
بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
يعتمد المصريون في تنقلاتهم اليوميه علي أصناف من وسائل النقل الجماهيري الخاص، لأن وسائل النقل العام و(السائقين) لاتكفي لأعداد المصريين المليونيه بعد هذه الزياده السكانيه التي أوصلت عدد سكان مصر إلي مايقرب من 120 مليون نسمة.
وتتعدد هذه الوسائل من أتوبيسات خضراء وزرقاء وميكروباصات وسوزوكي، التمنايه، والتوك توك، ولمن يتردد علي هذه الوسائل بشكل يومي حتما سيواجه الموت مرارا من تصرفات (السائقين) بالأوتوبيس الأزرق الذين يناورون في الشوارع ضربا بكل قواعد المرور عرض الحائط.
ويسمع (السائقين) من ركابهم سواء المسنين أو السيدات او المرضي أو حتي الشباب، يسمع( بالراحه ياأسطي)، و(علي مهلك ياإبني)، و(حرام عليك هنموت )، و(أنا حامل هسقط)، و(يا إبني تعبان والجرح مفتوح)، وأمام كل هذه الإستغاثات والسائق لايعيرهم إهتماما.
وإن تكرم أحد (السائقين) بالرد كانت إجاباته: (أنا سواق مش كفتجي)، و(وأنا بسوق وأنا في اللفه)، و(واللي مش عاجبه ينزل)، ويتمادي في تأنيبه للمواطنين ولا رادع مروري يقابله.
وإذا كنت من ركاب الميكروباص فهنيئا لك بحركات (السائقين) على الدائري أو المحور أو الطرق السريعه المفتوحة، فما عليك إلا نطق الشهادتين، والتودد للسائق حتي يمشى بالعقل، وهو في وادي آخر، حيث أنه عامل دماغ ومشغل سماعات الأفراح في صالون الميكروباص لأغاني المهرجانات.
ولا هو سامع صوت عربيته، ولا تنبيهات السيارات الأخري ولا توسلات الركاب لخفض الصوت، وهكذا تسير الحياة، المواطنون مضطرون لذلك لضغوط الحياه الاقتصادية، ودولة (السائقين) أصبح لها علم وصوت وطقوس، وهم يحفظون مواقع الكاميرات والرادارات ويغيرون سرعاتهم ومساراتهم حسب أهوائهم.


بين تأثير (الترامادول) والحشيش
ثم يتكرر المشهد في السوزوكي الملقبه بالتمنايه لأن حمولتها 8 أفراد، وفي عفريت الطريق التوتوك، ومعظم (السائقين) يتعاطون إما (الترامادول) بذريعة أنه يقويهم على العمل ومقاومة التعب، وإما يتعاطون الحشيش حتي يفصله عن عالم الركاب ودوشة الطريق.
وهكذا أصبح المصريون في وسائل النقل بين تأثير (الترامادول) ودماغ الحشيش لدي السائقين، ويستغرب الجميع من كل هذه المسارات اليومية الطويلة على الطرق والكباري دون أن يستوقفنا فرد مرور ليسحب رخصة السائق لتجاوزه السرعه المقررة، أو للكشف عليه لبيان تعاطيه أم لا، أو لسؤاله عن مبلغ الأجره وعدد الركاب وخط السير.
وتستمر الحياة.. ويستر الخالق برحمته وفضله.. ويظل المصريون بين القلق والتوتر والإضطرار كل صباح ومساء.
وأمام هذا الوضع لـ (السائقين) وغياب المتابعه والرقابه والتفيش والعقاب، تزداد الحوادث وتزهق أرواح الأبرياء.. فهذا أتوبيس مدارس اصطدم بميكروباص، وهذا ميكروباص دهس سيارة ملاكي بمن فيها، وهذا ميكروباص سقط في ترعة أو من أعلي كوبري نظرا لسرعته المجنونه او لتعاطي سائقه، وهذا ميكروباص انحرف واصطدم بشاحنة ثقيله فمات كل ركابه.
ولاتخلو أسباب الحوادث من (سرعة جنونية، تعاطي السائق، حمولة زائدة، انفجار الإطارات)، ورغم أن الرقابه على الطرق ممكنه لضبط السرعة والحمولة وخط السير، وكشف التعاطي،لكنها لاتحدث دوما.. لماذا؟ لانعلم؟!
وتشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد المتوفين في حوادث الطرق لعام 2024 بلغ 5260 شخصا، وعدد الإصابات 76362، حتي أن مصر وصل ترتيبها بين دول العالم في حوادث الطرق إلي الـ 86 علي العالم، وتكلفنا حوادث الطرق سنويا 3%من الناتج المحلي،علاوة علي الوفيات والإصابات والعجز الذي لا يضاهيه مال.
ومع كل تلك الحوادث والأرقام والخسائر والنسب، تظل عقوبة القتل الخطأ بدون نيه اوقصد وفقا للماده 238 من قانون العقوبات فإن المتهم تفرض عليه عقوبه بالحبس مده لاتقل عن 6 أشهر وغرامه لاتتجاوز الـ 200 جنية مصري أو بإحدي العقوبتين!
فهل تكلفة كل هذه الأرواح تعادل ثمن علبتين سجاير أو ربع كيلو لحمة، أو ساندوتشين شاورما!

