بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم
الإيفيه عند الفنان الكوميدي (عبدالفتاح القصري) مرتبط بصخب شخصيته الفنية، وملامحه الجسدية، فهو في معظم أعماله إبن البلد الشعبي، حتى لو إرتدى أحدث الأزياء، فهو البسيط الذي يتكلم علي سجيته.
والذي يعاني من الفقر حتى إذا جاءه الثراء بدا كأنه ضربه في القلب ضربة تصيبه بسكتة لا إفاقة منها، ويسير (عبدالفتاح القصري) يردد جملة من طراز (يا صفايح السمنة السايحة، يا براميل القشطة النايحة)، أو (يا حلو بالوز ما هذا السكوت) في فيلم (لو كنت غني) من إخراج بركات.
فهو هنا بالطبع من خلال الفيلم يخاطب إمرأة أقرب الي علبة السمن، بدينة مليئة بالدهن، تعكس ذوقه الشعبي في الإعجاب بالمكتنزات، وسوف يتكررهذا الرجل الذي جسده (عبدالفتاح القصري) من فيلم إلى آخر.
وكنت تجده في الأفلام يبدو مندهشا لما يتحقق أمامه من الثراء المفاجئ الكبير في أفلام منها (السوق السوداء، وغني حرب)، ويبدو الرجل مثيرا للسخرية وهو يتكلم إلى هذه المرأة صفيحة السمن.
فيقول لها: (عايز أكلمك على استنفراد!) حيث أن الإيفيه أحياناً يعكس الجهل باللغة، واللعب بالحروف، ويبدو شديد المبالغة في الأرقام التي لايعرف نهايتها فيقول: (ياعشرين مليون مرحب) وذلك في منتصف الأربعينيات.
القصري و(الأستاذة فاطمة)
(عبدالفتاح القصري) كما يبدو في أفلامه لافائدة منه مهما حاول أن يتعلم، أو أن يحسن من صورته أمام أبناء حارته، فمثلا تجده والد المحامية (فاطمة) في فيلم (الأستاذة فاطمة).
والذي يتعلم القراءة بصعوبة، ويحمل كتابا فيه صورة لثعبان، وبدأ يتهجأ أحرف الكلمة التي تقع أسفل تلك الصورة بصعوبة شديدة فيقول: ها ضمه هو، ع سكون عو، ب فتحة باء، ألف مدى آه، نون ضمتين أون، ثم ينطق الكلمة بمنطوق آخر يعكس كم هو فهلوي (حنشون)!
وللشخصية التي كان يجسدها (القصري) مفردات خاصة كأن يقول مثلا: (جاتك رومتنيزم في كوارع اللي خلفوكي)، وفي فيلم (إسماعيل يس في مستشفي المجانين) أنه هنا هو الرجل الجشع.
والذي يحصل علي المكاسب من الرجال الطامعين في الاقتران بابنته (نعمة)، ويردد دوما علي طريقته (نعمة لك وليست لأحدا سواك)، أو (يالطيف اللطف يارب)، ويردد في مشهد آخر: (على حسب أيها السادة ليلتكم سكر زيادة).
وذلك بالطبع بالاضافة الي إيفهات فيلم (ابن حميدو) وحواره مع زوجته صفيحة السمن، وهو يردد: (كلمتي مش ممكن تنزل الأرض أبدا) فتتكلم إليه الزوجة بلغة الوعيد وتناديه بصوت عالي: (حنفي) فيردد: (خلاص حاتنزل المرة دي).
عبدالفتاح القصري.. ابن البلد
(عبدالفتاح القصري) هو ابن البلد المضحك، خفيف الظل، قد يكون بائع فاكهة في الحارة التى يسكن فيها مثلا في فيلم (القلب له أحكام)، وقد يكون ابن البلد الثري الذي يمكنه أن يتولى الصرف على أولاد الذوات في (بين إيديك) إخراج يوسف شاهين.
وقد يكون الأب التقليدي، لكنه العاشق المتيم المحروم من النساء في (سكر هانم)، نحن في حالة خاصة، تؤهله إليه صفاته الجسمانية، فهو الرجل غير الوسيم، الأجش الصوت، الأحول، الذي يفتقد الدماثة.
