رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم
قصة اكتشافه وتلحينه للمطربة (فايزة أحمد)، وقدومه إلى مصر

كتب: أحمد السماحي

مازالنا نعيش مع ذكريات الملحن الفلسطيني الكبير (رياض البندك) صاحب أروع الألحان في الزمن الماضي، الذي كان له الفضل في علاج الوعي الجماهيري على نطاق واسع.

وامتد تأثيره الإيجابي الفعال إلى المنطقة العربية كلها، من شرقها إلى غربها ووسطها، بأناشيده الوطنية، وألحانه العاطفية لأساطين الطرب في العالم العربي مثل (نور الهدى، ماري جبران، وديع الصافي، فايزة أحمد.

وكروان، زكية حمدان، سعاد محمد، شهرزاد، كارم محمود، محمد قنديل، نصري شمس الدين، وفهد بلان، وملحم بركات، ونهاد طربية، وجورج وسوف، ولطفي بوشناق) وغيرهم.

في الحلقة الأولى توقفنا عند مولد (رياض البندك) عام 1926 في (بيت لحم) في منزل عريق اجتماعيا وسياسياً، فوالده هو (عيسى البندك) سياسي وطني، وكان عضوا في اللجنة التنفيذية العليا التي كانت تقود النضال الوطني في أصعب فترة من حياة الشعب الفلسطيني.

ومن هذا المنزل خرج الصحافي المبدع (مازن البندك) شقيق رياض، وهو مؤسس مجلة (الجيل) والتي كانت تصدر في انهاية الستينات وظلت تصدر حتى التسعينات، وخرج أيضا الشقيق الآخر (يوسف) والذي استمر بجريدة (صوت الشعب) بعد والده.

في هذه الأجواء ترعرع طفل موهوب موسيقياً اسمه (رياض البندك) وما أن بلغ 8 سنوات حتى تعلم العزف على العود، واستطاع الحصول على عود، ودخل الإذاعة الفلسطينية، وغنى لحنه الأول (مسكين الطير غنى) من كلماته والحانه وهو في الرابعة عشر من عمره.

وتوقفنا عند هربه من فلسطين، وذهابه إلى سوريا، وتعاونه مع مطربة سوريا الأولى (ماري جبران) من خلال لحن (أه من عينيك شبكوني فيك)، وكيف قابل الموسيقار (فريد الأطرش)؟

وفي الحلقة الثانية تحدثنا عن ذهابه وعمله في الإذاعة اللبنانية، وقصة اكتشافه وتلحينه للمطربة (فايزة أحمد)، وقدومه إلى مصر وتعاونه مع الإذاعي الكبير (أحمد سعيد) في بدايات إذاعة (صوت العرب)، وتكريمه من الرئيس (جمال عبدالناصر).

وهذا الأسبوع في باب (مظاليم الفن) نستكمل باقي ذكريات (رياض البندك) التى أدلى بها في مجلة (فن) اللبنانية مع الزميلة هيام منور، عام 1989، فإليكم تفاصيل الحلقة الثالثة والأخيرة، مع هذا الراد الغنائي الراحل..

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم
تكريمي من الرئيس (جمال عبدالناصر) كتبت عني كثير من الجرائد والمجلات المصرية

دعوة من فايزة أحمد

يقول (رياض البندك): بعد تكريمي من الرئيس (جمال عبدالناصر) كتبت عني كثير من الجرائد والمجلات المصرية، وعشت في مصر سنوات شهدت نشاطا مكثفا لي حيث لحنت لكبار مطربي مصر والعالم العربي مثل (شهرزاد، كارم محمود، محمد قنديل، نور الهدى، عصمت عبدالعليم، عليا) وغيرهم.

وفي هذه الفترة أخذت (فايزة أحمد) ترتفع وتحلق حتى أصبحت المطربة الثانية بعد (أم كلثوم)، وتغيرت احوالها من الفقر إلى العز والجاه والمجد والشهرة.

وذات يوم دعتني إلى حفل لها في سينما (قصر النيل)، وبالفعل ذهبت إليها، ووجدتها تلبس فستانا مرصعا بالجواهر، وعلى كتفها بالطو من الفرو، رأيتها جميلة جدا، ونظرت مليا إليها وسرحت بذاكراتي ورجعت بالذاكرة للوراء إلى مسرح سوريا.

ولأن (فايزة أحمد) كانت ذكية فهمت من عيني ما دار ببالي، فأجابتني دون أن أتكلم وهى ترفع وجها إلى السماء : (هذا شغل ربك).

يستكمل الموسيقار الكبير (رياض البندك) ذكرياته فيقول : في عام 1958 وأثناء الوحدة بين مصر وسوريا، رجعت إلى دمشق، ولحنت الكثير، لكن الفرحة لم تدم طويلا حيث حدث الأنفصال عام 1961، وحدث شغب في سوريا.

واضطررت إلى الذهاب إلى بيروت، حيث كانت بداية لإقامة إذاعة (بيروت الكبرى) التى كان مدير برامجها انذاك (نبيل خوري) رئيس تحرير مجلة المستقبل.

وفي هذه الفترة استدعاني (نبيل خوري) وقال: (نحن بحاجة إليك لأنك تستطيع أن تعمل بصدق وإخلاص، وأنا واثق من أنك ستسد فراغا كبيرا من الناحية الموسيقية في إذاعة (بيروت)، وبالفعل عينت قائدا لأوركسترا الإذاعة اللبنانية عام 1962.

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم
وديع الصاقي.. يا عيني على الصبر

وديع الصافي ويا عيني على الصبر

في سنة 1967 حدثت نكسة يونيو، وطبعا أصبت بضربة قاتلة، وصممت على العودة إلى القاهرة دون أن أقدم إستقالتي، حيث ضاع مني تعويض خمس سنوات فترة عملي في إذاعة بيروت.

