رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: الدراما العربية و(الأدب التمثيلي) العربي (2:2)

السيرة الهلالية مرجع كبير لما يسمى (الأدب التمثيلي)

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

في الحلقة السابقة قلنا أنه كان للعرب فنونهم في (الأدب التمثيلي) الأدائي، التي لم تحظى بالدراسة المتأنية، من قبل حركة النقد العربي الأدبي، ولم تصنف على أنها فنون مسرحية، نظرنا لوضع القواعد التي وضعها (أرسطو) في مؤلفه فن الشعر، ونظريته الفلسفية المحاكاة، قد وضعت كمقياس لنقد الفنون الأدبية الأدائية المسرحية، واليوم نستكمل قصة (الأدب التمثيلي) الأدائي.

سادسًا: الدلالة الأدائية التمثيلية:

وهذه الدلالة ترتبط بظهور الشخص على حالة غير حالته أي حالة ممثلة، ونجد هذا في التنزيل العزيز، قال تعالى: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) [1])، أي تمثل لها على الصورة البشرية وليست الملائكية، حتى تأنس لتلك الصورة التي تدركها حواسها وذهنها وشعورها.

وإذا نظرنا إلى الأداء البشري من خلال مايسمى (الأدب التمثيلي)، فسوف نجد دلالة لغوية لمعنى الممثل إذ جاءت في معجم اللغة العربية المعاصرة بمعنى أن  الممثل (مفرد): اسم فاعل من مثّل.. (فن) من يزاول مهنة التمثيل على المسرح أو السينما أو التليفزيون، أي أن الممثل هو من يقوم بدور تمثيلي كشخص يقوم بتمثيل دور أمير أو أي دور آخر، ويتقمص هذا الدور كأنه هو الفاعل لهذه الشخصية.

وتلك هي الأسس التي بنيت عليها فنون التمثيل في الحياة العربية عبر  (الأدب التمثيلي)، والتي استوعبها فناني العرب، وساروا على نهجها، في إنتاج الأعمال الأدبية التمثيلية العربية، وقبل أن نسوق المثال التطبيقي لتلك النظرية، ننوه بأن القواعد، من حبكة، وشخصية، وصراع إلخ موجود في النصوص الأدبية التمثيلية العربية.

وندلل بنموذج من (الأدب التمثيلي) العربي، فلا توجد نظرية أو مفهوم بدون تطبيق، ونتخذ جزء من السيرة الهلالية لتوضيح الجانب التطبيقي للأدب التمثيلي العربي (الدراما العربية )، كما وضحناه في نظرية فن التمثيل العربي.

دأب الباحثون العرب على دراسة  السيرة الهلالية من زاوية الأدب الشعبي

السيرة الهلالية: جزء من ديوان المواليد:

دأب الباحثون العرب على دراسة  السيرة الهلالية من زاوية الأدب الشعبي، وكانت نتيجة تلك الدراسات جمع نصوص السيرة الهلالية من الشعراء الشعبيين، وتقديم بعض الشروحات حول تاريخ القبائل الهلالية، و هذا ما يؤخذ على الدراسات الأدبية لفن السيرة، فهي لم تقدم مفهوماً حول أشعار السيرة، وإلى أي نوع من أنواع الشعر تنتمي؟

وهذا ناتج عن إهمال الدراسات الأدبية العربية لمفهوم فن التمثيل العربي ونظريته ونتج عن عدم التصنيف لأشعار السيرة وعدم الاهتمام بعرضها المسرحي غياب المفهوم المسرحي لدراسات السيرة الهلالية.

ولذلك نحدد أشعار السيرة بأنها نصوص أدبية شعرية تمثيلية فالشعر التمثيلي هو أن يعد الشاعر لتصوير واقع الشخصيات وأن ينطق بلسان حالهم، وفي هذا الجزء من ديوان المواليد، نرى شخصيات أبطال العمال وهم ( رزق بن نايل ، الملك سرحان ، خضرة الشريفة ، الخادم نجاح ، الخادمة سعيدة ، القاضي بدير ، عزجل أخو رزق.. إلخ.