ولكنه طيب القلب، شهم في تصرفاته، قد يتصرف بغباء، فيسبب الإرباك والإضحاك، كما أنه أحيانا متحجر، وأحيانا مدعي في تصرفاته، يتشبث برجولته، وقد يكون طماعا في تحقيق المزيد من المكاسب المالية من أجل مكانة اجتماعية، أو الاستحواذ على إمرأة.
القصري و(المعلم بحبح)
بالنظر إلى الأفلام التى قدمها (عبدالفتاح القصري)، سنجد أن أول أعماله في السينما هو (المعلم بحبح) الذي إشترك في إخراجه كل من شكري ماضي، وفوزي الجزايرلي عام 1935.
وكما يبدو من اسم الفيلم فإنه يدور في بيئة شعبية، فالمعلم (بحبح) بائع لبن، يترك هذا العمل ليعمل كمساري، ثم ينتقل بين عدة وظائف منها قهوجي، وساعي في ستوديو سينما، و(القصري) في هذا الفيلم هو أحد أبناء الحي الشعبي الذين يترددون على المقهى.
ثم عمل (عبد الفتاح القصري) في أفلام أخرى منها (بسلامته عاوز يتجوز) بطولة نجيب الريحاني، وإخراج ألكسندر فاركاش عام 1936، وفي عام 1937 قام بالعمل في فيلم (مبروك) لفؤاد الجزايرلي.
وفي السنة التالية رأيناه في فيلمين هما (شيئ من لاشيئ) إخراج أحمد بدرخان، و(سي عمر) إخراج نيازي مصطفى، وهو هنا إبن البلد، لكنه أحد الأشرار الخارجين عن القانون، وبدا بالغ القسوة في معاملاته.
ولكنه بتكوينه الجسدي في النصف الثاني من أحداث الفيلم كان مثيرا للضحك، عكس ما تنم عن الشخصية التى يجسدها، أي أن (عبد الفتاح القصري) قد كسا هذه الشخصية بسماته الخاصة، فهو في البداية زعيم عصابة، يبحث عن إمرأة سرقت العقد.
وهو يمسك بـ (جابر) الموظف الذي تم وضع العقد في جيبه عن طريق الخطأ، ثم يدفع بجابر هذا إلى أن ينضم لعصابته.
ملامح شخصيات (القصري)
توالت أفلام (عبدالفتاح القصري)، وقد عملت مجموعة الأدوار التى أسندت إليه أن يصير نمطيا من حيث تنغيم صوته، أو تكوينه الجسماني، والملابس البلدية التى ظل محبوسا فيها، وأيضا تسريحة شعره، وعينيه الحولاء.
فكنا بذلك نضحك على (عبدالفتاح القصري) وليس على الشخصية التى يجسدها، وهو بذلك أشبه بأغلب أبناء وبنات جيله، فكأنهم نفس الشخص ينتقلون بذواتهم من استديو إلى آخر.
وعندما كانت الشخصية التى يجسدها ترتدي البدلة، فإنها تتصرف بجذورها، وليس بما ترتديه من ملابس.
القصري.. الغضنفر
كتب عنه الكاتب والأديب (خيري شلبي) في مجلة (الإذاعة والتليفزيون) تحت عنوان (الغضنفر) قائلا: هذا النمط الذي برع فيه (عبدالفتاح القصري)، ولم يكن يستهدف السخرية من أولاد البلد أوالزراية بهم.
وإنما كان في حقيقة الأمر تكريسا لأولاد البلد لصفاتهم الرجولية والأخلاقية المشهود لهم بها، ولسان حاله يقول: (ما هكذا يكون أولاد البلد الجدعان، ابن البلد يا ولاد البلد، لا يكون مطلقا غضنفرا على صبيانه، وعماله، وزبائنه).
ولكنه في البيت أمام زوجته تعامة لا حول لها ولا قوة، ابن البلد ليس أهوجا هكذا، ضعيف الشخصية هكذا.