عصام السيد يكتب: صخب المهرجان (القومي للمسرح)!

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
منذ الدورة الأولى للمهرجان (القومي للمسرح) المصرى عام 2006 و هو يثير صخبا بسبب هجوم يحاصره أو اعتراضات تحيط به. في بعض الأحيان يتسبب (ضعف العروض المقدمة) في الهجوم على المهرجان برغم أنه لا ذنب له في مستوى العروض.
فالذى يتحمل مسئولية جودتها ومسئولية اختيارها هي الجهات المنتجة – ماعدا العروض التي تختارها اللجان التي تشكلها إدارة المهرجان – فالمهرجان (القومي للمسرح) ليس إلا (واجهة) لعرض انتاجات الآخرين.
ومرة يكون الصخب بسبب عدم تعديل اللائحة و إلغاء نظام المحاصصة الذى يتبعه المهرجان في تخصيص عدد من العروض لكل جهة إنتاجية، مما يحرم جهة من عرض جيد بسبب نفاذ حصتها، بينما يشارك عرض ضعيف من جهة إنتاجية أخرى، او دخول عروض من جهة إنتاجية تحت مسمى جهة أخرى، كأن يقدم عرض من انتاج الجامعة على أنه ينتمى للمسرح المستقل.
و مرة يثور الصخب بسبب اعتراضات على تعديلات تمت على اللائحة دون مناقشة المجتمع المسرحى فيها أو بسبب ثورة المسرحيين ضد المهرجان بسبب أسماء المكرمين و قلة عددهم، و مرة بسبب كثرتهم الى حد يُفقد التكريم معناه، وفي كثير من المرات بسبب أناس يرون انفسهم أحق بالتكريم.
ولكن الثابت كل عام أن الصخب الأكبر سنويا بسبب المعركة التي تقع بعد إعلان النتائج اعتراضا على فحواها وجدواها ومدى استحقاقها، و يصاحب إعلان الجوائز كل عام شائعات بالتدخل فيها او تغييرها، ووصل الأمر في إحدى الدورات بالتهديد بالانتقام من أعضاء لجنة التحكيم وإقصاء بعضهم عن وظائفهم!

تصفية حسابات
اعتدنا هذا كل عام اثناء وبعد المهرجان (القومي للمسرح)، ولكن هذا العام بدأ الصخب مبكرا، قبل بداية المهرجان بأكثر من شهر، ولسبب غريب وعجيب، فلقد رأى الفنان القدير (محمد رياض) رئيس المهرجان أن (يتوسع) في إقامة ورش تدريبية تسبق وقائع المهرجان وتكون جزءا من فعالياته.
وأعلن عنها و طرح استمارات للمشاركة فيها، وإذا بكل من لم يُقبل في هذه الورش يهاجم المهرجان – و هذ أمر أصبح طبيعيا في مصرنا المحروسة – ولكن أن يتعدى الهجوم إلى السب والطعن والتشويه، فهذا ما أصبح صعب الاحتمال!
وفي وسط الصخب تسللت بعض القامات المسرحية لتقوم بتصفية حسابات لها، بعضها بسبب عدم التواجد في نشاطات المهرجان (القومي للمسرح)، فتتخفى داخل (الهيصة) لتهاجم المهرجان تحت ثوب مهاجمة الورش التي كانوا يطالبون بها في ظروف أخرى!
22 ورشة ومحاضرة في التمثيل و الإخراج والإلقاء والسينوغرافيا والتذوق الموسيقى والإيقاع الحركى والكتابة المسرحية، و4 ندوات موزعة على محافظات القاهرة والأسكندرية وطنطا بورسعيد وأسيوط في سابقة لم تحدث من قبل بهذه الكثافة، وهذا التنوع وذلك الانتشار و مع ذلك لم يسلم المهرجان من الهجوم او السخرية او التقليل و التسفيه.
أنا شخصيا اتهمنى أحدهم على الفيس بوك – بالطبع تحت اسم مستعار – أن المهرجان يعطينى فرصة (سبوبة) لأكل العيش، و هو بالتأكيد يعلم أنى منذ بدأت ورش الإخراج عام 2003 في مركز الابداع الفني لتمتد الى الثقافة الجماهيرية و لمجلس الأعلى للثقافة والجامعات والمهرجانات الداخلية لاأتقاضى أجرا عنها في الغالب.
و أن أجرها – حتى لو تقاضيته – لا يوازى مجهودها ولا يكافئ تعبها ولا يسمن ولا يغنى، كما يعلم أننى المخرج المصرى – بل العربى الوحيد – الذى يخصص جائزة سنوية باسمه للمخرجين الشباب في تجاربهم الأولى يدفعها من جيبه الخاص ومن حر ماله، فالأولى بى أن أوفرها بدلا من البحث عن (سبوبة).
في الحقيقة أغضبنى أسلوب الهجوم ولكن – في نفس الوقت – أدهشنى بشدة منطق الهجوم، فالكل يرى أن من حقه الالتحاق بالورشة (لأنها مجانية)، هل هكذا تقاس الأمور؟، أليس من حق المدرب أن يحدد نوعية من يصلح لتلقى تدريباته؟
هل من الممكن أن يشارك في ورشة التدريب الحركى من ليس لديه توافق عضلى عصبى لمجرد انها ورشة مجانية؟، أو يشارك في ورشة السينوغرافيا من لا يستطيع الرسم؟، وحتى على مستوى الإخراج – في ورشة قصيرة – هل من الممكن أن يلتحق بها من لا يعرف ما هي الدراما؟ او الفرق بين المدرسة الواقعية والطبيعية؟ في حين أن الإخراج يستلزم منك أن تعرف كل هذه الأمور الأساسية قبل أن تشرع فيه.

