بقلم: محمود حسونة
لا أعرف ترافيس سكوت، ولم أسمع عنه ولم أستمع إليه، ولكن معرفته والبحث عنه والتعرف على ميوله واتجاهاته ومشاهدة مقاطع من حفلاته فُرضت على جموع المصريين، فجأة أصبح هذ الرابر الأمريكي ملء السمع والبصر، لا حديث يعلو على الحديث عنه، أزاح من قائمة الأولويات ارتفاع درجة الحرارة غير المسبوق، والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية، وحكايات الساحل الشرير والساحل الطيب، والشائعات المصاحبة لاقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية.. وتربّع وحده على عرش التريند، جدل وصخب لا يختلف عن صخب الموسيقى التي يقدمها والصخب الذي أحدثته حفلاته، كلام يصرخ خلاله الغيورون على مصر التاريخ والحضارة ممن يتعمدون التشكيك في تاريخها ويحاولون سرقة حضارتها ونسبها إلى (السود) وفق مخططات (منظمة الأفروسنتيريك)، ويرد عليهم من لا يعنيهم تشويه التاريخ المصري، ولا تشغلهم سوى مصالحهم الخاصة، ويرون كل ما يحاك ضد مصر ولكنهم يغضون الطرف عنه لأسباب معلومة للجميع وهم يعتقدون أنهم وحدهم العالمين بها.
حسناً فعلت نقابة الموسيقيين بإلغائها ترخيص إقامة حفل ترافيس سكوت، وسيئاً فعلت بالموافقة عليه من الأساس، وأسوأ الأسوأ أن لا نقيب المهن الموسيقية ولا أعضاء مجلس النقابة لديهم الخبر اليقين بشأن إقامة الحفل من عدمه، وهو ما يعكس عشوائية اتخاذ القرار في النقابة التي لا تنسق مع الجهات المعنية قبل اتخاذها قراراتها، يتساوى في ذلك قرار الترخيص وقرار عدم الترخيص والبيانات والتصريحات المتضاربة بعد إلغاء التصريح.
ترافيس سكوت والترخيص المجهول
اكتشفنا من هذه التجربة أن النقابة تمنح الترخيص للمجهول، والنقيب يوافق على ما يقدم إليه من دون أن يكلف نفسه عناء القراءة، والمجلس يوافق لمن يريد من دون بحث ولا تحرٍ، ومن العيب أن تفضح النقابة نفسها وتعلن أنها منحت الترخيص وهي لا تعرف من الذي سيغني فيه، يبدو أن علم النقابة لا يختلف عن عدم علمها، بعد أن برر أحد المسؤولين في النقابة موافقتها الأولية لعدم علمها هوية المطرب أو لعدم توافر معلومات عنه، وكأنها تقر بعجزها عن البحث عن سيرة ومسيرة من يطلبه، فالمعلومات عن ترافيس سكوت موجودة على الانترنت بكل لغات الدنيا وبينها العربية، وفيديوهات حفلاته التي سقط خلالها قتلى أمام عينيه وهو يواصل النعيق من دون أن يهتز له جفن موجودة على مختلف المواقع، ولم تخف الشبكة العنكبوتية عن روادها أنه من أشد الداعمين للماسونية العالمية ومنظمة الأفروسنتريك المناهضة للهوية المصرية والتراث الحضاري المصري؛ كما أنها لم تخف المادة الترويجية التي يستخدمها وتحتوي على أكواد ورموز ماسونية، وأن حفلاته الماضية شهدت ارتكاب أفعال مخلة بالآداب تتنافى مع العادات والتقاليد المصرية مثل ممارسة الطقوس الشيطانية والاعتداء على القيم والأداب العامة، وتعاطي المواد المخدرة.
إقرا أيضا : محمد شمروخ يكتب : الراب يحمل رسائل الشيطان تحت سفح الهرم
اختيار ترافيس سكوت الغناء في مصروإصراره على أن يصدر ألبومه الجديد من تحت سفح الأهرامات لم يكن قراره وحده، ولكنه قرار منظمة الأفروسنتريك، لينشروا مزاعمهم ويقولوا للعالم أنه يغني في أرض أجداده وخلفه الهرم الذي شيده أجداده، ونحن جالسون كالبلهاء نصفق له ونتزاحم عليه ونصدّق على ادعاءاته وادعاءات منظمته المغرضة.
