
بقلم الإذاعي: شريف عبد الوهاب *
عندما بدأت الحلقة الأولى من مسلسل (وتقابل حبيب)، بطولة الفنانة (ياسمين عبد العزيز)، تسلّل إلى أذهان كثير من المشاهدين – وأنا منهم – ذلك الإحساس بأننا على أعتاب تجربة درامية تشبه، وربما تكمل، مسلسل (ونحب تاني ليه؟).
فالخيوط بدت متشابهة للوهلة الأولى: قصة عن الحب، وبطلة أنثى في صراع مع واقعها العاطفي، ونفس الكاتب (عمرو محمود ياسين)، وحتى البطل نفسه (كريم فهمي)، عاد ليقف أمام (ياسمين عبد العزيز) كما فعل في التجربة السابقة.
لكن شيئاً فشيئاً، بدأت الملامح تتضح، والخطوط تتباعد، والاختلاف يتجلى في العمق، لا في الشكل فقط، وهنا كانت المفاجأة، الكاتب (عمرو محمود ياسين)، بخبرة ناضجة وذكاء لافت، نجح في أن ينسج حكاية جديدة، وأن يدخل من باب مختلف تماماً إلى عوالم الحب.
لم يعتمد على الاستنساخ أو التكرار، بل اختار أن يحلّق في فضاء آخر، حيث يصبح الحب مرآة لصراعات السلطة، المال، النفوذ، والمؤامرات، لا مجرد لحظة رومانسية تحت المطر.
(ونقابل حبيب) ليس استكمالًا لـ (ونحب تاني ليه؟)، بل هو نقض ضمني له، أو لنقل، إعادة صياغة لفكرة الحب في زمن معقّد، بينما تناول الأول قصة امرأة تبحث عن ذاتها وسط علاقة زواج فاشلة، وتنتصر للحب كقيمة إنسانية عليا، نرى الثاني يذهب بنا إلى أعماق أكثر قتامة، حيث يصبح الحب مشروعًا محفوفًا بالمخاطر، مشروعًا قابلًا للانكسار تحت وقع المصالح والقسوة البشرية.
وسط هذا العالم، تقف (ياسمين عبد العزيز)، التي كان عليها أن تخوض معركة مزدوجة: الأولى مع الشخصية التي تؤديها، والثانية – والأصعب – مع ظل الشخصية السابقة التي لا تزال عالقة في أذهان الجمهور.
ففي (ونحب تاني ليه؟) كانت (غالية)، امرأة بسيطة، مترددة، تحمل ملامح المرأة الرومانسية الكلاسيكية، أما في (وتقابل حبيب) فهي (ليل)، امرأة أكثر تعقيدًا، تحمل في داخلها هشاشة الأم، وجبروت الأنثى التي تحارب من أجل البقاء.

حجم تحدي (ياسمين عبد العزيز)
منذ اللحظة الأولى، تدرك (ياسمين عبد العزيز) حجم التحدي، كان لزامًا عليها أن تنسف أي تشابه بين (غالية) و(ليل)، لا بالشكل فقط، بل بالبنية النفسية العميقة للشخصية.
وهنا كان امتحان الأداء الحقيقي، الذي خاضته بنضج وتمكّن، فقد استطاعت أن تخلق شخصية مستقلة تمامًا، لها حضورها المختلف، وتفاصيلها الدقيقة، بل وحتى نظرات عينيها التي اختزلت مشاعر مركّبة من الخوف، الغضب، الحيرة، والإصرار.
في أحد المشاهد المفصلية، تقول (ليل) بصوت منكسر لكنه حاد: (أنا ماكنتش بدور على حب.. أنا كنت بدور على أمان.. كنت عايزة حد لما الدنيا تضربني، يقف جنبي مش يكمل عليّ، بس شكلي كنت بحلم.. والحلم دا كان غالي قوي، ودفعته من روحي قبل قلبي).
