في ذكراه العاشرة: (عبد الرحمن الأبنودي).. صوت مصر الذي أبدع أروع الأغنيات العاطفية والوطنية

كتب: أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الكبير (عبد الرحمن الأبنودي) الذي قدم للمكتبة الغنائية العديد من الروائع، في كافة مجالات الأغنية، حيث عبر بشعره عن أفراح وأحزان الشعب المصري كله، وغنى أروع أناشيد النصر.
حرك (عبد الرحمن الأبنودي) بأشعاره مشاعرنا، فمن ينسى أغنياته الوطنية التى أصبحت جزءا من الذاكرة الوطنية منها (موال النهار، المسيح، يا بلدنا لا تنامي، أحلف بسماها وبترابها، ابنك يقولك يا بطل..
البندقية اتكلمت، والله لبكره يطلع النهار يا خال، صباح الخير يا سيناء) وغيرها الكثير من الأغنيات التى وثقت لما مر على مصرنا المحروسة من انكسارات وهزائم وانتصارات.
ومن منا ينسى روائع (عبد الرحمن الأبنودي) العاطفية التى كتبها لـ (عبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وردة، شادية، فايزة أحمد، محمد رشدي، ويادة الحناوي، نادية مصطفى، محمد منير) وغيرهم الكثير.

الأبنودي وبيوت السويس
لم تكن كلمات (عبدالرحمن الأبنودي) مزيفة أو مصطنعة، ولكنها جاءت نتيجة معايشته للناس، فقد ذهب في فترة من الفترات، بنفسه لمدن القناة التى تعرضت للقصف بعد نكسة يونيو عام 1967.
وهناك عاش على شط القناة في خط المواجع ليحكي لنا عن الغارات والإشتباكات المسلحة، وتمسك الفلاحين بأرضهم.
فجاءت كلماته صادقة وشهادة حية من قلب هذه المدن، خاصة مدينة السويس التى عاش فيها فترة طويلة، وهتف بإسمها كثيرا في أغنياته، فهو صاحب الأغنية الخالدة والمحبوبة لكل أبناء السويس ومصر.
وهى: (يا بيوت السويس، يا بيوت مدينتي استشهد تحتك وتعيشي أنت) التى لحنها ملحن العمال والفلاحين إبراهيم رجب، فهذه الأغنية يلتف حولها أبناء السويس جميعا حتى اليوم، ويطلقون عليها السلام الوطني.

الأبنودي وفرقة ولاد الأرض
لم تكن هذه الأنشودة هى الأولى والأخيرة للشاعر (عبد الرحمن الأبنودي)، ولكنه كتب روائع أخرى منسية للأسف ولا تذاع، خاصة التى كتبها لفرقة (أولاد الأرض) التى كان يتحرك معها في اللقاءات والندوات والأمسيات التى كانت الفرقة تقيمها.
من هذه الأغنيات تلك الأنشودة التى كتبها بعد تهجير أهالي السويس بسبب قسوة وشدة التدمير الذي تعرضت له بسبب العدوان الإسرائيلي عليها، والتى لحنها (حسن نشأت) ويقول مطللعها:
دي أرض وليها صحابها، لا أنت فكرنا مين
بقى عاوز تغتصبها، وأحنا نقعد ساكتين
لأ وحياة العباد اللي هجرتها، وحياة البيوت اللي كسرتها
لا هترجع السوايسة للزيتية، والمرسى
ورمال الصحرا حاسة، بخطاوي الفدائيين
ونشوف تهرب من فين
كما كتب وأبدع (عبدالرحمن الأبنودي) رائعة وطنية أخرى بعنوان (والله لبكره يطلع النهار) لحنها الملحن المظلوم إبراهيم رجب والتى تقول بعض كلماتها:
والله لبكره يطلع النهار يا خال، وتبقى الدنيا عال
والشمس تيجي، تيجي من ورا الجبال يا خال
بحلم يا خال بيوم معدول، يفرش ضياه ع الفلاحين
يملا صوامعهم غلال، ويبيض العجين
لهذا لم يكن غريبا أن يكتب (الكابتن غزالي) صديق ورفيق رحلة الأبنودي مع فرقة (ولاد الأرض)، عدوة كما يطلقون عليها بالصعيدي بعد رحيل الأبنودي يقول فيها:
يا بيوت السويس، يا بيوت مدينتي
مبدع نشيدك، تعيشي أنتي
الوداع يا خال، آدي الدنيا، وآدي الحال.

شهادة خيري شلبي
يقول الكاتب والأديب (خيري شلبي) عن (عبدالرحمن الأبنودي) في (بورتريه) كتبه عنه في مجلة (الإذاعة والتليفزيون): أنشأ الأبنودي مدرسة غنائية جديدة تماما.
وعلى يديه اتسعت رقعة العاطفة الإنسانية، فامتزج فيها البشر بالأرض، بالحلم، بالماضي، بالحاضر، بالمستقبل، وكانت التباشير مبهجة حقا طازجة حقا، ابتداء من (آه يا ليل يا قمر والمنجة طابت على الشجر،وتحت الشجر يا وهيبة، وعدوية..
إللى شباكين ع النيل عنيكي، أحضان الحبايب، الهوى هوايا، التوبة، قاعد معايا، يا ليلة ما جاني الغالي ودق على الباب)، ومئات من الأغنيات كل أغنية تناطح الأخرى في شموخ، وتناطح غيرها في تحد ورسوخ.
وكل شعراء جيله لهم آباء ذوات، ونسب عائلي ترى ملامحه في تكوين كل واحد منهم بشكل واضح، وهذا بالطبع لا يقلل من قيمتهم على الإطلاق، فمن اليسير أن نكتشف للوهلة الأولى أن (صلاح جاهين) هو أنجب أبناء فؤاد حداد، الذي هو ابن ثقافات عديدة متمازجة متماهية قومية وأجنبية.
كما أنه ضارب في الجذور القومية حتى النخاع، فهو إذن رأس عائلة، ومعلم من المعالم القومية البارزة، كجبل المقطم مثلا، كمعبد الكرنك، كنهر النيل.
ومن السهل أيضا اكتشاف أن (فؤاد قاعود) هو ابن لبيرم التونسي، استعار لغة المثقفين الدارجة، وأخيلة الشعر العربي القديم والوسيط والحديث، لكن ذلك لم يطمس جوهره البيرمي الانتقادي الساخط.
و(أحمد فؤاد نجم) ابن نجيب للشاعر (بديع خيري) متوغل في الحارة المصرية، حارة بيرم التونسي ونجيب محفوظ.
و(سيد حجاب) ابن بار لصلاح جاهين، لعله أنجب وأهم أبنائه، بعد أن تم تطعيمه بثقافة أجنبية متعمقة، مدعومة بنفس درامي ساخن، ومزاج بحري حافل بمفردات البحارة والصيادين.
أما (عبدالرحمن الأبنودي) فإنه ابن مصر كلها، ولا نلمس فيه أي ملمح من شاعر بعينه من الشعراء السابقين عليه، تمثلت في شعره، كل خصائص البيئة والروح المصرية، والطبيعة المصرية، وكل مقومات الشخصية المصرية الصرفة.

