محمود عبدالعزيز كيت كات
بقلم : فراس نعناع
سبعون عاماً قدم من خلالها العديد من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ، ثم صارعه المرض فهزمه.
متوسطي ابن الإسكندرية ولد سنة ١٩٤٦- كان كالبحر منفتحاً على فضائه الواسع ، كان يعرف كل نجمات السماء ، وكان يغازل كل حوريات بحره ، ولما لا فهو ساحرٌ ، سمعَ مرةً أن ابن جلدته قد خان وطنه فانتفض كالبركان وكان رأفت الهجان ، وعندما عصفت ببلده ريحٌ عاتية قال للريح أنا محمود المصري وقال لهم أنا أحب إعدام الميت لأن البريء بريء حتى تثبت ادانته، رغم أنه يعرف الكيف ولا يعرف العار وحتما سيجلب رأس الغول.
عندما حضرت رائعة التسعينيات ١٩٩١ بمصر عبر شريط ” الكيت كات ” من القرن الماضي كان داود عبدالسيد مخرج الفيلم بسحنته المصرية الجميلة، ونظارته الطبية السوداء أكثر شراسة من شيخه، وقائد سفينة فيلمة محمود عبدالعزيز الذي بدا لي مبتسماً وادعاً وحالماً ، ولكنه يضعُ نظارةً شمسية فماذا كان يخفي لنا خلفها ، فالعين مغرفة الكلام ؟
من وحي رواية مالك الحزين للروائي ابراهيم أصلان اتحفنا الحقيقة وقتها داود عبدالسيد بتحفة سينمائية كانت السينما المصرية وقتذاك تعاني من مشاكل جمة ، والتحفة الأجمل كانت عبر تقديم محمود عبدالعزيز لشخصية نمطية “الشيخ حسني” الكفيف وهى كشخصية قدمت في الكثير من الأعمال الأدبية والسينمائية ، ولكن هنا أدب أصلان وصورة عبدالسيد غيرت هذه النمطية المملة والمموجة ، عبر تفاصيل للوهلة الأولى تبدو كذلك، فالشيخ الكفيف حسني هنا يرصد كل تفاصيل حي “الكيت كات” بيومياته (أم مسنة الراحلة القديرة “أمينة رزق” + وابن محبط الفنان “شريف منير”)، ورغم ذلك البسمة والضحكة والأمل لم تفارق روحه ، ربما هنا نجد “تطيهرا”، وهو التغلب عن العجز كأعمى، إذا كان يغني ويلحن في جلسات السمر وشرب حشيشة الكيف في دكان تركه له والده مع الأصدقاء في الحي ، ربما لينسى واقعه المر والأليم بعد أن فشل في دراسته “الأزهرية” وفشله في أن يصبح منشداً، نعم غنى ولحن وقاد موتوسيكل ، تفاصيل كثيرة رتبها بعناية فائقة مخرج العمل داود عبدالسيد، معتمدا على رواية متينة لأصلان. تلك التفاصيل هى العمارة الداخلية للفيلم ، حيث بنى لنا واقعا بصرياً ساحراً بلقطات وزاويا مدهشة لذلك العالم المليء بالعلاقات المركبة من حيث بنيويتها، حيث قامت راويح” جيهان نصر” بخيانة زوجها الصائغ “أحمد كمال” مبررة بإهمالها لها وطريقة اكتشاف الشيخ حسني لتلك الخيانة، بإحساس “الأعمى”. كما عالج الفيلم قضية الشباب الذي تخرج من الجامعة، ولم يجد فرصاً للعمل فيبدأ بالبحث عن حل عبر السفر للخروج من تلك الأزمة ابن الشيخ حسني “شريف منير”، ويكتشف الشيخ علاقته بالمطلقة “فاطمة ” الفنانة عايدة رياض. الذي تركها زوجها “العربي” وطليقها وكانت سائدة بكثرة أيامها “زواج العرب” وأذكر من تفاصيل الفيلم مشاهد عدة راسخة في عقلي، ولكن هناك مشهدا ساحراً بحق وينتمي للواقعية السحرية ، وهو اصطدام الشيخ حسني بالشيخ عبيد “الكفيف”، أيضا حيث اخذه الشيخ حسني للسينما لمشاهدة فيلم ، وركبا معا في فلوكة في نهر النيل . وأذكر قمة عطاد داود عبدالسيد ومحمود عبدالعزيز لنا كمشاهدين هو عزاء عم مجاهد بياع الفول، والذي أقام الشيخ حسني عزاءاً له ، وبعد انتهاء العزاء نسي فني كهرباء الصوت الميكروفون مفتوحاً ، ليفضح الشيخ حسني عبر مونولوجات أسرار كل الحي ففضح أم راويح والصايغ والقهوجي وكل قصص أهل الحي، وفضح مكان المخدرات، ليختم لنا المخرج بمشهد الشيخ حسني مع ابنه يوسف راكبا موتوسيكلا يقوده الشيخ حسني ، ليسقطوا في نهل النيل ، وخروجهم سالمين . صنف الكيت كات في قائمة افضل مائة فيلم مصري حسب رأي النقاد، بالإضافة لحصوله على عديد الجوائز ومنها ، سيف دهب مهرجان دمشق ١٩٩١ . وربما انتقاد بعض النقاد للفيلم وقتها أنه يقلد ” ال باتشينو ” في شريط عطر امراة وكان أعمى أيضا ولكنه قاد طائرة وليس موتوسيكلا كمحود عبدالعزيز . متناسين أن فيلم (عطر إمراة) كان عام ١٩٩٢، أي بعد رائعة داود عبدالسيد بسنة، وان راوية اصلان مطبوعة ومنشورة قبل ذلك بكثير من الأعوام . بالتأكيد محمود عبدالعزيز ممثلا عربيا مصريا من الطراز الرفيع ولا يشبه أحدا في عالمنا العربيو ستبقى مصرولادة للطاقات المبدعة ، نشعل شمعة لروح محمود عبدالعزيز، الذي غادرنا سنة ٢٠١٦ عل النور ينجب المزيد من المبدعين ، وتحية لشيخ كار السينما الذي اتحفنا كمشاهدين بأفلامه كسارق الفرح ، وأرض الخوف، والبحث عن سيد مرزوق الأستاذ داود عبدالسيد.