رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !

جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !
استخدام الذكاء الاصطناعي في (حرب الإبادة) الجماعية
جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

يُقدم الذكاء الاصطناعي باعتباره خطوة أخرى للإنسانية نحو مستقبل أفضل؛ أداة يُفترض لها أن تُحدث ثورة في مجالات مهمة كالطب والتعليم والصناعات والمحتوى والتفاعل البشري مع المعلومات، لكن هذه الأداة تحولت شيئًا فشيئًا لتصبح أكثر فتكا وتدميرا: سلاح رقمي  في أيدي الجيوش حول العالم في ظل (حرب الإبادة).

وبينما يدور الجدل حاليا بين الحكومات والشركات التقنية حول أخلاقيات وسياسات استخدام الذكاء الاصطناعي، تطرح إسرائيل نموذجًا عمليًا لكيفية عسكرة تلك التقنية الحديثة، وتحويلها إلى أداة في إطار (حرب الإبادة) تساعدها على تضخيم نطاق القتل والمراقبة والتجسس داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تحديدا.

بعد أيام قليلة من واقعة البطلة المغربية (ابتهال أبو السعد)، خلال حفل شركة (مايكروسوفت) بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها، ومقاطعتها كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي (مصطفى سليمان) احتجاجاً على علاقات الشركة مع إسرائيل، بقولها : (أنت من تجار الحرب).

توقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي في (حرب الإبادة) الجماعية، (أيديكم ملطخة بدماء الأطفال. كيف تحتفلون بينما تساهمون في القتل؟”، ومن ثم الإعلان عن إقالتها من عملها كمبرمجة بالشركة.

عادت للواجهة الإعلامية مجدداً قضية التعاون بين شركات التقنية الأمريكية والجيش الإسرائيلي، وهو ما فضحته وسائل إعلام أمريكية منها موقع (جراي زون).بكشفه عن تعيين شركة (ميتا) لأعداد كبيرة من الجنود السابقين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي مما أثار معه تساؤلات خطيرة حول التزام العملاق التكنولوجي بحرية التعبير، وكشف معه لمحة عن عملية تحيُّز في مراقبة المحتوى أدت إلى حذف آلاف الحسابات المؤيدة لفلسطين خلال الحصار و(حرب الإبادة) الإسرائيلية على غزة.

الموقع وفي تقرير له، ذكر أن أكثر من 100 جاسوس وجندي سابق في الجيش الإسرائيلي يعملون في شركة (ميتا)، وخدموا في الجيش الإسرائيلي عبر برنامج حكومي يسمح لغير الإسرائيليين بالتطوع في الجيش.

جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !
أبرز هؤلاء، المحامية الأمريكية في مجال الحقوق الدولية، (شيرا أندرسون)

ليست (أندرسون) الوحيدة

أبرز هؤلاء، المحامية الأمريكية في مجال الحقوق الدولية، (شيرا أندرسون)، رئيسة سياسة الذكاء الاصطناعي في (ميتا)، والتي تطوّعت للانضمام إلى الجيش الإسرائيلي عام 2009 عبر برنامج (جارين تسابار) المخصص لليهود غير الإسرائيليين غير الخاضعين للتجنيد الإلزامي.

ومن خلال هذا البرنامج، تورّط العديد من غير الإسرائيليين الذين حاربوا مع الجيش الإسرائيلي في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منذ بدء (حرب الإبادة) على غزة في أكتوبر 2023.

خدمت (أندرسون) كضابط صف في الجيش الإسرائيلي لأكثر من عامين، حيث عملت في قسم المعلومات الإستراتيجية العسكرية، وكتبت تقارير دعائية للجيش، كما كانت حلقة وصل بين الجيش والبعثات العسكرية الأجنبية في إسرائيل، وبين الجيش والصليب الأحمر.