هذا الاقتباس يلخّص كل ما يمكن قوله عن (ليل).. امرأة لا تبحث عن قصة رومانسية بقدر ما تبحث عن طوق نجاة، وقد كانت (ياسمين عبد العزيز) موفّقة إلى أقصى حد في نقل هذه الحالة المعقّدة، المتأرجحة بين الأمل واليأس، بين الانكسار والانفجار
(ليل) ليست امرأة عادية، إنها تجسيد حقيقي للأنثى التي لا تملك رفاهية الاختيار.. مستكينة في ظاهرها، لكنها في العمق وحشٌ كاسر حين يتعلق الأمر ببناتها أو كرامتها. ومع أن الدور يقترب من الميلودراما أحيانًا، إلا أن (ياسمين عبد العزيز) كانت تعرف متى ترفع منسوب الأداء، ومتى تهدأ لتترك للمشاعر أن تتكلم بصمت.
الأداء هنا لم يكن بالانفعال أو الحدة، بل كان بالجسد، بالنظرة، وبالسكوت.. وأظن أن من أجمل ما قدمته (ياسمين عبد العزيز) في هذا العمل، هو اعتمادها على لغة الجسد كأداة تعبيرية راقية.. تلك اللحظات التي كانت تنظر فيها إلى فراغ ما، وكأنها تفتش عن ذاتها وسط الضجيج، كانت أبلغ من ألف حوار.
على صعيد آخر، يمكن القول إن النضج الفني لـ (ياسمين عبد العزيز) بلغ مرحلة تجعلها تؤدي أصعب الأدوار دون افتعال.. لم تعد بحاجة إلى أن تصرخ لتُسمع، أو أن تبكي لتُقنع.. هى الآن تعرف تمامًا كيف تمسك بخيوط الشخصية، وكيف توازن بين القوة والضعف، وبين الانكسار والمواجهة.

أداء ياسمين في (ونقابل حبيب)
لذا، فإن أداءها في (ونقابل حبيب) ليس مجرد نجاح آخر يُضاف إلى رصيدها، بل هو تأكيد على أنها أصبحت من النجمات القلائل القادرات على حمل عمل درامي ثقيل على أكتافهن، دون أن يشعر المشاهد لحظة بأنها تؤدي أو تتصنّع.
ولا يمكن أن نغفل هنا البراعة التي أدار بها (عمرو محمود ياسين) خيوط الحكاية، فلقد قرأ جيدًا وعي الجمهور، وعرف أنه لن يرضى بتكرار، ولا بنسخة جديدة من (ونحب تاني ليه؟).
ولذلك أضاف أبعادًا جديدة للشخصيات، أدخلنا في أجواء من الغموض والتشويق، وربط الحب بمساحات أخرى من الصراع الإنساني، مما أضفى على العمل طابعًا خاصًا ومتفردًا.
أما (كريم فهمي)، فقد كان حضوره متقنًا، لكنه كان يدور في فلك (ليل)، يكمّلها لا يزاحمها.. فالحكاية هنا، رغم تنوّع خيوطها، هي في جوهرها حكاية امرأة تصارع من أجل الحب، من أجل الحق، ومن أجل البقاء.
في النهاية: يمكن القول إن (ياسمين عبد العزيز)، في تجربتها هذه، لم تُقنع الجمهور فقط بأنها (ليل) لا (غالية) بل أقنعت نفسها أولًا، وانتزعت الإعجاب بجدارة.
ولعلها المرشحة الأبرز – وعن استحقاق – لأن تكون صاحبة أفضل أداء نسائي في دراما رمضان، ليس فقط لما قدّمته من احتراف، بل لأنها دخلت القلوب هذه المرة، كما دخلتها في السابق، لكن دون استئذان، ودون أن تتكئ على نجاح قديم أو حب محفوظ سلفًا في وجدان الجمهور.
* رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب – كاتب درامي