روشتة (مصطفى النجار) لإنقاذ الصحف القومية من كبوتها!


بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
هذا نوع من الضغط على العصب العاري.. 20 مقترحا من الكاتب الصحفي الكبير (مصطفى النجار) لإنقاذ الصحف القومية.. ولا تحرك لمسئول أو عاقل واحد في بلاط صاحبة الجلالة منذ أيام على طرحه الذكي الذي يكفل لنا استعادة الصحافة المصرية عافيتها وهى التي التي تعاني ترهلا وتراجعا نال كثيرا من عظمتها وجلالها الذي كان في الماضي القريب.
نوه الكاتب الكبير (مصطفى النجار) إلى ضروة الإصلاح المالي والإداري والهيكلة الشاملة، واقترح طرح 49 % من الأسهم للقطاع الخاص، وهذه هي النقطة المفصلية في إصلاح التصدعات التي أصابت جدار الصحافة المصرية حتى نخلق نوعا من الإدارة الرشيدة التي تقوى على مواجهة كل التيارات العاصفة من جهل ومرض واختيارات قيادات قاصرة عن مواصلة الطريق.
لخص (مصطفى النجار) صاحب الخبرة المهنية والرؤية الاقتصادية الثاقبة مقترحاته الوجيهة في شكل روشته من 20 مقترحا على النحو التالي:
* من غير المقبول أن نترك المؤسسات الصحفية القومية تخسر ولا نتحرك.
* ديون هذه المؤسسات وصلت إلى مليارات الجنيهات خاصة للتأمينات والضرائب.
* لابد من المواجهة بحلول قوية وليست مجرد (مسكنات).
* ضرورة تنفيذ القوانين الأخيرة بشأن مجالس الإدارات والجمعيات العمومية
* ترؤس رئيس (الوطنية للصحافة) الجمعيات العمومية لهذه المؤسسات خطوة تؤكد للشفافية.
* الإصلاح المالى والإدارى والاستعانة بالخبرات والكوادر من خارج المؤسسة.
* ضرورة إعادة الهيكلة الشاملة للمؤسسة على أن يقوم بها مكاتب متخصصة.
* تحقيق مبدأ الشفافية فى إطار الفصل بين الإدارة والرقابة والمحاسبة.
* طرح 49 % من أسهم المؤسسات القومية للقطاع الخاص.
* النسبة الحاكمة يجب أن تكون للحكومة بـ 51% حتى تظل لها اليد العليا للحفاظ على أموال الشعب.
* إدارة المؤسسات الصحفية بنفس الأفكار القديمة تدفع الدولة ثمنه نهاية كل عام.
* ضرورة فتح المعاش المبكر اختيارياً للعاملين للتخفيف من أعباء العمالة.
* أرفض وقف التعيينات لأنه يجعل المؤسسات تفتقر للشباب القادر على حمل المؤسسة للمستقبل.
* مؤسسات تخسر سنويا كيف تصرف لعامليها عشرات الملايين من (الأرباح).
* العمالة الكبيرة.. لا يمكن تخيل مؤسسة بها 1500 صحفي وهى في حقيقة الأمر لا تحتاج سوى 200 فقط.
* طرح الميزانيات من خلال ميزانية (مجمعة) حتى تتضح الصورة على حقيقتها قبل طرحها على القطاع الخاص.
* استغلال مقومات المؤسسة وقيادة جميع الإدارات للعمل الجماعي بروح الفريق.
* الاهتمام بالتدريب الفني والتحويلي للعاملين ودراسة الأجور وتضييق الفوارق بين العاملين.
* الإدارة علم وفن وخيال وجرأة في القرار ومخاطرة لكنها مخاطرة محسوبة وخيال قابل للتطبيق.