ومع تزايد أهمية الذكاء الاصطناعي للشركات التكنولوجية والجيوش، فإن دور (أندرسون) في (ميتا) حاسم، فهي تُطور الإرشادات القانونية وسياسات الذكاء الاصطناعي ورسائل العلاقات العامة المتعلقة بتنظيم هذه التكنولوجيا في جميع مجالات (ميتا)، بما في ذلك فرق المنتجات والسياسة العامة.

وليست (أندرسون) الوحيدة في (ميتا) من خلفية عسكرية إسرائيلية، حيث كشف تحقيق جديد عن وجود أكثر من 100 جاسوس وجندي إسرائيلي سابق في الشركة، كثيرون منهم عملوا في وحدة 8200 الاستخباراتية الإسرائيلية، ويتوزع هؤلاء الموظفون بين مكاتب (ميتا) في الولايات المتحدة وتل أبيب، ويتمتع عدد كبير منهم بخبرة في الذكاء الاصطناعي.

وبالنظر إلى استخدام إسرائيل المكثّف لهذه التكنولوجيا في تنفيذ (حرب الإبادة) الجماعية ونظام الفصل العنصري والمراقبة، فإن تعيين (ميتا) لمتخصصين إسرائيليين في الذكاء الاصطناعي يثير قلقا بالغا.

هنا تساءل موقع (جراي زون): هل تعاون هؤلاء الجواسيس السابقون مع الجيش الإسرائيلي لإنشاء قوائم اغتيال؟ ويجيب أنه وفقا لتقرير سابق، اخترقت (وحدة 8200) مجموعات (واتساب) ووضعت أسماء جميع الأعضاء في قوائم استهداف إذا كان أحد الأعضاء يُشتبه بانتمائه لحركة (حماس)، بغض النظر عن حجم المجموعة أو محتواها.

لكن كيف حصلت إسرائيل على بيانات مستخدمي (واتساب) من (ميتا)؟

هناك أسئلة خطيرة حول جرائم (حرب الإبادة) تحتاج (ميتا)  للإجابة عنها، وهي أسئلة ربما صاغت (أندرسون) ردودا “علاقات عامة” عليها مسبقا.

وهنا يشار إلى (لأندرسون) تاريخ طويل في الولاء لإسرائيل، حيث انضمت إلى الجيش الإسرائيلي بعد دراسة التاريخ في جامعة (كاليفورنيا – بيركلي)، ثم حصلت على درجة القانون من جامعة ديوك قبل العودة إلى إسرائيل للعمل في مركز أبحاث يديره رئيس الجيش السابق.

كما عملت مساعدة قانونية لرئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، التي رفضت قبل أسبوعين التماسا لإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، ما يشكّل تشريعا لاستخدام الجوع كسلاح، وهي جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف.

جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !
(أندرسون) نفسها تُنكر (حرب الإبادة) الجماعية بشكل صارخ

(أندرسون) تُنكر (حرب الإبادة)

(أندرسون) نفسها تُنكر (حرب الإبادة) الجماعية بشكل صارخ، فخلال ظهورها في (بودكاست) عام 2023، قالت: (أرفض تماما فكرة حدوث إبادة)، ونفت استهداف إسرائيل للمدنيين عمدا، واصفة (حماس) بـ (طائفة الموت)، وغزة بـ (الدولة الفاشلة) (رغم أنها ليست دولة)، وهى نقطة جوهرية في فهم المقاومة الفلسطينية، وكان من المفترض أن تعرفها محامية حقوق إنسان دولية.

كما أشارت إلى أن (القانون الدولي لا يسمح لإسرائيل بفعل ما تفعله في غزة)، وفي الضفة الغربية المحتلة، معربةً عن أسفها لأن (قواعد مختلفة تنطبق هناك)، وهاجمت الصليب الأحمر لـ (تصرفه كدولة) في إسرائيل.

طريق (أندرسون) إلى الجيش الإسرائيلي عبر برنامج (جارين تسابار) مثير للجدل أيضا، إذ مكّن هذا البرنامج غير الإسرائيليين (المعروفين بـ (الجنود الوحيدين) من الانضمام للجيش وارتكاب جرائم (حرب الإبادة) قبل العودة إلى بلدانهم.