وفي إذاعة (صوت العرب) والإذاعة المصرية، استعدت نشاطي، وفي تلك الفترة كان ممنوعا أن يسجل في مصر إلا الأغاني الوطنية.

 وأثناء ذلك حضر المطرب اللبناني (وديع الصافي) إلى مصر، وطلب مني الإذاعي الكبير (جلال معوض) أن ألحن لهذا العملاق الذي نفتخر به وبصوته.

وقال لي: (هذا العملاق من زمان لم يحضر إلى مصر وعايزك تلحن له لحن يهز مصر، وأنا واثق مافيش غيرك يعمل الحكاية دي!) .

وتقابلت مع (الصافي) وتذكرنا الماضي، الذي جمعنا من قبل، وبدأنا نبحث أنا وهو عن كلام يصلح للغناء، وأخيرا ربنا وفقنا في كلمات للشاعر (نجيب نجم) يقول مطلعها:

يا عينى، ياعينى عالصبر، يا عينى عليه

يشوف الدمع فى عينينا يواسينا

 يشوف الجرح فى ايدينا يداوينا

ولما الدنيا تنسانا نلاقى الصبرويانا

فى خطوتنا فى سكتنا و يسمع لينا شكوتنا

وعمره فى يوم ما قال لاءه ولا مره سألنا ليه

يا عينى، ياعينى ع الصبر، يا عينى عليه

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم
عليا التونسية

لحن لعليا النونسية

سعدنا جدا بهذا الكلام، ولحنته، وظهر للنور عام 1970، وحدث ما قال عنه (جلال معوض) حققت الأغنية نجاحا كاسحا، لفت آذان كبار المطربيين المصريين والعرب مثل (أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ) وغيرهم.

وكتبت جريدة (الأخبار) المصرية مانشيتا كبيرا تحت عنوان (الأغنية التى أبكت 40 مليون مصري) وانتشرت الأغنية في الإذاعات العربية والشارع العربي بشكل واسع.

وأثناء ذلك اتصل بي الموسيقار الكبير (رياض السنباطي) وطلب أن يسمع الأغنية بصوت وديع الصافي بشكل حي، واتفقنا أن نلتقي في شقة الشاعر اللبناني (جورج جرداق) التى استأجرها قرب مبنى الإذاعة والنليفزيون.

 ويومها بكى (السنباطي) وقال: (هذا اللحن مدرسة فنية كاملة، وأنا أقدم لك التهاني من قلبي، وقبل وديع الصافي على جبينه)، كما استقبلنا الموسيقار (محمد عبدالوهاب) بالأحضان أنا وديع الصافي، في بيته، وعزمنا على الغداء. 

وأثناء ذلك حضرت المطربة التونسية (عليا) إلى مصر، فلحنت لها أغنية (لاملامة) التى حققت نجاحا كبيرا، وأعجب بها (فريد الأطرش) وأقام حفله خاصة في بيته على شرف أغنية (لاملامة).

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم
محمد عبدالوهاب كان عاشقا لصوت وديع الصافي

لقاء مع أم كلثوم

في هذه الفترة وبعد انتشار ألحاني في مصر اتصلت بي كوكب الشرق (أم كلثوم)، وعزمتني على (فنجان قهوة) في بيتها، واجتمعت بها ومعنا عازف القانون في فرقتها (عبده صالح).

 ويومها اتصلت (ثومة) بالشاعر (عبد الوهاب محمد) وطلبت منه أن يقرأ على بعض الأغنيات التى تصلح لها، لأنتقي واحدة من كلماته وأعرضها عليها، ولو وافقت على الكلمات أبدأ في تلحينها.

وبالفعل اجتمعت بعدها مع الشاعر (عبد الوهاب محمد) واتفقنا على أغنية، وبدأت التلحين فيها، وأثناء ذلك رحل الزعيم (جمال عبدالناصر)، واعتكفت (أم كلثوم) فترة.

 وفي هذه الفترة جاءني عقد عمل عام 1972 لتأسيس الإذاعة والتليفزيون في الإمارات العربية المتحدة، وانشغلت بهذا العمل، حتى عام 1975، وأثناء عملي في الإمارات كانت (أم كلثوم) تمر بظروف مرضية صعبة، ورحلت (أم كلثوم) دون أن نلتقي.

(رياض البندك) يتذكر قصة تلحينه لـ (ياعيني ع الصبر) لوديع الصافي، وسر لحنه لأم كلثوم
اكتشفت المطربة (فاتن الحناوي) حيث غنت من ألحاني (يا من سقانا)

العودة إلى سوريا

ينهي الموسيقار (رياض البندك) ذكرياته قائلا: بعد انتهاء عملي في الإمارات، عدت إلى دمشق، حيث أصدر وزير الأعلام (أحمد اسكندر أحمد) قرارا بتعيني خبيرا للموسيقى لهيئة الإذاعة والتليفزيون.

وخلال هذه الفترة لحنت للعديد من المطربيين مثل (نصري شمس الدين، فهد بلان، ملحم بركات، نهاد طربيه، جورج وسوف)، وغيرهم.

 كما اكتشفت المطربة (فاتن الحناوي) حيث غنت من ألحاني (يا من سقانا) شعر بدوي الجبل، ونالت الجائزة الأولى في مهرجان تونس عام 1976، كما لحنت لها قصيدة (ياترى يذكرونه) شعر بشارة الخوري، وذلك خلال المهرجان الأول للأغنية العربية بدمشق.

رحم الله العملاق (رياض البندك) الذي ساهم في تأسيس العديد من الإذاعات العربية، وساهم في تأسيس الوعي القومي للجماهير العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.