روشتة إنقاذ الصحافة
وبمقتضى الـ 20 مقترحا يكون بهذا قدم الكاتب الصحفي الكبير (مصطفى النجار) روشتة إنقاذ المؤسسات الصحفية القومية من الخسائر التي تواجهها سنويا، قائلا إنه رغم كل الجهود التى تبذلها الهيئة الوطنية للصحافة، إلا أن الذى لاشك فيه أن استمرار إدارة المؤسسات الصحفية القومية بنفس الأفكار التقليدية هو إهدار لأحد مقومات الدولة وضرب بعرض الحائط بمستقبل هذه المؤسسات.
خاصة أن الدولة تدفع الدولة ثمنه في نهاية كل عام حينما يجيىء موعد صرف ما يسمى الأرباح أو حتى صرف المرتبات كل شهر عندما لا تستطيع الصحف توفير المرتبات كاملة لموظفيها، نعم موظفيها – ليس صحفييها – الذين يفتقرون إلى أبسط قواعد الاحتراف والخيال المهني.
والآن: هل من عقل واع يلتقط تلك المقترحات التي طرحها (مصطفى النجار) لتحسين أوضاع المهنة التى تغتال كل صباح عبر المؤسسات القومية تلك التي تئن بالشكوى جراء تصرفات كتيبة تندرج تحت ما يسمى بـ (الجهل الواعى) الذى ينجم عنه الشر المتطاير بالضرورة لإنهاك الجسد المتعب بفعل هذا الجهل الواعي.
فبعد أن كانت تلك المؤسسات ذاتها يوما بمثابة حائط الصد الأول والأخير الذى يدافع عن الدولة من ناحية، وبنفس القدر يقف سندا وعونا للجمهور من ناحية أخرى – وقت أن كانت صحافتنا القومية هى لسان حال المواطن والوطن فى أن واحد – تحمل همومه وأحزانه فى طى صفحاتها.
وتعبر عن مختلف قضاياه الإنسانية باحترافية عبر قوالب كتابية توصف بالمصداقية وتستند إلى الضمير الصحفى الحى الذى يعى الحقوق ويعرف الواجبات تجاه وطنه ومواطنيه.
لابد أن ننتبه إلى حقيقة أنه عندما غاب الضمير الصحفى الحى، بالإضافة إلى اجتياح رهيب من جانب (الشطار والعيارين) من فئة الصحفيين الذين يفتقدون قواعد العمل المهنى، كانت النتائج السلبية فى مجتمع يسوده التخلف والفساد والجهل والتسيب والذاتية والنفعية والقبلية واللاموضوعية واللاقيم واللامساواة بين الأفراد والاستهتار بالحقوق.
وللعلم: فإن (الشطار والعيارين) هم طائفة من أهل النهب، كانوا يمتازون بملابس خاصة بهم، وكانوا لا يعدون النهب جريمة يعاقب عليه القانون، وإنما يعدونها صناعة ويحللونها باعتبار أن ما يستولون عليه من أموال التجار الأغنياء زكاة تلك الأموال التى أُوصى بإعطائها للفقراء.
وكانوا إذا كبر أحدهم تاب فتستخدمه الحكومة فى بغداد فى آواخر القرن الثانى للهجرة فى مساعدتها على كشف السرقات، وكان فى خدمة الدولة العباسية جماعة من هؤلاء الشيوخ يقال لهم (التوابون) على أنهم كثيرا ما كانوا يقاسمون النهابين ما يستولون عليه ويكتمون أمرهم تحت عباءة الجهل والفساد.

جنة (الشطار والعيارين)
وكما يقول مالك بن نبى: (الجهل فى حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكارا، بل ينصب أصناما)، ومن ثم كان نصيب الصحفى المهنى المجتهد الإقصاء إلى خانة المنبوذين، أو ينفى فى طابور المطرودين من جنة (الشطار والعيارين)، بعد أن اعتلوا المناصب القيادية بالفهلوة.
وكانت النتيجة الحتمية أن أوقعونا بين مطرقة تراجع توزيع الطبعات الورقية وسندان شبكات اجتماعية أشبه بـ (حصان أسود) يزحف يوميا على أراضٍ جديدة، ويفرض قواعده الاستثنائية، لتجد الصحف نفسها أمام مأزق كبير في خلق محتوى حقيقي يعبر عن الجماهير.
