رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: (الأعمال الدرامية) الدينية ولعبة السياسة!

بقلم الكاتب الاذاعي: شريف عبد الوهاب *

في عالمٍ تتشابك فيه خيوط الفن والدين والسياسة، تبرز (الأعمال الدرامية) الدينية كمساحة غنية بالرسائل والقيم، لكنها كثيرًا ما تقع في فخ التوظيف السياسي. فهل تُكتب هذه الأعمال بدافع ديني خالص، أم أن السياسة تسكن خلف الكواليس؟ هل هى وسيلة لنشر الفضيلة، أم وسيلة ناعمة لتوجيه العقول نحو رؤى سلطوية أو فكرية معينة؟

في هذا المقال، نُحاول تفكيك العلاقة الشائكة بين (الأعمال الدرامية) الدينية والسياسة، من خلال تحليل نماذج درامية وسينمائية عربية، وقراءة تأثير السياق السياسي على مضمونها وتوجهاتها.

(الأعمال الدراما) الدينية في العالم العربي ليست مجرد سرد لحكايات الأنبياء أو الصحابة أو العلماء، بل هي وسيلة تواصل شعبية بين الدين والجماهير، وقد أثبتت هذه الدراما قدرتها على ترسيخ القيم، وتقديم سيرٍ رمزية تُلهم الأجيال.

ولكن خلف هذا السطح الطاهر، تقف دوائر الإنتاج والرقابة والسياسات الثقافية التي تتحكم في ما يُعرض، وما يُحذف، وما يُعاد تأويله. وهنا، تبدأ لعبة السياسة.

ليست السياسة دائمًا مرئية، لكنها كثيرًا ما تكون حاضرة في اختيارات النص، والحقبة الزمنية، وحتى طريقة تصوير الشخصيات. ولنأخذ بعض الأمثلة:

شريف عبد الوهاب يكتب: (الأعمال الدرامية) الدينية ولعبة السياسة!
عمر

مسلسل (عمر – 2012)

تناول سيرة الخليفة عمر بن الخطاب في فترة حساسة بعد ثورات الربيع العربي، قدم عمر كقائد حازم وعادل، في رسالة ضمنية إلى ضرورة الاستقرار والطاعة في ظل الفوضى السياسية التي اجتاحت المنطقة.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الأعمال الدرامية) الدينية ولعبة السياسة!
الإمام المراغي

 مسلسل الإمام (المراغي)

مسلسل (الإمام المراغي) يروي سيرة شيخ الأزهر (محمد مصطفى المراغي)، مسلطًا الضوء على دوره في مواجهة الاستعمار البريطاني.. يوظف العمل المؤسسة الدينية كدرع للشرعية الوطنية، ما يعكس رغبة السلطة في تأكيد رابط الدين بالهوية الوطنية.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الأعمال الدرامية) الدينية ولعبة السياسة!
يوسف الصديق

يوسف الصديق (إنتاج إيراني)

برغم قيمته الفنية العالية، يحمل المسلسل إرثًا عقائديًا خاصًا بالمذهب الشيعي، ويظهر كيف يمكن لدولة أن تستثمر (الدراما الدينية) في بث رؤيتها الدينية والسياسية.

شريف عبد الوهاب يكتب: (الأعمال الدرامية) الدينية ولعبة السياسة!
الحشاشين

مسلسل (الحشاشين – 2024)

يتناول هذا العمل قصة فرقة الحشاشين في العصور الوسطى، مستندًا إلى سردٍ ديني وفكري ، لكنه في ذات الوقت يسلط الضوء على الفوضى السياسية والصراعات على السلطة، تم إنتاجه في فترة شهدت فيها المنطقة توترات سياسية، فظهر (الحشاشون) كرمزٍ لحركات  ملتبسة، بما فتح الباب لتأويلات سياسية متباينة حول مغزى العمل. وتوقيته بهذا الانتاج الضخم

شريف عبد الوهاب يكتب: (الأعمال الدرامية) الدينية ولعبة السياسة!
الرسالة

(الرسالة): الفن في مواجهة القيود

فيلم الرسالة (1976) للمخرج (مصطفى العقاد) يُعد حالة فنية فريدة.. فقد قدم قصة الإسلام في بداياته دون أن يُظهر شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أو الصحابة الكبار بشكل مباشر، التزامًا بالضوابط الدينية.

نجح الفيلم في تقديم رسالة دينية قوية، لكن في الوقت نفسه، اختار توقيتًا حساسًا لإنتاجه في ظل انقسامات عربية وغربية حول صورة الإسلام.. فكان الفيلم بمثابة وسيلة دفاع ناعمة عن الإسلام في الغرب، وجسرًا ثقافيًا يتقاطع مع السياسة الدولية، ما جعله عملاً فنيًا راقيًا يحمل أبعادًا دبلوماسية وإنسانية أيضًا.

حين يُكتب العمل للدين وحده

مسلسل محمد رسول الله (بأجزائه المختلفة خلال فترة السبعينات والثمانينات) يُعد من أنقى الأعمال الدرامية الدينية التي خُلقت لأجل الفكرة الدينية ذاتها، دون نية توظيف سياسي أو تجميل للواقع السياسي.

كتب العمل ببراعة المؤلف عبد الحميد جودة السحار، وشارك فيه كبار الفنانين والمخرجين، وتم تقديمه بروح إيمانية خالصة تُعلي من قيمة الرسالة الإسلامية، وتُبسّطها للناس. لم يكن الهدف منه سوى التعليم والتنوير، ونجح في ذلك دون إثارة أي جدل سياسي أو طائفي.

غياب الدراما (الدينية) اليوم

من اللافت تراجع الدراما الدينية في السنوات الأخيرة، وكأن هناك رغبة في حجبها عن الساحة، وقد يُقال إن (الظرف غير مناسب)، أو أن (الجمهور لم يعد مهتمًا)، وهو ما يُخفي ربما توجهاً سياسياً لتجنب إثارة الجدل العقائدي أو خوفًا من توظيفها من جماعات متشددة.. لكن الغياب بحد ذاته موقف سياسي: فالسكوت عن الدين في الفنون، كالكلام عنه، يحمل دلالة.

دائرة التوظيف السياسي؟

ربما يكون الحل في أن تُنتج (الدراما الدينية) من داخل مؤسسات مستقلة، تؤمن بالفن والدين معًا، دون أن تكون ذراعًا سياسية أو أداة وعظية فقط.. كما ينبغي أن يشارك فيها علماء دين متنورون، إلى جانب مؤلفين أصحاب رؤى، لتقديم أعمال تحترم العقل، وتعيد تقديم الدين كقوة للعدل والرحمة، لا كأداة للتسلط أو الإقصاء.

بين الفضيلة والمصلحة

لا يمكن فصل (الدراما الدينية) عن السياسة تمامًا، لأن كل فنٍّ هو مرآة لعصره، لكن المطلوب ألا تكون هذه الدراما مجرد انعكاس لمصالح آنية أو خطابات سلطوية، بل أن ترتقي لتكون منبرًا للتنوير، وحوارًا مفتوحًا بين الماضي والحاضر.

فالدين، حين يُحكى بصدق، قادر على شفاء الأرواح وتوحيد الشعوب.. أما حين يُحكى لغرضٍ آخر، فإنه يصبح أداة للفرقة، حتى وإن كان مكسوًا برداء الفضيلة.

* رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب – رئيس الشبكة الثقافية بالإذاعة المصرية الأسبق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.