
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
في زمن عظائم الأمور تروج الـ (توافه)، وبين الفنانين من يجيدون صناعة السفاسف التي تشغل الناس وتلهيهم عن التفكير في الأحداث الكبرى.
نعيش في زمن الأحداث الكبرى والاهتمامات الصغرى، مخاطر محدقة تحاصر الإنسان أينما كان، يصنعها مجانين السياسة وتجار الخراب ومجلس إدارة الكون القابع في الخفاء يحرك أصحاب القرار بالماريونيت كالدمى، من حرب إلى حرب.
وكأننا في مسابقة لاختيار الأقدر على التخريب والتدمير والقتل والتجويع والحصار وصناعة الفتنة وإثارة الفوضى ، ورغم ذلك فإننا أصبحنا أكثر انشغالاً بالسفاسف عن عظائم الأمور، نرى أمامنا الهول الأعظم ونتناقش في الـ (توافه) التي لا تعنينا، نترك ما يقلب حياتنا ويهدد مستقبلنا وننشغل بخصوصيات الآخرين التي لا ينبغي أن نلتفت إليها ولا تأخذ من تفكيرنا ولو لحظات.
الملعون (التريند) هو الذي يقودنا كما القطيع التي يسوقها الراعي، يقودنا كيفما يشاء، يفرض علينا بمن ننشغل، وكأن الفضاء الإلكتروني الذي نتوهم أننا ندخله بمحض إرادتنا، يديره الساعون للتحكم في مشاعرنا وتشكيل إحساسنا وتتفيه إدراكنا وسلب وعينا. نعم، هم يريدون كل ذلك.
وقد تجاوزوا مرحلة السعي وأصبحوا بالفعل يقودوننا كيفما يشاؤون عبر الفضاء الاليكتروني والسوشيال ميديا، مستغلين ما لدينا من فضول قاتل، يقتل وقتنا ويبدل في اهتماماتنا من خلف الشاشات ودون أن نراه.
خلال الفترة الأخيرة، واصلت إسرائيل القتل والإبادة في أهالي غزة، واستدرجت كثيرين منهم (بالاشتراك مع ربيبتها أمريكا) باسم المساعدات الإنسانية إلى مناطق محددة للتوزيع وقتلتهم قصفاً، وأشعلت حرباً جديدة على إيران بضوء أخضر من سيد البيت الأبيض وزبانيته قد تتطور إلى حرب إقليمية.
وبدأت الحرب الجديدة تلقي علينا بظلال قاتمة رغم أننا محاطون بالقتامة منذ اندلاع حرب غزة. أمور عظيمة تركناها وانشغلنا بمعركة طلاق (مها الصغير من أحمد السقا)، وحشرنا مناخيرنا فيما لا يقدم ولا يؤخر في حياتنا.

إنه العبث بعينه
وانشغلنا بتحليل طبيعة العلاقة بينهما منذ الزواج، ومن الجاني ومن المجني عليه؟ وتأثير هذا الطلاق على ياسين – المفروض علينا تمثيلاً – وأشقائه، وهرولنا نتابع الإطلالة الأولى والتصريح الأول لكل منهما بعد الطلاق.. إنه العبث بعينه والخيبة التي أصابتنا وحولتنا إلى كائنات بلهاء، تنشغل بالـ (توافه) وتترك العظائم.
لم يعد يكفينا الانشغال بخصوصيات النجوم، ولكن أصبحنا نتتبع أبناءهم رغم كونهم لا ينتمون إلى عالم الفن إلا من خلال النسب، ولو حسبنا الوقت الذي منحناه لتتبع أخبار بنات (عمرو دياب) خلال الفترة الأخيرة، وانشغال الكثيرين بجرأة إطلالاتهن المتجاوزة للأعراف والتقاليد والمألوف لاكتشفنا أننا نخصم من عمرنا الكثير الذي نقضيه في أمور لا تفيد من باب النميمة.
انشغلنا كثيرا بنور وخطيبها الإنجليزي سابقاً، ورقصها الأكثر جرأة مع مدرب رقص عند الأهرامات لندخل في جدل بلا نهاية عن طبيعة العلاقة التي تربط بينهما، وهو جدل زاد وتضاعف عندما سئلت عن والدها (السوبر ستار) وردت (أنا بنت شيرين رضا.. مش بنت عمرو دياب).
وكأنها تعلن أمام الرأي العام التبرؤ من والدها، ومن المؤكد أنه ليس مجرد كلام مرسل، ولكنه نتاج تصرفات وسلوكيات دفعها لأن تعلنه بلا حياء ولا خجل.
بعض سفاسف الأمور التي ينشغل بها الناس تكون نتيجة فضول يقتلهم ويصرفهم عن العظائم، وبعض السفاسف تكون مفروضة عليهم، ومن الأمور التي تم فرضها على الناس عنوة هو رحلة إلهام شاهين وهالة سرحان إلى العراق، وتم إغلاق مطار بغداد نتيجة الحرب الإسرائيلية على إيران وهما هناك.

إلهام شاهين.. مادة للسخرية
لتفرض (إلهام) على الناس متابعة رحلتها من بغداد إلى البصرة وحتى عودتها مع رفيقتها إلى القاهرة والتشكرات لكل من لقيتهم هناك وساعدوا على إعادتها إلى مصر، لتحول نفسها وإصرارها على إشراك الناس في أمورها التي لم ولن تشغلهم إلى مادة للسخرية منها ومن الرحلة ومن كل من نشرت صوراً لها معهم مقدمة لهم الشكر.
والغريب أن الشتائم والسخرية التي تعرضت لها بسبب منشوراتها عن هذه الرحلة كانت كفيلة أن تلزمها الصمت دهراً، ورغم ذلك واصلت النشر وواصل الناس السخرية والسب.
في زحمة الانشغال بالـ (توافه) في زمن العظائم، لم يغب عن المصريين التعبير عن غضبهم المستحق من التونسية (هند صبري) التي عبرت عن تضامنها مع قافلة الصمود المشبوهة التي تم منعها من دخول الأراضي المصرية.
تجاوزت هند فيما يتعلق بالأمن القومي المصري وكان رد الفعل الشعبي عليها كفيل بالكشف عن رفض هذا الشعب لكل من يفكر بالعبث بأمن بلاده مطالباً بسحب الجنسية المصرية منها وترحيلها إلى بلادها.
لعله لا يخفى على أحد أن (هند صبري) من الفنانات التي يستهويهن تقمص دور المناضلات الوهميات كل الوقت وارتداء ثياب المثقفات وهي ثياب فضفاضة عليها، ولم يكن مستغرباً من الناس فتح ملفها منذ قدمت إلى مصر والتذكير بالأدوار التي لعبتها في البداية، وكانت وسيلتها لإثارة الجدل منذ البداية وتحقيق الشهرة، لعلها تتذكر أن تاريخ كل فنان هو المعبر عن جوهره!