

بقلم الكاتب السوري: عامر فؤاد عامر
اعتمد مسلسل (البطل) الذي أدّى فيه الفنّان القدير (بسام كوسا) دور البطولة، أسلوب رواية القصّة بطريقة السرد الداخلي أو (الراوي العليم)، حيث كانت شخصيّة (المُدرّس يوسف عيد الصالح/ بسام كوسا) يعلّق على الأحداث بوعي كامل بها، مستخدماً نبرة شبه تقريريّة، ولكن محمّلة بشجن التجربة، مما جعل السرد يعطي بُعداً إضافيّاً للشخصيّات في العمل.
أمّا في مسلسل (الندم)، جاءت الرواية على لسان شخصيّة (الكاتب عروة الغول – محمود نصر) من داخل الحكاية، فهو راوٍ مشارك في الأحداث (راوي شاهد ومجرّب)، لذلك السرد كان ذاتي أكثر، فيه مرارة شخصيّة وحسرة، وكان معتمداً على تقنيّة (الفلاش باك) بطريقة عضويّة جدّاً، في ربطٍ مستمر بين الحاضر والماضي.
الرابط بين العملين
بالفعل، هناك خيط واضح يجمع بين أسلوبي الرواية في العملين، على الرغم من الفارق الزمني، والنضوج الفنّي، حيث نجد أنّ مخرج كلا العملين (الليث حجو) يوظّف السرد دائماً كأداة لتعميق المشاعر، وليس فقط لنقل المعلومات.
يجعل السرد – في كلتا الحالتين – المتلقي يدخل رأس الشخصيّة، ففي (البطل) يكون عبر تأمّلات الراوي، وفي (الندم) يأتي عبر ذكرياتٍ مؤلمة.
كلا العملين يحملان شعور الندم والخذلان الشخصي، كمحرك أساسي للرواية، وهذه سمة مميّزة عند الليث حجو في استخدام الروي لجعل المشاهد شريكاً عاطفيّاً في القصّة.
في مسلسل (البطل) تمّ بسط الراوي فوق الحكاية، وكان يراقبها بعينٍ عليمة؛ أمّا في “الندم” كان الراوي داخل الحكاية، يعانيها ويعيشها.
لكن في الحالتين استخدم (حجو) السرد لصناعة حالة وجدانيّة عميقة تتجاوز الحكاية الظاهرة، ولن ننسى بأن المستند الأدبي في كلا العملين قد كان مدّاً حقيقيّاً لحالة الروي التي لم تأتِ اختلاقاً ولا إقحاماً.
فمسلسل (البطل) جاء بالاعتماد على مسرحيّة (زيارة الملكة) للأديب الراحل (ممدوح عدوان)، والتي ناقشت مفهوم البطل، وطرحت سؤالاً عميقاً عن البطولة، فحواهُ: أيمكن لماهيّة البطولة أن تتغيّر فيما إذا تغيّرت الظروف المحيطة بنا؟! وهل سيصبح من تربّى على القيم المادّيّة بطلاً حينها؟!
ربّما هو السؤال القديم المتجدد الذي سيدخل وجدان المتلقي أينما كان ليسأله لنفسه ويتأمّل حاله فيه.
أمّا في مسلسل (الندم) فالاعتماد الأصلي كان على رواية (عتبة الألم) للأديب الراحل أيضاً (حسن سامي يوسف)، الذي نقل لنا تاريخ حياة أسرة دمشقيّة من منطوق بطلها الكاتب الروائي، الذي يعيش حسرات الماضي ويجددها عبر نقله لنا ما آلت إليه مصائر أفراد هذه العائلة عبر أبعاد نفسيّة مرسومة لكلّ فردٍ من أفرادها، والتي لا يتشابه فيها الأفراد كما اختلاف أصابع اليدّ الواحدة.

أثر أسلوب الرواية على مسلسل (البطل)
تبدو البنية الدراميّة في مسلسل (البطل) خطيّة، تقليديّة نسبياً، فالأحداث تتسلسل زمنيّاً، والراوي (بسام كوسا) يضيف مسحة تأمّليّة، ويعطي كلّ مشهد طبقة إضافيّة من الفهم أو الشجن.
الراوي كضميرٍ حيٍّ أو صوتٍ داخلي يجعلنا نقرأ الشخصيّات والأحداث بنظرة نقديّة أو مشفقة أحياناً.
كان الإيقاع أبطأ نسبيّاً، لأنّ التعليقات السرديّة تستدعي من المشاهد وقفة ذهنيّة مع كلّ مشهد، مما يمنع الانجرار خلف الحدث فقط، بل يدفع للتفكير بالمعاني خلفه.
أمّا الأثر العاطفي فجاء مركّباً، حيث لا يكتفي المتلقي بالتعاطف مع الحدث الظاهري، بل يفهم خفاياه ومآلاته عبر تدخل الراوي.
جعل الأسلوب في النتيجة (البطل) مسلسلاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة الممزوجة بالتأمّل الاجتماعي، وليس مجرّد حكاية مغامرات أو قصّة صراع.

أثر أسلوب الرواية على مسلسل (الندم)
البنية الدراميّة هنا دائريّة معقدة، إذ تبدأ من لحظة في الحاضر ثمّ تنتقل إلى ماضٍ طويل، ثمّ تعود إلى الحاضر، وهكذا بشكلٍ متقطّع.
كان الراوي شاهداً متورّطاً، فوجدنا النجم (محمود نصر – عروة) ليس محايداً، بل جريحاً من القصّة، وهذا جعل السرد مشحوناً عاطفيّاً أكثر من كونه وصفيّاً أو تحليليّاً.
أمّا الإيقاع فموزون بعناية، وكلّ (فلاش باك) حمّلت الحاضر بمزيدٍ من الحزن، وكلّ مشهد حاضر يجعلك تفهم الماضي بشكل أعمق، مما يخلق ديناميكيّة مستمرّة بين الزمنين.
عصف الأثر العاطفي بالمشاهد، حيث أنّه لا يفكر بالأحداث فقط، بل يشعر بندم الشخصيّة وحسراتها، كأنّ المشاهد يعيش السقوط النفسي لعروة تدريجيّاً.
جعل الأسلوب (الندم) دراما وجوديّة عن الزمن والفرص الضائعة، وليست فقط حكاية حبّ وخيانة وأحداث اجتماعيّة.

ختاماً:
مرّت تسعة أعوام بين عملين بتوقيع المخرج (الليث حجو)، شكلا حالة دراميّة مؤثّرة في ضمير المتلقي المحلّي على الأقلّ وعبر لغة روائيّة مصوّرة بعناية، فكثير من الدموع ذرفها السوريون مع متابعة مسلسل (الندم) في العام 2016 الممزوج بطعم البارود ودخان القذائف وأصواتها التي عششت في حارات دمشق تلك الآونة.
لكن مسلسل (البطل) 2025، استمر في محاكاة الظروف التي كبرت وترعرعت مع أعمار وأجيال من السوريين عبر بيئة جديدة بعيدة عن العاصمة، لكنّها تضجّ بالحياة والرغبة في العيش مجدداً.