وحوار هؤلاء  الشخصيات هو الشعر:        

نجاح: وجال يا شريفة

يا ستي سيدي باعتني عاوز الغلام

يسميه والجمع حاضر

علشان يعرفه الجميع بنظام

والكل حاضر وناظر

الشريفة: فجالت الشريفه

خضرة: وما يسمهوش وهو معايا هنا ليه

صغير ما عليه ملامة

ومين اللي جال على الراي ده ليه

من الله نرجو السلامة

جالوا لها النساء

نساء: يا خضرة يا نور العين

يا حرة ومن أصل طايل

أصل دي عادة عند العرب وعارفين

بيسموا الولد بين الجبايل ([2]

هذا النوع من النصوص له حبكة معينة

الحبكة:

الحبكة الخاصة بالسيرة الهلالية ليست خاصة فقط ببناء الأحداث وترابطها، ولكن هذا النوع من النصوص له حبكة معينة، إذ تلك الحبكة  تعتمد على دمج جميع عناصر العمل الفني بداخلها، بمعنى أنها تصور وتمثل جميع العناصر الذي يشملها عرض السيرة الهلالية، فإذا كانت الحبكة في المسرحية الكلاسيكية تختص ببناء الأحداث وظهور الشخصيات وتصوير الصراع القائم بين تلك الشخصيات، فإن حبكة السيرة نجد بها ذلك أيضا.

ولكن بجانب ذلك فإنها تحوي تصوير وتمثيل بقية العناصر المسرحية من ديكور، وإضاءة، وملابس، ومكان.. إلخ، إذ هى حبكة معدة لكي يمثلها ممثل فرد والممثل يمثل هذه الاشياء أيضا للمُشاهِد أثناء تمثيله للسيرة، ونضرب مثلا على ذلك:

جربوا على وادي بني عقيل

كانت الدنيا بكيت ليإلى

والحمل على الكتف تجيل

لطيفنا يا مولي الموإلى

فنادت خضرة فيها تجول

يا سعيدة هنا دلي بينا

سيرنا بالليل ده غير معقول

رب العرش ينظر علىنا

وفي جبال دلوا رحيلهم

خضرة دي عاقلة وفهيمة

مع دول شرد ورحيلهم

بين الجبل نصبولي خيمة

نصبت خيمة بعمدان

من الخيش أو صوف حاضر (*)

الزمن الذي يدور فيه الحدث ليلا، والمكان الصحراء بين الجبال

الزمن الذي يدور فيه الحدث

ومن هذا المثل نرى أن الزمن الذي يدور فيه الحدث ليلا، والمكان الصحراء بين الجبال، ونرى تمثيل نصب الخيمة ( أي بنائها )، حتى أن الممثل الشاعر اهتم بتفاصيل المادة التي سوف تنصب منها الخيمة، وهي قماش من الخيش أو الصوف، وذلك دلالة على أن (خضرة) امتلكت ثروة بها جميع أصناف الأقمشة.

وهذا دلالة على ثراء ما حصلت عليه من رزق بن نايل، وفي هذا المثال نلحظ أن الشاعر قام بتطبيق النظرية التمثيلية العربية داخل الحبكة التمثيلية فقال بتمثيل (الزمان والمكان) (الوصف الدقيق للحركة المسرحية)، (الوصف الدقيق للديكور المسرحي في بناء الخيمة في الصحراء).

فكل عناصر العرض المسرحي دمجها داخل الحبكة المسرحية تصويرًا تمثيليًا، هذا بالإضافة إلي الصراع الدائر بين شخصيات العمل حول نسب الطفل (أبو زيد) واتهام (خضرة الشريفة) بأنها أتت بها من عبد، وليس من أبيه رزق بن نايل.

وننوه هنا أن تلك الحبكة عند إدائها في صورة عرض مسرحي، فإن كل هذا الوصف الدقيق يعتمد فيه الشاعر على دور ذهن المشاهد في تخيل العمل المسرحي ولهذا أطلقنا على هذه النوع من التمثيل مصطلح المسرحة الذهنية.

وهذا لأن المسرح العربي يعتمد على المشاركة بين الفنان وشاعر السيرة الممثل الفرد، وعلى الجمهور أن يشارك بخياله، في العمل المؤدي، وهنا تحدث المتعة الجمالية، إذ أن شاعر السيرة يمثل السيرة الهلالية تمثيل حسي وجداني معتمدا على الوجدان الحسي للجمهور.

وهكذا تعرفنا باقتضاب على  نظرية الدراما العربية، في محاولة لإبرازها، وننوه بأن (السيرة الهلالية)، ليست الشكل الدرامي الوحيد، فيوجد فن القص (الصييت)، وفرق المحبظين، ومسرح العرائس، وجميع هذه الأشكال عربية خالصة، تتبع في إنتاجها نظرية التمثيل العربي فيما يسمى (الأدب التمثيلي).

……………………………………………………………………..

([1]) القرآن الكريم ، سورة مريم ، من الآية 17

([2]) مادة ميدانية –  الشاعر عز الدين نصر الدين –  أسيوط – 2006 .

(*) مادة ميدانية –  الشاعر عز الدين نصر الدين –  اسيوط – 2006 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.