من لديه خبرة سابقة
على جانب آخر زادت دهشتى عندما بدأت التصفيات لتلك الورش، وحتى أكون موضوعيا سأتخذ من ورشة الإخراج مثالا: تَقدّم للورشة عدد 960 فرد – و هو عدد ضخم جدا فاق التوقعات بكثير – و لاحظت من الاستمارات أن بعضهم تبتعد دراستهم عن المجال الفني، وليس لهم سابق خبرة على الإطلاق.
فقررت أن اختار منهم من لديه خبرة سابقة سواء كانت خبرة عملية (أخرج أو ساعد في الإخراج)، أو خبرة نظرية (درس بأحد الكليات أو المعاهد المتخصصة في المسرح). و نتج عن هذه التصفية اختيار عدد يزيد على (180) فردا بقليل تم تقسيمهم على مجموعتين.
الأولى لا تحتاج لمقابلة شخصية (حوالى 15) بعضهم يحمل درجة الماجستير او الدكتوراه في التخصص وبعضهم محترف، و أجريت للباقين مقابلات شخصية مقسمة على يومين.
وكانت المفاجأة هى حضور حوالى (90) فردا فقط، بنسبة غياب بلغت 50 % – غابوا حتى دون اعتذار – و هى نسبة ضخمة لا تتناسب مع الخناقات والمشاحنات التي تمت، بل إن بعض من هنأوا أنفسهم باختيارهم في الورشة على صفحات التواصل لم يحضروا!
المهم أننى اخترت من الذين حضروا (65 فردا) تم تقسيمهم على ورشتين إحداها ستخصص للإخراج لمسرح الطفل، وكل المشتركين فيها من أخصائي المسرح في المدارس، و هو ما أراه واجبا أساسيا أن نرفع من كفاءة وقدرات ذلك القطاع الهام وهو المسرح المدرسى بتدريب مدربيه.
وفي اللقاء الأول في الورشة كان عدد الحضور (55 فرد) – بنسبة غياب قدرها 15 % – بعضهم اعتذر لأسباب خارجة عن ارادته و البعض الآخر لم يعتذر، وهذا يجعلنى أتوقع ان يقل العدد تدريجيا حتى نهاية الورشة (حدث هذا في ورش أقصر.. وكان الصراع على الالتحاق بها أكبر.. وأثارت صخبا أضخم واعتراضات وصلت حد الشتائم).. وهذا يعيدنا إلى المربع الأول، هل هذا الصراع ثم عدم الالتزام سببه أن الورش مجانية؟
أعتقد أن الإجابة هى نعم، ولهذا أطالب أن تكون ورش المهرجان مدفوعة، أولا لأن البعض يعتنق المثل القائل (اللى ببلاش كتّر منه) وتسديد (اشتراك) سيجبر المتقدم على الالتزام، ثانيا أن المهرجان (القومي للمسرح) يعانى كل عام من ضعف ميزانيته و قصورها عن تلبية طموحاته.. فلماذا لا تستفيد ميزانية المهرجان من رافد صغير؟
ثالثا أن هناك جهات كثيرة تقدم ورشا مجانية في الثقافة الجماهيرية والمجلس الأعلى للثقافة والجامعات، وبالتالى فالعدالة الثقافية متحققة، وليس هناك تقصير في حق طلاب المعرفة .
في النهاية: إن الورش مهمة إضافية للمهرجان أضافها لنفسه مشكورا ولابد أن يكون لها ثمن، بل أزيد على هذا أن عروض المهرجان نفسها يجب أن تكون بتذاكر يصب عائدها في ميزانية المهرجان (القومي للمسرح)، تقليلا للتدافع الذى يحدث على بعض العروض و تدعيما لميزانية المهرجان.