أن تحضر لك أغلى النجوم ممن رحلوا عن دنيانا بلحومهم وشحومهم لينفذوا لك وبأصواتهم بل وبأدق تعبيراتهم الحركية، أى سيناريو بتكلفة أقل من أجر أصغر كومبارس.
إذا أطلقنا هنا بعض الخيال (فلماذا لا يكون هناك فيلما استعراضيا ضخما يجمع عبد الحليم حافظ وشيرين وصباح وعمرو دياب مع أحمد زكى و أحمد رمزى كأولاد لزكى رستم، ويمكن سحب عمرو دياب وشيرين إلى الأربعينات أو سحب عبد الحليم وصباح إلى يومنا هذا)، (ولماذا لا نشاهد في فيلم آخر سعد زغلول وهو يقابل أنور السادات ومصطفى النحاس وسعد الدين الشاذلى لمواجهة خطر يتهدد نهر النيل)، بل و(في فيلم يتم تجنيد كيم كارديشان لإغراء سعد زغلول لكنها تفشل في ذلك وتطردها زوجته صفية زغلول، وتحاول إغراء أحد مساعدى مصطفى باشا النحاس ليسرب إليها بعض أسرار المفاوضات مع الإنجليز، ولنا في أفكار متنوعة لأفلام الخيال والخيال العلمى للدراما المصرية مقال قادم.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: فقر الخيال أم خيال الفقر في الدراما المصرية (2)
وإذا استعرضنا ما وصلت إليه دول الخيال – وهي الدول التي قامت حضارتها أولا في الخيال ومازالت – لأدركنا شرنقة التخلف الخيالى التي تحيطنا لنظل بداخلها الى الأبد دودة حبيسة لا تنسلخ من طورها ولا أمل لها في أن تطير يوما كفراشة في الفضاء الواسع.
وإذا أردنا أن ندفع بنغزة في كتف كتاب وصناع الدراما في مصر فلنبدأ أولا باستعراض أهم أقسام الخيال العلمى في السينما العالمية ومنها:
أفلام الرحلات إلى الفضاء – أفلام لقاء الكائنات الفضائية – أفلام الغزو الخارجي للأرض – أفلام غزو الإنسان لكوكب أخرى – أفلام المدن الفاضلة (يوتوبيا) – أفلام المدن الفاسدة ( ديستوبيا ) – أفلام التقدم أو التأخر في الزمن – أفلام مستقبل البشرية بعد الحرب العالمية القادمة – أفلام الكوارث الجماعية من زلازل ومجاعات – أفلام ما قبل نهاية العالم – أفلام رحلات داخل الجسم البشرى – أفلام تمرد الآلات والروبوتات.. إلخ.
من هذه التصنيفات العريضة ماذا يوجد لدينا في أرشيف الدراما المصرية ؟!.. مجرد الخزى والدونية، ولنستعرض بعضا من نماذج أفلام الخيال والخيال العلمى العالمية، ليس جلدا للذات وإنما هى دبابيس طبيب الأعصاب على الأطراف أملا في رد فعل يتناسب و نغزات الدبابيس.
فيلم (فهرنهايت 451)
ولتاريخ انتاجه دلالاته المختلفة، تمحورت فكرة الفيلم حول سؤال (هل الفكر يموت؟.. هل يموت شكسبير وديكنز وسارتر؟.. هل الكتب و الإدراك يجلبان التعاسة أم هما ضرورة للبقاء؟).. بطل الفيلم رجل إطفاء في دولة قررت حرق كل الكتب عند درجة 451 فهرنهيت وهى درجة التبخر للورق.. في لحظة ما يقرر رجل الإطفاء عن طريق الخيال تصفح بعض هذه الكتب فيخفى في ملابسه كتاب ديفيد كوبرفيلد، ويقرأه سرا في بيته.. لينتبه كتابا بعد كتاب إلى عمق ما تطرحه الكتب في مقابل التفاهات التي تصدرها دولته لمواطنيها عمدا.. حتى أنه يغضب من زوجته التي انساقت تماما وصديقتها إلى البرامج التافهة والتسطيحية التي تبثها قنوات التليفزيون الحكومى والتي استبدلتها الدولة بالكتب.
يشك رئيس الشرطة بعد فترة في تغيير ميول البطل.. لذلك فعند مداهمتهم لإحدى البيوت يأمره رئيس الشرطة أن يحرق الكتب أمامه بنفسه، إلا أن البطل يغير فجأة وجهة النار ناحية رئيس الشرطة ليرديه قتيلا ويهرب.. لينضم بعدها إلى عالم الهاربين من العدالة بتهمة اقتناء الكتب، وهناك يجد بينهم عجوزا يحفظ عن ظهر قلب (أليس في بلاد العجائب)، وكان العجوز على وشك الموت فيبدأ في تحفيظ حفيده للكتاب.
لنا أن نتخيل تأثير مثل هذه الأفكار إذا انتجت في مصر بشكل حرفى وتأثيرها النفسى والذهني على جيل من الطلاب الكارهين الآن للعلم والتعليم، والمعتمدين بشكل هائل على وسائل الغش المختلفة لاجتياز الاختبارات، وقد فرغت قنوات عقولهم وعششت فيها عناكب الأغانى السوقية واحتقار الفكر (فالعلم لا يكيل بالبتنجان)، كيف سيتسلل الى عقلهم الباطن بنعومة فنية مفهوم الخيال والعلم وقيمته، بل وأثر ذلك على الجراثيم اللغوية التي أصبحت لغة الشارع السائدة لدينا، وقد أفرزت هذه الجراثيم واحتضنتها أفلام (عبده موته، الألماني،إبراهيم البيض).
