كتب : أحمد السماحي
تفاهة الإعلام العربي شغلت الناس مؤخرا بسطحية القضايا، فتمر البرامج الفنية في الفضائيات المصرية والعربية بفترة عصيبة لم نشهدها من قبل، إنها في حالة حمى، درجة الحرارة مرتفعة، لا من جودة ما يقدم من برامج فنية تناقش القضايا الفنية المتعلقة بالسينما والمسرح والدراما، والغناء، وهى كثيرة جدا، وإنما من شدة الزحام وعلو الضجة واختلاط الحابل بالنابل، واندحار القيم، ومن ثم نسأل سؤال: هل يوجد هذه الأيام على كل الفضائيات المصرية والعربية برنامج مثل (نادي السينما) الذي كانت تقدمه الدكتورة درية شرف الدين، ويقدم أحد الأفلام الأجنبية المهمة، ويناقشها مع أحد المتخصصين؟!
وفي ظل سيادة تفاهة الإعلام نسأل سؤال آخر: هل يوجد برنامج مثل (الأوسكار) الذي كانت تقدمه سناء منصور، الذي كان ينتقي أحد الأفلام العالمية الفائزة بالأوسكار ويلقي الضوء على هذا الفيلم؟ وظروف إنتاجه، وكل المفارقات المتعلقة بخروجه للنور؟!، ثم: هل يوجد برنامج يعيدنا إلى زمن الغناء الجميل مثل (الموسيقى العربية) يعرف الأجيال الجديدة تراثهم الغنائي؟
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب : إعلام التفاهة يتجاهل شباب العلماء !
وبعيدا عن تفاهة الإعلام: هل يوجد برنامج يناقش الأعمال الدرامية التى تعرض طوال العام بعد انتهاء عرضها مع مجموعة من المتخصصين، بعيدا عن (الطبل والزمر) ووصلة النفاق التى تحدث حاليا مع أسر المسلسلات عندما يحدث، وتستضيف مذيعة أو مذيع فريق عمل مسلسل ما، ونسمع كلاما تافها من عينة قولي يا نجم: ما المشهد الذي بكيت فيه بجد!، والمشهد الصعب، وكلمنا عن كواليس المسلسل! وغيرها من تفاهات القضايا المملة!.
السطحية عنوان تفاهة الإعلام
هل يوجد برنامج (توك شوز) واحد ينزل الشارع المصري أو العربي، ويقدم صورة حقيقية لما يحدث فيه، ولأحلام البسطاء والفقراء والمحتاجين؟ هل يوجد برنامج واحد يقوم بعمل حوار مهم مع نجم كبير عن تاريخه يمتد لحلقات لنعرف منه أهم الأعمال التى قدمها وما يتعلق بها من ظروف، وهل، وهل؟ وهل، للأسف الشديد لأ، فنحن نعيش حاليا حالة غيبوبة كاملة ونغوص في بحار تفاهة الإعلام، وانفصال تام عن الواقع، فمعظم ما يقدم ولن أقول كل ما يقدم عبارة عن حالة ضجيج إعلامي مليئ بالسطحية والتفاهة، ولم نعد نستطيع في حالة الضجيج هذه أن نميز الخبيث من الطيب، أو نقول كلمة الحق، وإذا كانت الساحة الإعلامية المصرية مصحوبة بحالة تضخم في برامجنا الفضائية الفنية فهو تضخم كالأورام السرطانية بلا هدف، ولا يمكن أن يكون شيئا نافعا لجسد أمتنا، بالعكس ينخر في وجدان شعبنا ويمتص رحيقه.
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب: قلق أهل مصر، وانعزال الإعلام!
وآخر تفاهة الإعلام تلك التى شغلت الرأي العام المصري والعربي ونقلتها كثير من المواقع المصرية والعربية سؤال استفزني كثيرا ظهر ضمن برنامج فني شهير، وتناقلته كثير من البرامج الفنية العربية في عدة فضائيات عربية، وكأنه سؤال عالمي أو حدث!، وهذا السؤال العظيم هو: من صوت مصر؟ هل أنغام أم شيرين؟! تخيلوا! وتبارى كل من وجه له السؤال بالإجابة، وكلا له منطقه في الاختيار، والسؤال لماذا صوت مصر .. مش صوت شبرا مثلا! ولا العتبة ولا العباسية!، المصيبة أن هذا السؤال التافه المستفز انتقل من مصر إلى برامج أخرى في فضائيات عربية!.
وفي تأكيد صارخ على تفاهة الإعلام، أصبحت كل فضائية عربية تتسائل وتبحث عن الصوت الذي يمثل بلدها!.. آه والله ده حصل!، فوجدنا مذيعة تسأل المطربة نانسي زعبلاوي هل أنت صوت الشام؟!، والمطربة تجيب وهى تمثل الحياء والدهشة!، ومذيعة لبنانية تسأل من صوت لبنان؟: نجوى كرم أم ماجدة الرومي أم إليسا أم نانسي عجرم؟!، وثالثة تنزل الشارع وتسأل الجمهور من في رأيك صوت تونس الغنائي هل: لطيفة أم صابر الرباعي؟!
البرامج الغارقة في تفاهة الإعلام
فجأة أصبح هذا السؤال الساذج الذي لا معنى له من الإعراب والذي يقزم أي بلد عربي هو حديث الفضائيات المصرية والعربية في برامجها الفنية الغارقة في تفاهة الإعلام، مع العلم أي بلد عربي مليئ بالأصوات العظيمة الرائعة الذي تعبر جميعها عن صوت بلادها، فأنغام وشيرين وآمال ماهر ومي فاروق وريهام عبدالحكيم، وعمرو دياب وحماقي وتامر حسني ورامي صبري وهيثم شاكر، وغيرهم هم أصوات مصر العظيمة التى نفتخر بها، وكذلك باقي الأصوات في الدول العربية.
في النهاية نحن في حاحة إلى مجموعة من مقدمي البرامج العاقلين تعيد حركتنا الفنية من خلال برامج فنية محترمة إلى صوابها فلا يغرنك تلك الضجة الفنية الشديدة من حولنا من خلال البرامج التى تهتم بالفن، فهى ضجة بائعين جائلين، وكلاكسات نفاق، وخناقات كخناقات السوق سببها دائما الخلاف حول السعر والمصلحة، أما التقدم الفني والإعلامي الحقيقي فلا وجود له بالمرة.
إني أعرف تماما أن كلمتي هذه ستثير ثائرة المستفيدين الكثيرين من هذه الفوضى المحمومة بـ تفاهة الإعلام، ولكني أعرف أيضا أنها ستكون بردا وسلاما على قلوب الإعلاميين الحقيقيين الحريصين على إنقاذ الفن والوطن من حمى البرامج الفنية التافه، وإعادة الوعي إلى ضميرنا الإعلامي العربي الغائب، ففي مثل ذلك المناخ الموبوء المحموم لا يمكن أن يناقش عمل فني حقيقي، وهذا ما جعل المخرج المتميز خالد يوسف يخرج عن شعوره، ويتفوه بكلمات لا يعنيها في آخر مقابلاته الفضائية حيث فوجئ بأن من يحدثه لم يشاهد مسلسل (سره الباتع) الذي تفوق في إخراجه، إذن الوضع جد خطير ويحتاج لوقفة حقيقية، اللهم ما بلغت اللهم فاشهد.