فضلا عن بعضها يتوقف عن الصدور، وبعضها الآخر يخلع (ثوب الورق) وينطلق بقوة نحو الديجتال، وآخرون يسعون بجدية لابتكار حلولهم الخاصة لضبط الإيقاع بين الاثنين والحفاظ على حصد العوائد المالية منهما.
الخطورة تكمن فى تقرير معهد (رويترز)، فقد كشفت دراسة لمعهد (رويترز) شملت 26 دولة، أن 50% من الجمهور يعتمدون على الشبكات الاجتماعية كمصدر أساسى لمعرفة الأخبار بشكل أسبوعى، و53% يستخدمون الموبايل للحصول عليها، ومثلها دراسة لمؤسسة (Golin) الأمريكية للعلاقات العامة ودراسات الجمهور.
أجرتها فى 13 دولة واستمرت 3 سنوات، توصلت إلى أن (السوشيال ميديا) تتصدر قائمة تفضيلات القراء فى الحصول على المعلومات، يليها التليفزيون، وشفويا من خلال الأصدقاء والعائلة، بعدهم الصحف المطبوعة، ثم المواقع الإخبارية.
ورغم أن هذه الأرقام والمؤشرات تعطى صورة مقلقة عامة لحال صناعة الصحافة والمنافسين، وسط سوق متأرجحة مازالت تبحث عن (نموذج عمل) يمكنه تجاوز العقبات الحالية، فإن الصحافة القومية فى مصر تعيش أسوأ فتراتها لأسباب يتعلق بعضها بسوء اختيار القيادات التحريرية والإدارية، واستمرار نزيف الخسائر وتراكم الديون وتأخر المستحقات المالية للصحافيين.
وهو الأمر الذى أدى بالضرورة إلى أن ضاقت الحكومة المصرية ذرعا بأخطاء المؤسسات الصحافية، بعد فشل قيادتها فى تحقيق أى تقدم يذكر، وانشغالها بأمور بعيدة عن الإصلاح والتطوير، وبين الحين والآخر يجرى الحديث عن ترتيبات واسعة لتغيير هذه القيادات وانتشال المؤسسات من غرقها المادى والمهنى، لكن النتائج تأتي عادة أسوأ من ذي قبل.
يوما بعد يوم تنتشر (كتائب الدمار الشامل) فى الصحافة المصرية، بعدما أخفق الجميع فى إصلاح وتطوير منظومة الصحافة، واستمرار الأوضاع المتردية داخل المؤسسات القومية تحديدا، بعدما تكلست عقول صحفيها عندما وضعوا أنفسهم في خندق الجهل، وتصدير مقولة: (ليس في الإمكان أبدع مما كان).

تحقيق مصالح خاصة
ومن هنا فإن عددا كبيرا من رؤساء تحرير وإدارات المؤسسات فى الصحف القومية ينبغي الاستغناء عنهم لأسباب تتعلق بفشلهم فى الإدارة وعدم تحقيق مكاسب، فضلا عن انشغالهم ليل نهار بأمور بعيدة كل البعد عن الإصلاح والتطوير فى سبيل تحقيق مصالح خاصة.
أعلم أن هنالك خوفا ما يعترى الصحفيون الآن، أن يكون الترهل الإدارى والتردى المهنى الذى تعانيه الموسسات القومية مقدمة لتصفية أو خصخصة المؤسسات الصحفية القومية، بذريعة تقليل الخسائر وتصحيح المسار، ولكن إذا نظرنا إلى ما يطرحه (مصطفى النجار) في أطروحته الكاملة الشاملة لإنقاذ ما تبقى من ركام الصحافة المصرية يمكننا العبور من القنطرة الضيقة بسهولة ويسر.
