رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رسمي فتح الله يكتب: (رياض الخولي).. وجه الوطن حين يتكلم

كان يحمل ملامح البلد كما هى، بلا تجميل، بلا رتوش،  لذلك صدّقه الناس

بقلم الكاتب الصحفي: رسمي فتح الله

في زمنٍ تتبدل فيه الوجوه كل موسم، ويُصبغ الأداء بالزيف والصرخات، يبقى وجه (رياض الخولي) وحده كجدار طينيّ قديم، كوشمٍ على جبهة الأرض، لا يُمحى ولا يُقلَّد.

وجهه ليس ملامحًا فحسب، بل أرشيف وطن؛ فيه ملوحة العرق، ونعومة التراب، ووجع الفقراء حين يبتلعهم الليل بلا وعدٍ بالضوء.

ملامحه ليست للزينة، بل شهادة ميلاد للألم والكرامة معًا، لطبقة لا تملك إلا الصبر، وحلمًا مؤجلًا، وذاكرة لا تنام.

منذ أن خرج (رياض الخولي) من قلب المنوفية، من تلك التربة التي تُنبت الرجال لا (النجوم)، كان يشبه شيئًا قديمًا لا تجرؤ على تسميته.

كأنك تقف أمام جدارٍ عرف السر، أو تمثال لم يُنحت بيد، بل نبت من الأرض كالنخل.

كان يحمل ملامح البلد كما هى، بلا تجميل، بلا رتوش،  لذلك صدّقه الناس، حتى حين صمت، وربما صدقوه أكثر حين اختار أن لا يتكلم.

لم يكن يحلم بالبريق، لكنه حمل النور من الداخل، ومضى يُضيء أدواره بصمت لا يعرف الادعاء.

نبت (رياض الخولي) في المسرح، حيث لا مجال للهشاشة، وتعلّم هناك أن يكون للكلمة وزن، وللنظرة معنى، وللصوت ضمير.

تربى على النص، لا على الفلاش.. تعلم أن المسرح لا يكذب، وأن الجمهور يميز بين من يحيا الدور، ومن (يتقمّصه) لمجرد التصفيق.

(دياب) الذي لا يملك بندقية، لكن صوته وحده يربك السلاح
(رياض الخولي)في 0طيور الطلام)

دياب في (حدائق الشيطان)

(دياب) الذي لا يملك بندقية، لكن صوته وحده يربك السلاح، وملامحه تنطق بكلمة (كفى).. لم يكن يؤدي، بل كان يحيا الشخصية.

في عينيه، ترى تراب الجدود، وغصة الأم التي تنتظر ابنها من أرض الغياب، وانتفاضة فلاح يعرف أن الأرض لا تخون من يحبها.

وقف أمام (مندور أبو الدهب) – ذلك المارد الممسوس بالجبروت – كمن يواجه شيطانًا بمعجزة اسمها (الحق)، كان المشهد مواجهة بين وجهين: أحدهما مشبع بالقسوة، والآخر مشبع بالصبر، وكلٌّ منهما كان وطنًا بطريقته.

ثم جاء (جزيرة غمام)، فإذا به (عجميٌّ) من زمن الأولياء.. ليس عمدة، بل راعٍ لأرواح الناس، حارس للطمأنينة، وسدٌّ في وجه الغموض حين ينقلب إلى طوفان.

(خلدون والعايقة) مرّا كريح سموم، و(العجمي) ظل كالجبل: لا يصرخ، لا يهرب، فقط يقف، وفي وقفته حكاية أمة بأكملها، تستند على قيم كانت، وتقاوم النسيان بكل نبض.

في (طيور الظلام) كان الوجه الآخر للمأساة.. بين (فتحي نوفل) ورفاقه، كانت شخصيته تحفر سؤالًا موجعًا: من يملك هذا الوطن حين يتصارع المتطرف مع الفاسد؟

لم يكن (رياض الخولي) شخصية نمطية كما اعتادتها الشاشات، بل كائن من لحم ودم، يصلي وفي داخله عاصفة، يؤمن لكنه يتألم من التناقض.

كان الحضور مرًّا، لكنه صادق، يذكّرك أن الإنسان قد يحمل الخير والشر معًا، وأن الطهر لا يعني الغباء.

في (حكيم باشا) دخل (لرياض الخولي) خزانة الوطن المغلقة

خزانة الوطن المغلقة

وفي (حكيم باشا) دخل (لرياض الخولي) خزانة الوطن المغلقة.. تاجر آثار؟ نعم، لكن ليس لصًا عاديًا.. بل رجل يعانق الخطر بحذر العارف، يسرق وهو يبكي على المسروق، رماديٌّ حتى في سواده، يشبه الحقيقة حين ترفض أن تُصنَّف.

وراء كل مشهد كان هناك سؤال، وكل نظرة كانت تحتمل حكاية، وكل حكاية، كانت بدورها مرآة لوطن لا يزال يبحث عن صورته المفقودة.

وراء كل دور، هناك رجل لم يتنازل عن صمته، لم يهرول (رياض الخولي) خلف كاميرا، ولم يشترِ مجدًا بصورة أو تصدُّر (ترند).. ترك المجد يأتيه طائعًا، كما تأتي القصائد لقلوب من لا يكتبون.

(رياض الخولي) لم يكن نجمًا من ورق، بل نجمًا من طين

نجم من طين الأرض

ابن المسرح، ابن السطر المدروس والنَفَس المحسوب.. هناك، تحت أضواء الحقيقة، تعلّم كيف يخرج من الجملة نارًا أو دمعة، كيف يُربك النص بحضوره دون أن يتكلم.

(رياض الخولي) لم يكن نجمًا من ورق، بل نجمًا من طين، نبت في الحقول وسار إلى المدينة لا ليغزوها، بل ليذكّرها بما نسيت.. إنه ليس ممثلًا فقط، بل نداء داخلي، صدى لرعشة أبٍ فقد ابنه، ونبضة وطن تاه بين الأحلام المؤجلة.

في صوته قَسمٌ قديم، وفي مشيته ظل شهيد لم يُودَّع.. في وقوفه على الشاشة تذكير بأن التمثيل ليس صراخًا، بل استحضار لحقيقة مغموسة في تراب الناس.

إنه ليس مجرد اسم، بل وعدُ الإبداع حين لا يفسده الزيف، وإنسان حين نبحث عن معنى الإنسان في زمن التمثيل الفارغ.

(رياض الخولي) هو مرآة الزمن الشريف، ومنديل الوداع الذي نحمله دون أن ندري لمن سنلوّح به.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.