رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عيد الوهاب يكتب: (الدراما) بين التوثيق والغياب عن المشهد

شريف عيد الوهاب يكتب: (الدراما) بين التوثيق والغياب عن المشهد
الوطن ليس فقط حدودًا جغرافية، بل هو حياة الناس اليومية كما ينبغي أن تعكسه الدراما

بقلم الإعلامي: شريف عبد الوهاب

(الدراما) ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي مرآة تعكس الواقع الذي يعيشه المجتمع، تجسد همومه، وتوثق لحظاته الحاسمة، وعندما تبتعد (الدراما) عن قضايا الوطن الجوهرية، تفقد جزءًا من دورها التوعوي والتوثيقي.

فالوطن ليس فقط حدودًا جغرافية، بل هو حياة الناس اليومية، هو البحث عن لقمة العيش، هو النضال من أجل الكرامة، وهو مواجهة الحياة بشرف رغم الصعوبات.

الدراما كنافذة على هموم الوطن

على مدار التاريخ، لعبت (الدراما) دورًا بارزًا في تسليط الضوء على القضايا الوطنية، مثل الصراعات السياسية والاجتماعية، ومشكلات الفقر والبطالة، والنضال من أجل الاستقلال، وحتى الأزمات الاقتصادية والثقافية.

فالأعمال الدرامية التي تقترب من الواقع وتلامس هموم المواطن البسيط تتمكن من التأثير في وجدان الجماهير وتشكيل وعيهم. لكن، مع مرور الوقت، بدأ هذا الدور في التراجع، وأصبحت الدراما تميل إلى العوالم المصطنعة والموضوعات الاستهلاكية التي تغفل قضايا المواطن الحقيقية.

أحداث سياسية واجتماعية افتقدتها الدراما

رغم أهمية (الدراما) كأداة توثيقية، إلا أنها أغفلت العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية المهمة التي أثرت على المجتمع المصري والعربي.

  • قدوم السوريين والسودانيين واليمنيين إلى مصر

شهدت مصر خلال السنوات الماضية توافد أعداد كبيرة من الأشقاء العرب من سوريا والسودان واليمن، الذين اندمجوا في المجتمع المصري وساهموا في مختلف المجالات.

هذه الظاهرة الاجتماعية المهمة لم تحظَ بتناول درامي عميق، رغم أنها تمثل نموذجًا فريدًا في التلاحم العربي والتعايش المشترك. كيف تعامل المصريون مع اللاجئين؟ كيف اندمج هؤلاء في المجتمع؟ ما التحديات التي واجهوها؟ كلها أسئلة تستحق أن تُرصدها (الدراما).

  • أثر التغيرات الاقتصادية على المواطن البسيط

رغم أن المسلسلات تتناول الفقر أحيانًا، فإنها غالبًا ما تطرحه من منظور درامي تقليدي لا يلامس التفاصيل الحقيقية لمعاناة المواطن، كيف يواجه الأب ارتفاع الأسعار؟ كيف تحاول الأم توفير احتياجات الأسرة بميزانية محدودة؟ أين الأعمال التي ترصد الصراع اليومي للمواطن مع متطلبات الحياة؟

  • أزمة الهوية والانتماء بين الشباب

في ظل التطور التكنولوجي والانفتاح الإعلامي، باتت هناك فجوة بين الأجيال فيما يتعلق بالهوية والانتماء، لم نرَ أعمالًا درامية تناقش تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على وعي الشباب، أو كيف يمكن للدراما أن تساهم في ترسيخ الهوية الوطنية في ظل التغيرات السريعة.

  • نماذج درامية جسدت هموم الوطن

رغم الغياب الحالي لبعض القضايا المهمة، قدمت (الدراما) المصرية في الماضي أعمالًا خلدت معاناة المواطن وقضايا الوطن، مثل:

شريف عيد الوهاب يكتب: (الدراما) بين التوثيق والغياب عن المشهد
ليالي الحلمية
شريف عيد الوهاب يكتب: (الدراما) بين التوثيق والغياب عن المشهد
رأفت الهجان

ليالي الحلمية (1987-1995)

تناول المسلسل التحولات السياسية والاجتماعية في مصر خلال القرن العشرين، وقدم تأريخًا بصريًا للمجتمع المصري وتغيراته الاقتصادية والثقافية.

رأفت الهجان  (1988-1994)

جسد المسلسل قصة وطنية تتعلق بالمخابرات المصرية، وسلط الضوء على النضال الوطني في الصراع الاستخباراتي.

لن أعيش في جلباب أبي (1996)

تناول العمل كفاح رجل الأعمال العصامي وكيفية بناء الذات من الصفر وسط تحديات الواقع الاجتماعي والاقتصادي.

الاختيار  (2020-2023)

تناولت هذه السلسلة بطولات رجال القوات المسلحة والشرطة في مواجهة الإرهاب، ولعبت دورًا كبيرًا في ترسيخ مشاعر الوطنية والفخر.

تشكيل الوعي الوطني

عندما تتناول (الدراما) هموم الوطن بعمق وصدق، فإنها تساهم في تثقيف الأجيال القادمة وربطهم بتاريخهم وهويتهم، كما أن الأعمال التي توثق البطولات الوطنية تعزز مشاعر الفخر والانتماء، ما يجعل الدراما أداة ثقافية مهمة تتجاوز حدود الترفيه.

الدراما بين الواقع والترفيه

قد يعتقد البعض أن (الدراما) الوطنية تقتصر على الأعمال الجادة والتاريخية، لكن الحقيقة أن أي دراما يمكن أن تحمل رسالة وطنية حتى لو كانت في إطار درامي مشوق أو ترفيهي. الأهم هو أن تقدم الدراما صورة حقيقية عن المجتمع، تعكس همومه وتطلعاته، بدلًا من التركيز على قضايا سطحية أو مفاهيم مغلوطة قد تؤثر سلبًا على وعي الجمهور.

الخاتمة

(الدراما) التي ترتبط بهموم الوطن تصبح جزءًا من تاريخه وتراثه، فهي توثق المراحل الحاسمة وتسلط الضوء على القضايا الجوهرية، وعندما تتبنى الدراما قضايا وطنها بصدق، فإنها لا تكتفي بإمتاع المشاهد، بل تسهم في بناء وعيه وإحياء روحه الوطنية.

ويبقى السؤال: هل تواكب الدراما العربية اليوم هموم أوطانها، أم أنها باتت تنجرف نحو الاهتمامات التجارية والترفيهية على حساب القضايا الجوهرية؟

* رئيس الشعبة العامة للإذاعيين العرب – كاتب درامي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.