اقترح (مصطفى النجار) طرح 49% من أسهم الموسسات الصحفية للقطاع الخاص، وهو طرح له وجاهته، وذلك باعتبار أن الحكومة لن تتخلى عن الصحافة القومية تحت أى ظرف، لأنها الوحيدة القادرة على إحداث التوازن فى الصحافة المصرية، كما أنها لا تأمن نظيرتها الخاصة، حتى وإن كان أكثرها يتحدث بلسانها، فهى تبحث فى النهاية عن مصالح أصحابها ومؤسسيها وغالبيتهم من رجال الأعمال.
والآن بعدما أصبح ملف الصحافة يمثل صداعا للحكومة، خاصة أنها لم تعد صاحبة ريادة مثل الماضى، وقاربت على الاختفاء من المشهد، وربما تراجع دورها التأثيرى فى الشارع كان هو السبب الرئيسى لكل ذلك، الأمر الذى وضع الحكومة فى مأزق البحث عن منابر صحفية تستطيع من خلالها مخاطبة الناس، لذا ينبغي أن نرى بعين الاعتبار مقترحات (مصطفى النجار) لحل الأزمة التي أصبحت مستعصية.
وهو مايأتي فى ظل تصدير معضلة كبيرة – أراها مفتعلة من جانب بعض القيادات الصحفية الحالية الخائفة على مناصبها – فى المؤسسات الصحافية، تتعلق بغياب الكوادر القادرة على إصلاحها وانتشالها من دوامة الغرق فى الفوضى وتقليل حجم الخسائر، سواء فى الإدارة أو التحرير، خاصة بعدما امتنعت عن تجديد شراينها بكوادر شبابية جديدة.

دفن الكفاءات الصحفية
صحيح أن الصحافة القومية أصبحت نمطية، ويتعمد بعض المسؤولين فيها دفن الكفاءات حتى لا تظهر فى الصورة وتهدد مناصبهم ومصالحهم التى أصبحت تدار فى العلن – حتى لو أتى ذلك على حساب الصحف التى يترأسونها – ومن هنا فقد تراجع دورها وتأثيرها أمام هذه المعادلة.
يأتي هذا في ظل إشراف الهيئة الوطنية للصحافة عليها برئاسة المهندس (عبد الصادق الشوربجي)، والذي لا يفعل شيئا لتطوير المهنة – ربما لعدم انتمائه أو إدراكه لحرفية مهنة الصحافة – لذا اقتصر دوره فقط على فض المنازعات بين المحررين ورؤساء تحريرهم على طريقة عمدة القرية.
لكن تبقى نظرة الحكومة للصحافة القومية على أنها المنبر الإعلامى المعتدل الذى يمكن من خلاله مخاطبة المجتمع وتوصيل رسائل للداخل والخارج بشكل دبلوماسى، بعدما وجدت أن الإعلام الخاص يقوم بذات المهمة على أكمل وجه دون فواتير مالية ومنغصات مهنية وإدارية.
وبعد كل ما مضى: أصبح لا بديل أمام الدولة عن تفعيل مقترحات (مصطفى النجار) بنسف الدولاب القديم واختيار قيادات إدارية وتحريرية تتمتع بدرجة عالية من الكفاءة واستعيعاب تكنولوجيا العصر الحديث في الكتابة والتحرير، وليس اعتمادا على أهل الثقة ممن يرجحون كفة (الشطار والعيارين).
لأن عكس ذلك يضاعف من أزمات الصحف القومية، ففى ظل المنافسة الحادة بين وسائل الإعلام، أصبح فرض عين على القيادة السياسية والحكومة معا التفكير فى حلول غير تقليدية لإعادة الاعتبار للصحافة المصرية، وأقول القيادة السياسية لأنها الوحيدة المنوطة باعتدال المسار.
لأن استمرار الاعتماد على أهل الثقة سيؤدى بنا إلى استمرار الإخفاقات الحالية، وحدوث حالة من الاحتقان التى تؤدى إلى ضياع مؤسساتنا القومية.. آخر حائط صد فى عضد الدولة والشعب.. والله المستعان!