لولا انتفاضة السوشيال ميديا على هذا الحدث ما ألغت نقابة الموسيقيين ترخيصها لحفل ترافيس سكوت، فإعلامنا مغيب وغائب، لم نعد نجد فيه خبر جديد، ولا يلفته حدث، ولا تستثيره حالة جدل، ولا يفيق إلا بعد فوات الأوان، ولا يشغله الحدث الأساسي بقدر ما ينشغل بتوابعه، فبعد أن ألغت نقابة الموسيقيين الترخيص خرجت علينا بعض البرامج لتناقش قضية الإلغاء وليس قضية إقامة الحفل وما هو المستهدف من ورائها، أما الصحافة فقد فقدت ذاتها بعد أن اعتادت عدم الاقتراب من المناطق الشائكة وآثرت السلامة مكتفية بنشر التقارير التي ترد إليها من المؤسسات الرسمية من دون أن تحاول البحث عن أي حقيقة لتتحول إلى مهنة معدومة القيمة والتأثير والوجود بعد أن كانت مهنة قيادة وتوجيه الرأي العام والبحث عن الحقائق.
ترافيس سكوت والأفروسنتريك
حفل ترافيس سكوت ليس هو أول حفل تستهدف به منظمة الأفروسنتريك مصر، فخلال هذا العام وحده أطلت علينا منصة نتفليكس بفيلم عن كليوباترا تؤدي شخصيتها فيه ممثلة بريطانية سمراء البشرة، وتنظّر فيه عدد من الشخصيات الوهمية عن أن كليوباترا كانت أفريقية سوداء، كما تم إلغاء عرض ستاند أب كوميدي للنجم الأمريكي الأسود كيفن هارت والذي كان مقرراً إقامته 21 فبراير الماضي في استاد القاهرة وهو المعروف بهجومه الدائم على الحضارة المصرية القديمة، وتم الإلغاء أيضاً بفضل السوشيال ميديا التي كشفت حقيقته أمام الرأي العام لتحدث حالة من الجدل المشابهة لما نشهده اليوم وتجبر جهات الترخيص والتصريح والمنظمين على الإلغاء، وكان الإعلام الرسمي أيضاً في غيبوبته التي لا يريد أن يفيق منها.
المعيب أن بعضنا ممن اعتادوا السير في الاتجاه المعاكس واعتادوا لفت الأنظار إليهم من بوابة (خالف تعرف) يخالفون في كل شيء بما في ذلك ثوابت الدين والقيم، يهاجمون قرار إلغاء ترخيص نقابة المهن الموسيقية لحفل ترافيس سكوت، وأحدهم يهاجمها من باب الدين مطلقاً عليها (نقابة المهن الموسيقية)، وبعضهم من باب الدفاع عن حرية التعبير وحرية الابداع، وهذه فئة جامحة كل الوقت وللأسف تجد من يستمع إليها ويلتف حولها، ولو أن هذا الحفل أقيم وحدث فيه ما حدث في بعض حفلات هذا المغني من طقوس شيطانية وسقوط قتلى سواء من التزاحم أو خلافه لكانوا أول من يحاكمون الدولة وأجهزتها المختلفة على تنظيم هذا الحفل.
سواءً أقيم حفل أو ألغي، فإننا لاننكر تحمل نقابة الموسيقيين جزء من المسؤولية للتصريح به في البداية وهو مادفع الشركة المنظمة للإعلان وبيع التذاكر والتجهيز للحفل ووراء ذلك تكاليف كبيرة، ولكن أيضا لا ننكر أنه أو أقيم سيكون المستفيد الأول منه ترافيس سكوت و )الأفروسنتريك) ولو استفادت منه مشكلتنا أن بعضنا لا يعرف قيمة البلد الذي ينتمي إليه ولا ينشغل بما يحاك ضدها، ولو علمنا أن مصر كبيرة وأنها هى التي صنعت التاريخ وأنها أول دولة في العالم فقد تعامل معها بشكل مختلف وندرك أننا يمكن أن تستقطب لها الكبار غير المحملين بأفكار أيديولوجية ولا مهام شيطانية.