زكي طليمات .. الأديب الذي ضل طريقه للمسرح
اشترك في مؤتمر المسارح الدولية بباريس من عام 1931 إلى1937
واجه بطش الاحتلال الإنجليزي، والملك فؤاد، بجمعية (الحمير)
عمل مشرفا فنيا على فرقة “البلدية” في تونس من عام 1954 إلى 1957
أنشأ المسرح فى الكويت وكان عميدا لمعهد الدراسات المسرحية
قدم للمكتبة الثقافية عدة كتب أبرزهم (ذكريات ووجوه، هذا الفن الوافد العجيب، التمثيل .. التمثيلة)
كتب : أحمد السماحي
يقول الرائد المسرحي العظيم زكي طليمات فى مقدمة كتابه (فن الممثل العربي): (إذا كان الرسام يصور على القماش، وإذا كان الموسيقي يرسم على صفحة السكون، فإن الممثل يرسم صوره على أديم نفسه ليعكسها على نفوس المشاهدين، فإذا هم يطالعونها ويطالعون من خلالها أنفسهم) هذه الكلمات نستعرض لكم من خلالها اليوم فى باب (نجوم لكن أدباء)، فقد قررنا أن نلقي الضوء على هذا الجانب الأدبي الذي لا يعرفه الكثيرون عن رائدنا الكبير زكي طليمات وهو أحد النجوم الذين أثروا الساحة الفنية المصرية والعربية بعلمهم وفنهم، والراهب فى محراب العلم والمسرح، الذي أفني حياته في خدمة المسرح المصري والعربي، حيث كان يؤمن بالوحدة الفنية العربية، فاشترك في مؤتمر المسارح الدولية بباريس من عام 1931 إلى 1937، وعمل مشرفا فنيا على فرقة “البلدية” في تونس من عام 1954 إلى 1957، كما أسس وصنع المسرح فى الكويت عام 1961، وعمل مشرفاً عاماً على مؤسسة المسرح والفنون، وكان عميدا لمعهد الدراسات المسرحية بالكويت.
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب : زكي طليمات رائد المسرح العملاق
ولا يمكن أن ننسى له أن زكي طليمات واجه بطش الاحتلال الإنجليزي، والملك فؤاد، عام 1930، بعد قرارهما بإغلاق معهد الفنون المسرحية الذي أسسه، خوفا من التنوير، ولجأ زكي طليمات إلى تأسيس جمعية (الحمير) لدعم الحركة المسرحية بمشاركة الأدباء والفنانين أمثال (طه حسين، توفيق الحكيم، عباس العقاد، السيد بدير)، حتى نجح في إعادة المسرح للعمل اعتمادا على (صبر الحمير) وتوجهت الجمعية لدعم الفقراء وجمع التبرعات.
زكي طليمات وأهل الكهف
زكي طليمات هذا المبدع المصري الذي اقترن اسمه بالإخراج المسرحي، وحملت أول مسرحية للمسرح القومي (أهل الكهف) توقيعه عام 1935 ، وتوالت أعماله المسرحية للقومي منها (تاجر البندقية، نشيد الهوى، السيد، الفاكهة المحرمة، شهر زاد، قطر الندى، الوطن، متلوف، مدرسة الأزواج، كلنا كده، يوم القيامة، شارع البهلوان)وغيرها.
وللمسرح الحديث قدم زكي طليمات (ابن جلا، البخيل، المتحذلقات، مريض الوهم، الجلف، فى خدمة الملكة، فى أحدى الضواحي، حورية من المريخ) وغيرها.
زكي طليمات والسينما
هذا الرائد المسرحي كان حظه في السينما قليل!، فحتى الآن لا أحد يدري هل ظلمته السينما أم انشغاله وتفانيه هو في الإخراج المسرحي والكتابة الصحفية والترجمة هم الذين أبعدوه عن السينما؟!.
فلم يقدم زكي طليمات فيها إلا أدوارا بسيطة أهمها دوره فى فيلم “الناصر صلاح الدين” للمخرج يوسف شاهين، وما زالت جملته الشهيرة: (في ليلة أقل جمالاً من ليلتنا هذه.. ستأتين زاحفة إلى خيمتي)، هذه الكلمات التى وجهها الدوق آرثر، لـ (فرجينيا) جميلة الجميلات، حاضرة بقوة فى الأذهان، وأيضا مشهد النهاية عندما تم القبض على آرثر وصراخه من داخل القفص (أنا ملك على أورشليم!).
ذكريات ووجوه لـ زكي طليمات
اليوم لن نتحدث عن إبداع زكي طليمات في الإخراج المسرحي، ولكننا سنتحدث عن إبداعه الأدبي، حيث كتب الراحل في العديد من الجرائد والمجلات منها (الهلال، المقتطف، الفكر العربي، الرسالة، العربي)، كما قام بترجمة العديد من المسرحيات العالمية مثل (الجلف) لأنطوان تشيكوف، (الوطن) لسارود، (المعركة)لفروندكا.
إقرأ أيضا : صعوبات ومفارقات وطرائف موسوعة المسرح المصري
ومن أهم كتبه كتاب (ذكريات ووجه) الذي يعتبر رحلة ممتعة مع عدد من نجوم عصره الذين ارتبط معهم بذكريات هامة مثل “نجيب الريحاني، يوسف وهبي، فاتن حمامة، أم كلثوم” وغيرهم.