فيلم (رحلة العجائب)
تم انتاج هذا الفيلم بخاصية الخيال ثلاثية الأبعاد.. الرحلة المدهشة هنا داخل جسم الانسان.. جاءت بدايتها حينما وصل العالم الشهير إلى المطار محتفظا في رأسه بشفرات خطيرة، وكان في انتظاره طاقم شرطه لحراسته في الطريق حتى مقر اقامته، وفي الطريق يقع حادث للسيارة يتم على أثره نقله إلى المستشفى ليكتشفوا هناك أن العالم قد فقد ذاكرته بسبب تحرك حبل عصبى من مكانه.. كان لابد من عمل المستحيل لاستعادة الذاكرة.. يتم اختيار 5 أطباء لأداء المهمة.. فيركبون غواصة خاصة ويتم عليهم تسليط اشعاعات يتقلص معها حجم الغواصة إلى أن تصبح بمن فيها في حجم رأس الدبوس.
يحقن العلماء الغواصة بركابها داخل العالم المريض.. وتبدأ الغواصة رحلتها عبر الخيال.. فتمر مع تيار الدم داخل الشرايين وكأنهم تحت سطح بحر من الدماء بمشاهد خلابة، ومن هذه المشاهد كرات الدم الحمراء والبيضاء.. تمر السفينة بين أنسجة الرئة حيث تعلق بها ولكنها بعد مغامرة تتخلص منها وتمر بين عضلات القلب.. يحدث فجأة عطل بالغواصة.. وتنقطع الاتصالات مع الأطباء في غرفة العمليات بالخارج.. ليبدأ الفريق في رحلة التيه داخل الجسم، ويحاولون الوصول إلى مخ العالم فيسقط أحدهم خارج الغواصة وبينما تحاول زميلته اللحاق به يتعرضان معا لهجوم شرس من كرات دم بيضاء بصفتهم أجسام غريبة، وتزيد المخاطر بهجوم فيروس متوحش على الغواصة أثناء اتجاههم إلى الحبل العصبى.. فى النهاية ينجح الفريق في إعادة الحبل العصبى إلى مكانه، لكنهم في تيه لا يعرفون معه طريقا للخروج.. وبالمحاولات المستمرة يصلون الى عينى العالم.. ويخرجون مع دمعة عين.
فيلم (هارى بوتر)
وهو فيلم فانتزى لكاتبته الفقيرة البريطانية جوان رولينج والتي أصبحت من بعد كتابتها أجزاء القصة السبع وانتاجها سينمائيا أحد أثرياء العالم، في الفيلم، وبالفلاش باك نتابع الساحر الشرير اللورد فولدموت وهو يحاول قتل الطفل الرضيع هاري بوتر، ولما يحاول والداه ذوى القدرات السحرية الخاصة جيمس وليلى الدفاع عنه يقتلهما.. لكن الطفل هاري بوتر يتمتع بقوة غريبة في الخيال دمرت جسد اللورد فولدمور، بعدها يبقى هاري يتيمًا فيقوم البروفيسور في أكاديمية السحر دمبلدور بتركه أمام منزل خالته والتي قررت هي وزوجها عدم السماح له بإظهار أي قوة سحرية وإبعاده تمامًا عن مجال السحر.. ولم يخبراه أبدًا بحقيقته أو حقيقة وفاة والديه.
في عيد مولده الحادي عشر يتلقى هاري بوتر رسالة، لكن زوج خالته يخفيها.. تتوالى الرسائل باسم هاري بوتر في الأيام التالية ويستمر زوج الخالة يمنعه من استلامها.. تتدفق الرسائل بغزارة داخل المنزل حتى تملأه.. و يقتحم المنزل شخصًا ضخما بلحية طويلة (هاجريد)، وقد جلب كعكة لهاري بمناسبة عيد ميلاده طالبا منه أن يستعد للذهاب إلى المدرسة، يصطحبه هاجريد على جناح الخيال إلى أحد الأماكن الغريبة ويطرق بعصاه على الحائط فينفتح باب في الحائط ويدخلا ليخبر هاري أنه سيصحبه لشراء مستلزمات دراسة السحر وأهمها عصا كانت جاهزة وعليها اسم هارى.
يتوجه هارى مع هاجريد إلى المدرسة عن طريق القطار، وفي القطار الذى استقلاه من على رصيف رقم سبعه ونصف يتعرف على أصدقائه (رون) والبنت المثقفة (هرميوني).. يستمتع هاري بالدراسة، لكنه هو وصديقيه رون وهيرميوني لم يلتزما بقواعد المدرسة، فقد أخذوا في التجول داخل المدرسة في بعض الأماكن غير المصرح لهم بدخولها، وفي أحد الغرف وجدوا كلبًا ضخمًا بثلاثة رؤوس يحرس كنزا غامضا ويدافع عنه بشراسه.. يتلقى هاري هدية من شخص مجهول وحين يفتحها يجدها عباءة الإخفاء الخاصة بوالده، في المساء يستعملها هاري للتجول بالمدرسة ويشاهد هاري مرآة سحرية يرى فيها الشخص ما يتمناه، وبالفعل يري فيها صورة والديه ويحادثانه.
هذه كانت المقدمة لسبعة أجزاء من الفيلم الذي يعتمد على الخيال.. وكل جزء يتناول أحداث سنة دراسية داخل الاكاديمية لتنتهى السلسلة بالمعركة الفاصلة بين هارى وفولدموت قاتل والديه، معركة اظهر كل منهما كامل قدراته.. لتنهى بانتصار هارى.