وتُنظر حاليا دعاوى قضائية في عدة دول ضد متطوعين في البرنامج، بما في ذلك في بريطانيا حيث قُدِّمت أدلة في لندن على جرائم حرب ارتكبها 10 بريطانيين خلال خدمتهم في الجيش الإسرائيلي.

كم مجرم حرب محتملا يعمل في (ميتا)؟

بعض الجواسيس السابقين في (ميتا) خدموا لسنوات في وحدة 8200 الإسرائيلية، مثل (جاي شينكرمان) (10 سنوات في الوحدة قبل الانتقال إلى (ميتا) عام 2022)، و(ميكي روتشيلد) (قائد في فرقة الصواريخ الإسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية)، و(ماكسيم شموكلر) (6 سنوات في الوحدة 8200 قبل العمل في (ميتا) ومنصات أخرى).

بحسب موقع (جراي زون)، وبينما ينتمي هؤلاء إلى الجيش الإسرائيلي، تطوّعت (أندرسون) لاستخدام مهاراتها القانونية لتبييض جرائم إسرائيل.

ويأتي هذا الكشف بعد تحقيقات سابقة عن توغل جواسيس إسرائيليين سابقين في شركات التكنولوجيا الكبرى مثل (جوجل)، إذ يشير انتشارهم إلى سيطرة الأصوات الموالية لإسرائيل على الدولة الأمريكية.. أصوات تُنكر الإبادة بينما يُحرق الصحفيون في الخيام، وتُرفع جثث الرُضّع المشوّهين فوق أنقاض غزة، وتُشرعن المجاعة.

ويتساءل تقرير (جراي زون)، مع تقدم عصر الذكاء الاصطناعي، يُحدّد مستقبلنا أشخاص بنوا أنظمة مراقبة ساعدت في إبادة الفلسطينيين، فهل نسمح لهم بفرض رؤيتهم على العالم؟

في ذات السياق نقل موقع (دروب سايت) الأمريكي عن بيانات من شركة (ميتا) التي تملك تطبيق (فيسبوك) أن الحكومة الإسرائيلية شنت حملة قمع شاملة على منشورات في (إنستجرام) و(فيسبوك).

حيث أشار الموقع المتخصص في شؤون السياسة والحرب إلى استجابة شركة (ميتا) بنسبة 94 بالمئة لطلبات الإزالة الصادرة عن تل أبيب منذ السابع من أكتوبر 2023، كاشفاً نقلا عن وثائق وبيانات أن 95 بالمئة من طلبات إسرائيل تندرج تحت تصنيفات الإرهاب أو العنف والتحريض.

وأنها استهدفت المستخدمين من الدول العربية وذات الأغلبية المسلمة أساسا، ومؤكداً على إن شركة (ميتا) حذفت أكثر من 90 ألف منشور استجابة لطلبات إزالة المحتوى التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية.

جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !
زوّدت (مايكروسوفت) الجيش الإسرائيلي بخدمات حوسبة وتخزين بيانات إضافية

أنظمة (مايكروسوفت) لصالح الإبادة

تقارير الإعلام الأمريكي، تتفق في مجملها مع مضمون تقارير أخرى نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية وغربية، منها تقرير نشرته صحيفة (ذا جارديان) البريطانية في يناير 2025، عن اعتماد الجيش الإسرائيلي على تقنيات الحوسبة السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بـ (مايكروسوفت)، وزيادة معدلاتها بشكل ملحوظ خلال (حرب الإبادة) الجماعية بغزة.

ووفقاً لتقرير الصحيفة، زوّدت (مايكروسوفت) الجيش الإسرائيلي بخدمات حوسبة وتخزين بيانات إضافية بعد السابع من أكتوبر 2023، وأبرمت عقوداً بملايين الدولارات لتقديم آلاف الساعات من الدعم الفني.