وكتاب (التمثيل .. التمثيلية .. فن التمثيل العربي)، وهو أول كتاب مسرحي تنشره الكويت، وأول كتاب يدرسه طلاب مركز الدراسات المسرحية في الكويت، ذلك المركز الذي تحوّل فيما بعد إلى المعهد العالي للفنون المسرحية الموجود حتى الآن في الكويت!!
فن الممثل العربي لـ زكي طليمات
أما كتابه (فن الممثل العربي .. دراسة وتأملات فى ماضيه وحاضره)والذي نتناوله اليوم، فقد انتهى زكي طليمات من كتابته عام 1969 وكان مازال في الكويت، ونشرته الهيئة العامة للكتاب المصرية عام 1971 ، ويتضمن 8 أبواب عن أداء الفنانيين بين الماضي والحاضر، والمدارس الفنية المختلفة التى يلجأون إليها فى تقمص الشخصيات الفنية التى يقومون ببطولتها، مع استعراض لبعض النماذج من الأداء لنجوم مثل (يوسف وهبي، روزاليوسف، أمينة رزق، سليمان نجيب وغيرهم).
الطريف أنني وقع في يدي نسخة من هذا الكتاب الذي أشتريته من سور الأزبكية وعليه إهداء من زكي طليمات إلى المهندس الفنان (محمد الدسوقي)ابن أخت كوكب الشرق أم كلثوم، والذي كان مسئولا عن هيئة السينما والمسرح فى نهاية الستينات وبداية السبعينات، يقول زكي طليمات فى الإهداء الموقع على الكتاب : (إلى المهندس الفنان محمد الدسوقي بمناسبة رعايته الكريمة لي في تولي كتابة تاريخ المسرح المصري بهيئة السينما والمسرح، وزارة الثقافة هذا مع عظيم الشكر).
إهداء زكي طليمات
يبدأ زكي طليمات الكتاب بإهداء إلى الدكتور ثروت عكاشة،وزير الثقافة، فيقول : مع تحيات لجهده الكبير فى أن يستقر المسرح المصري العربي فى أوضاع سليمة، وجادة ومثمرة بحيث يستجيب إلى متطلبات المد الثوري الاشتراكي الصاعد، وبحيث يعلي الإنسان وقيمه فى إنسانية رفيعة متطورة.
يقول زكي طليمات: في عنوان الكتاب ما يكشف بجلاء عن مضمونه، وهو تناول لفن الممثل العربي، ولكن في بعضه، وليس فى كله، وذلك منذ أن قام فى الوطن العربي منذ أكثر من مائة عام إلى ما انتهى إليه اليوم، فالكتاب بحكم ما تقدم يتناول جزءا من كل، فى هذا الفن الوافد على البيئة العربية، وما كان لنا ألا أن نقصر بحثنا على هذا الجزء دون الكل، نظرا إلى اتساع الرقعة التى يدور فيها هذا الموضوع ونزولا على مقتضى الحال، وهو رسم مسيرة إجمالية لهذا الفن بين فنوننا العربية الأصيلة.
إقرأ أيضا : “زكي طليمات” على كرسي الاعتراف
وقد توخينا فى هذا الجزء شيئا غير قليل من الإفاضة، إذ لم نكتف فى تناول فن الممثل بمظاهره، بل تجاوزناه إلى استبطان دخائله أي إلى ما وراء المعالم والأبعاد المحسوسة، إلى حيث تمتد آفاق أخرى، قد يقف منها القارئ أمام أعماق من حياة الفكر العربي، وقد تفاعل مع هذا الفن الوافد، فن التمثيل جمهور غفير.
والممثل العربي يكاد يكون واحدا فى مختلف أقطار الشرق العربي، وذلك لاتفاقهم جميعا فى الطبع والمزاج والبيئة وفى أحداث الزمن التى صنعت حياة الإجتماع فى كل قطر.
الأداء الباكي لـ زكي طليمات
من الأبواب التى أعجبتني فصل فى أحد الأبواب تحت عنوان (الأداء الباكي) يقول فيه زكي طليمات: تتلخص هذه الحالة فى أن صاحبها يكون على قدرات أصيلة فى الأداء التمثيلي من الناحيتين الشكلية (الصوت والإيماءة والحركة) والوجدانية (الحساسية والانفعالية والتخيل والذكاء)، مع دراية به مكتسبة بطول الممارسة، ولكن أداءه مع ذلك يجئ حاملا طابعا غير مألوف يجعلك تحس فيه بطعم شيئ حزين من غير مناسبة، أي من غير أن يكون فى الموقف التمثيلي الذي يؤديه ما يبرر هذا الشيئ الحزين، فإذا الصوت يخالطه همس من النواح، أو نبرات من البكاء أو نغمات من الرجاء والتوسل حتى الضحكات وذلك فى المواقف الكوميدية تجئ وهى تحمل رنة النواح ومذاق الحزن.
وهذا اللون من الأداء كثيرا ما نطالعه عند هواة التمثيل أو لدى ناشئة من المحترفين، ويرجع الأمر فيه إلى محاولتهم أن يؤثروا فى المتفرجين بالصوت ذى النبرة الحزينة المتوسلة ليمنحهم العطف وحسن الاستقبال.. وتتوالي الكلمات والجمل الممتعة في كتاب (فن الممثل العربي) لمؤلفه مبدعنا ورائدنا الكبير زكي طليمات .. يرحمه الله.