بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
المشاركة الوجدانية بين (الممثل) والجمهور، قاعدة أساسية يرتكز عليها فن التمثيل، فبدون تلك المشاركة يفقد الفن التمثيلي تأثيراته الجمالية، ويصبح الموضوع قابل للرفض أو الاستحسان، وهذا يحدث في حال عرض عمل تمثيلي لا يخص مجتمع ما.
ونسوق مثال من الماضي، كمسرحية (أوديب ، إذا تم عرضها في مصر القديمة، فهل سيهتم الجمهور بمشاهدتها، وفرضنا أن الجمهور شاهدها، هل سينفعل وجدانيا بها؟
وفي المقابل يقام عرض (الأسرار) المصري القديم، في نفس التوقيت، ماذا سيحدث، بالطبع سوف ينصرف الجمهور إلي عرض الأسرار وهذا راجع إلى ارتباطه بوجدانه النفسي، أما عرض (أوديب) سيكون بالنسبة له فرجة لا أكثر، قد تنال الاستحسان أو الرفض.
وعند ذلك سوف يخرج (الممثل) ليتعرف على رأى الجمهور في تمثيله، بينما في عرض الأسرار سوف يكون الوضع مختلف، وذلك لوجود تلاحم بين الفنان (الممثل) المصري، والجمهور المصري المشاهد.
وهذا راجع إلى وجود علاقة وجدانية بين الطرفين، يحقق بها الممثل ما في خيال الجمهور، ولذلك يتدرب الممثل على الحضور الوجداني ليحدث التلاحم بينه وبين جمهوره، بعكس الممثل الذي يمثل أوديب.
فقصة (أوديب)، غريبة عن المجتمع المصري القديم، ولا تتفق مع فكره المعرفي، وعندما يقدمها (الممثل)، يحاول أن يجد طريقة أدائية وليست وجدانية، وهذا راجع إلى عدم معرفته بالمجتمع اليوناني معرفه شمولية (ثقافية).
كما أن الجمهور لا يعرف الثقافة اليونانية معرفة شمولية، ولكن في حالة العروض المصرية سوف يكون (الممثل) المصري على معرفة شمولية بالثقافة المصرية وأيضا الجمهور، ولذلك يستحضر الممثل في تلك العروض الوجدان الخاص بالمسرحية وبأحداثها.
كيفية تدريب (الممثل) المصري
ونضرب بعض الأمثلة عن هذه الطريقة التمثيلية، وكيفية تدريب (الممثل) المصري القديم عليها، من خلال لوحة الممثل المصري القديم (أي – خر – نوفرت – Kher- nofre I)، والتي احتوت على وصف لما كان يمثله ، ويقول:
(لقد مثلث ظهور آب – وات ap-uat حينما خرج ليدافع عن أبيه… وقد رددت العدو على عقبيه من زورق نشمتneshmet … وقهرت أعداء أوزيريس… وقمت بتمثيل (القوة الجبارة) وتتبعت الإله في كل خطواته.. وأنا الذي زورق الإله (يتحرك).
وهكذا حتى يصل إلى الذروة العليا فيقول: (وأنا الذي جعلته (أي أوزوريس) يقوم في الزورق الذي يحمل جماله، وجعلت قلوب سكان الشرق تمتلئ بالغبطة، كما جعلت المسرة بين سكان الغرب، وذلك عندما رأوا الجمال وهو نازل في أبيدوس، جالبا أوزوريس حنتي – أمنتي khenti amenti ، رب أبيدوس، إلى قصره).
ومن أقوله أنه مثل أكثر من شخصية، أولها آب – وات: وهى شخصية تعد مرشدة للآلهة، وتظهر في صورة ابن آوى (قناع)، ويسمى بفاتح الطرق ومرشد للآلهة، ولكي يقوم بتمثيل هذه الشخصية فقد قام بعدة تدريبات (خاصة أنها مقنعة) فهو هنا استحضر الوجداني الجماهيري في تصوره لهذه الشخصية، كما هى في خيالهم وتصوراتهم.
وعمل على إثارة الجمهور انفعاليا، خاصة أوقات المعارك، ولكي يتدرب على هذا الحضور فعليه معايشة هذه الشخصية معايشة وجدانية، منذ أن وجددت ليشر بما في نفس هذه الشخصية، من تعاملها مع شخصيات النص، فيستحضر وجدانها.
والوجدان كما هو معروف هو: مجموع الانفعالات والأحاسيس والعواطف، والميول التي يتأثر بها الشخص، فهو يدرس الشخصية من وجدانها، وليس من خلال أبعادها الثلاثة (كما يفعل البعض).
وفي هذه الطريقة يستحضر (الممثل) في خياله كل ما ممر بهذه الشخصية منذ طفولتها، مركزا على الجانب الوجداني الخاص بها، فيرى بيئته الشخصية الاجتماعية والتعليمية.. إلخ).
وعند تدريبه على هذا سوف يصل إلى الأبعاد المادية والاجتماعية والنفسية ولن يحتاج إلى تدريبات ذاكرة انفعالية أو الحظة الانفعالية، وعند تمثيل الشخصية سوف يلتحم بوجدان الجمهور، ويخرج الجمهور من حالة المشاهدة إلى حالة المشاركة الفعلية مع الممثل (معبرا بانفعالاته على الحالة التي يمثلها الممثل).
بين (الممثل)، والجمهور
وينتج عن هذا كسر الحواجز بين (الممثل)، والجمهور، ويصير العرض حالة وجدانية، مما يحث المتعة الجمالية لكلا الطرفين من الممثلين، ومن الجماهير.
وهذه الطريقة موجودة عند الممثلين الذين يقومون بتمثيل شخصيات أخرى من شخصيات المسرح المصري القديم ونسوق مثال من شخصية أوزيريس، فكما جاء في الأسطورة أنه كان يحب الجلوس تحت شجرة الجميز، كما كانت تفعل أمه نوت.
و(الممثل) الذي سوف يمثل هذه الشخصية لابد أن يستحضر التأثر الوجداني الذي يقع على أوزيريس عند جلوسه تحت شجرة الجميز، فالشجرة لها عواطف وجدانية داخل الشخصية، فلا معنى إلى جلوسه تحت هذه الشجرة بدون ظهور تأثيريها الوجداني عليه.
وفي النهاية ننوه بأن العروض التي تحقق نجاحات حقيقية هة المرتبطة، بالوجدان الجماهيري المتشعب، وليست المنقولة من أوروبا أو غيرها، وهذا راجع إلى تأثر الممثلين والجماهير بثقافتهم.
ونضرب مثلا من السينما المصرية عن هذه الطريقة عبر فيلم (الزوجة الثانية)، ونشاهد الأبطال ( شكري سرحان ) لقد مثل الشخصية وجدانيا، فكانت انفعالاته في لحظات الطلاق، يظهر فيها المغلوب على أمره المقهور بإيماءات وإشارات.
وطبقة صوتية (فلم يصرخ ويهول) لا بل استحضر الوجدان الشعبي المرتبط بوجدان الجمهور، وكان باقي أبطال الفيلم على نفس الدرجة من التمثيل، وحقق العمل نجاح باهر.
وبهذا نكون قد أوضحنا مفردة من تدريبات (الممثل) في مصر القديمة والحديثة، والتي لم تذكر أو يشار إليها، في دراسة علم فن التمثيل