تعمدا لإزهاق الأرواح
هل يتسق التشريع مع الضرر، وهل السائق المتعاطي لايعد قاتلا بالقصد، وهو يعلم أنه ليس في كامل وعيه، وهل تجاوزه السرعة وتشغيله أصوات أفراح دون التركيز مع تعليمات وتنبيهات الطريق والآخرين، ألا يعد ذلك تعمدا لإزهاق الأرواح؟
وهل (السائقين) على الطريق الدائري الإقليمي عند المنوفية، والذي أظلم حياة 19 أسره هم أهل الـ 19 عروسة مكافحة في جناين العنب بشرف حتي يكملن تعليمهن أو يساعدن أهلهن او يجهزن أنفسهن، وهل الميكروباص الذي حمولته 14 راكب وحشر فيه السائق 19 فتاة!.. هل هذا طمع أم استهتار أو عدم الخوف من العقوبة.
وهل هذا المسار اليومي لم يصادفه يوما فرد مرور أو أمن!، ولقد ثبت تعاطيه المخدرات، اإعترف أن الطارة لم تعد تحت سيطرته؟!.. فهل يستمر نزيف الأسفلت؟، وإزهاق الأبرياء؟، وخراب البيوت؟، وتحطيم الأحلام؟ نظير دماغ عامله السواق، أوطمعا في حمولة و دور زيادة، أو استمتاعه بأغنية مهرجانات سخيفه حفظها كل الركاب.. أليس لهذا السيل من الحوادث نهاية او توقف؟!
أكيد هناك حلول إنقاذا لأرواح أهالينا وأطفالنا من هذه الموته المفاجئه التي استعاذ منها رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم، أما الحلول فلابد من تكامل التشريع مع الرقابه مع التوعيه لعلنا نصل إلي واقع يخلو من هذه الكوارث والمصائب المتتاليه، وأن ينتبه الإعلام إلى متابعة تلك الأحوال وكشفها أمام المسئولين.
يجب تغليظ العقوبة والمنع من ممارسة مهنة (السائقين) تماما، يجب اعتبار المتعاطي والمتجاوز للسرعة وغير المنتبه قاتلا بقصد وبإهمال.
ويجب على إدارات المرور تكثيف التواجد علي الطرق والمسارات الخاصة بوسائل النقل الجماهيري، وإيقاف هذه الوسائل للتأكد من عدم تجاوز الحمولة أو الأجرة، أو مستوي الصوت علي الطريق وسؤال الركاب.

إجراء الكشف العشوائي
هذا إضافة إلى مراجعة الالتزام بالسرعة والالتزام بخط السير أيضا، ويجب أيضا الكشف العشوائي على الطريق لكل سائقي الأجرة لبيان وجود نسب تعاطي من عدمه، أما التوعيه فهي تخص الإعلام عموما سواء الرسمي أو شبه الرسمي و المستقل، المرئي والمسموع والمقروء والرقمي.
وتخص أيضا الإعلام الأمني وأنا أعلم أن لوزارة الداخليه زراع إعلامي مهني ويقظ وعلي تواصل وثيق مع كل صناع الإعلام، ويستطيعون تنظيم حملة توعيه مرئيه ومسموعة ورقميه وأوت دور علي الطرق، وعبر رسائل نصيه وعبر ملصقات.
هنا يمكنها أن توصل رسالتها للجماهير ويمكن تمويل هذه الحملة إنتاجيا من وكلاء السيارات وقطع الغيار في مصر، ومحطات البنزين.. هؤلاء هم المستفيدون وعليهم تحمل نفقات حملات التوعية.
أما الإعلام الرسمي والخاص وغيره فعليه تخطيط وتنفيذ حملة توعية تبدأ من التنويهات ثم خبراء المرور في البرامج، ثم الأفلام الوثائقيه التي توضح حجم الخسائر وتبين الطرق السليمه للقياده والقواعد الصحيحه لتجنب الحوادث، وتشرح البعد التشريعي والبعد الجزائي، وأثر الحوداث على الفرد والأسرة والمجتمع.
عندها يمكن أن نقدم جيلا واعيا من (السائقين)، وطرقا شبه آمنة، وحوادث منعدمة أو أقل، ومجتمعا تقل فيه أو تختفي الأحزان نتيجة لهذا الكابوس المستمر الجاثم فوق طرقنا وأسرنا.. رحم الله شهداء الطريق، وألهم أهلهم الصبر والسلوان، وحمى الله مصر وشعبها، وتحيا دوما مصر، آمنة مطمئنة.. آمين.