وأشارت مصادر دفاعية إسرائيلية عدة في التقرير إلى أن الجيش أصبح يعتمد بشكل متزايد على شركات مثل (مايكروسوفت) و(أمازون) و(جوجل) لتحليل وتخزين كميات أكبر من البيانات والمعلومات الاستخبارية لفترات أطول.

كذلك ووفق تقرير نشرته وكالة (أسوشييتد برس) في 18 فبراير 2025، يستخدم الجيش الإسرائيلي منصة (مايكروسوفت أزور) لتجميع معلومات يُحصَل عليها عبر عمليات (مراقبة جماعية) تشمل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والصوتية التي تُحوّل إلى نصوص مترجمة.

وبحسب التقرير، فإن (مايكروسوفت أزور) تستخدم تقنيات البحث السريع عن مصطلحات محددة في كميات هائلة من النصوص، وهذه التقنية تتيح، على سبيل المثال، تحديد موقع أشخاص يوجه بعضهم البعض إلى أماكن معينة، عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية.

وفقاً لتقرير (أسوشييتد برس)، فقد ارتفع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفرها شركتا (مايكروسوفت) و(أوبن إيه آي)  في مارس 2024، بنحو 200 ضعف مقارنة بالفترة التي سبقت حرب إبادتها الجماعية بغزة.

كذلك زادت كمية البيانات المخزنة من قبل الجيش الإسرائيلي على خوادم (مايكروسوفت) إلى أكثر من 13.6 بيتابايت بين شهري مارس ويوليو 2024، أي ما يعادل الضعف مقارنة بالفترة السابقة.

فيما ارتفعت نسبة استخدام هذه الخوادم من قبل الجيش الإسرائيلي بنسبة قاربت الثلثين خلال الشهرين التاليين فقط لـ 7 أكتوبر 2023، وفق ذات المصدر.

من جهتها، قالت (هايدي خلاف)، وهى مسؤولة سابقة في (أوبن إيه آي)، إن هذه المعلومات أول تأكيد لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التجارية مباشرةً في عمليات حربية، وفق ما نقله التقرير.

جواسيس تل أبيب.. كلمة السر في (حرب الإبادة) على غزة !
قسم الحوسبة السحابية في شركة (جوجل) بدأ العمل مع الجيش الإسرائيلي مباشرة بعد 7 أكتوبر 2023

(جوجل) ودعم إسرائيل

كذلك وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) أن قسم الحوسبة السحابية في شركة (جوجل) بدأ العمل مع الجيش الإسرائيلي مباشرة بعد 7 أكتوبر 2023، ودخلت الشركة في سباق مع (أمازون) لتزويد إسرائيل بخدمات الذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى زيادة دعمها التكنولوجي لتل أبيب، وفق الصحيفة.

وفي إحدى الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة، أشار أحد موظفي (جوجل) إلى أهمية تلبية طلبات الجيش الإسرائيلي بسرعة، مبيّناً أن الجيش سيتحول إلى استخدام خدمات (أمازون) في حال تأخُّر (جوجل) في الاستجابة.

وفي وثيقة أخرى تعود إلى نوفمبر 2023، شكر موظف زميلًا له على تلبية طلبات الجيش الإسرائيلي، ليعود لاحقاً ويطلب منح الجيش (إمكانية وصول إضافية) إلى أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة لتلبية احتياجاته المتزايدة.

هذا وفصلت شركة (جوجل) 50 من موظفيها على خلفية مشاركتهم في احتجاجات دعت إلى قطع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي خلال (حرب الإبادة)، التي خلّفت، منذ 7أكتوبر 2023 وبدعم أمريكي مطلق، أكثر من 166 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

إجمالاً تظل (حرب الإبادة) في غزة كاشفة وفاضحة عن حالة التعاون المطلق بين الجيش الإسرائيلي والعشرات من المؤسسات الدولية خاصة الأمريكية التى لولها ما نجحت تل أبيب في مواصلة عدوانها على أهل غزة.. وللحديث بقية..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.