بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
تخبرنا البرديات عن شخصية (نفتيس)، وتظهر في التاسوع المصري القديم واحدة من أفراده، فهى ابنة جب ونوت، وأخت لإيزيس وأوزيريس وست، وقد تزوجت من أخيها ست، عدو أوزيريس، والمتصارع معه على ملك مصر.
وهى شخصية ظهرت في المسرح المصري القديم، ولكن ظهورها قليل ويرتبط دائما بإيزيس أختها، وأسمها في المصرية القديمة (نبت حوت) وترجمتها الحرفية ( (سيدة البيت)، وفي اليونانية يطلقون عليها (نفتيس).
وقد ظهرت في المعتقدات المصرية القديمة في متون الأهرام، ظهرت (نفتيس) كإلهة للتاسع الخاص بهليوبوليس، وهى وفق المعتقد المصري القديم إلهة حامية ترمز إلى تجربة الموت، تمامًا كما مثلت (إيزيس) تجربة الولادة.
وعرفت (نفتيس) في بعض كتابات المعابد المصرية القديمة وعلم الكونيات باسم (الإلهة المساعدة)، وتصفها نصوص المعابد المصرية القديمة المتأخرة بأنها إلهة تمثل المساعدة الإلهية والحراسة الوقاية، وهي أم أنوبيس (إنبو).
وعلى الرغم من اعتبارها عادة خالة (حورس)، إلا أنها غالبًا ما تظهر كأمه، باعتبارها (الأم المرضعة) الأساسية للإله الفرعوني المتجسد (حورس)، وقد اعتُبرت أيضًا ممرضة الفرعون الحاكم نفسه.
كما أن الأم (نفتيس) كانت مسار إعجاب فراعنة الدولة الحديثة من الرعامسة، كما هو موثق في العديد من الشواهد والنقوش في الكرنك والأقصر، حيث كانت (نفتيس) عضوًا في تاسوع تلك المدينة العظيمة وكانت مذابحها موجودة في المجمع الضخم.
وتقترن (نفتيس) بأختها (إيزيس) في الطقوس الجنائزية بسبب دورهما كحماة للمومياء والإله أوزيريس وباعتبارها زوجة ست، وعلى الرغم من أن (نفتيس) لم تكن معروفة جيدًا مثل أختها إيزيس، إلا أنها لم تكن أقل أهمية في الدين المصري القديم ، ونجد في نصوص الأهرام فقرات تدل على ارتباط الأختين مثال:
(اصعد وانزل؛ انزل مع نفتيس،
واغرق في الظلام مع مركب الليل.
اصعد وانزل؛ اصعد مع إيزيس،
وانهض مع مركب النهار).
(نفتيس) امرأة بأجنحة صقر
فهي على ما يبدو ازدواج لها، أو بالأحرى شقها الآخر الباطني، وغالبًا يتم تصوير (نفتيس) على أنها امرأة بأجنحة صقر وعادة ما تكون ممدودة كرمز للحماية، وفي البرديات فإن (نفتيس) هي التي ساعدت (إيزيس) في جمع أجزاء جسد (أوزيريس) الممزقة بعد مقتله على يد (ست) الحاسد.
كما عملت (نفتيس) كمربية وحارسة للطفل (حورس)، وتشير نصوص الأهرام إلى إيزيس باعتبارها (الأم المولود منها حورس)، وإلى (نفتيس) باعتبارها (الأم المرضعة) لحورس.
وتظهر (نفتيس) في المسرح المصري القديم كشخصية تمثيلية، بجوار أختها إيزيس، ونجد هذا في بردية برلين (رقم 1425) التي تصف مشهد إخراجي لمسرحية الأسرار.
وقد جاء فيها هذا النص (تختار امرأتين ممشوقتين القد، وتجلسان على الأرض قدام البوابة الأولى للقاعة الواسعة، ويُكتَب على منكب إحداهما: (إيزيس)، وعلى منكب الأخرى (نفتيس)، ويوضع في اليد اليمنى لكلتيهما إبريق من القشاني قد مُلِئَ بالماء، كما يوضع في اليد اليسرى لكلتيهما (أرغفة خبز).
ولكن في بردية المتحف البريطاني رقم ( 10188) نجد أن النص يشير إلى الغناء، وهذا ما نجده في النص بحيث تختار فتاتين طاهرتي الجسد قد حف شعر جسميهما وزين رأسيهما بشعر مستعار (باروكة).
وتمسك كلتاهما بدف في يديهما وقد كتب اسماهما على منكبيهما – كما ذكر آنفاً – الأولى (إيزيس) والثانية (نفتيس)، وتغنيان مقطوعة هذه الكراسة في حضرة الإله، وأهم ما في هذه البردية أنها تشير إلى مهرجان مسرحي غنائي.
فهذا النص يشير إلي إخراج هذا العمل الذي يرتبط باحتفال أو مهرجان لإيزيس ونفتيس، وهو عمل من أعمال الأدب المصري القديم (نصوص غنائية) مجهول المؤلف.
وربما لا يعود تاريخ هذه الأغاني إلى ما قبل الأسرة السادسة والعشرين، وهى تشكل جزءًا من بردية جنائزية، هيراطيقية (الخط الهيرطيقي) لنسي آمسو (رقم 10158 في المتحف البريطاني )عنوانها هو أغاني مهرجان الزرتيتين).
المهرجان السنوي للأغاني
والبردية توضح أن تلك الأغاني، كانت تغنى من قبل فتاتان عذراوتان في معبد (أوزيريس) بمناسبة المهرجان السنوي الذي يقام لمدة خمسة أيام في الشهر الرابع من موسم البذر، تتعلق الأبيات بقتل (أوزيريس) على يد (ست)، وإعادة بناء جسد (أوزيريس) لاحقًا بواسطة الإلهتين (إيزيس) و(نفتيس).
ومن خلال بردية المتحف البريطاني رقم (10188) ووصفها الإخراجي للاحتفالية، والعثور على بردية لنسي آمسو (رقم 10158) في المتحف البريطاني، تكون اكتملت الصورة المسرحية الغنائية.
فقد كان العمل لمسرح غنائي مصري قديم له كراسة إخراجية ونص غنائي، ويقدم في احتفالية (أوزيريس)، وهذا مدهش من الناحية الفنية أن يكون في مصر القديمة مسرح غنائي تمثيلي، فهل كان للمصريين القدماء السبق في فنون الأوبرا أو الأوبريت؟.. ربما يكون هذا من الدلالة النصية التي وصلت إلينا.
وبجانب هذا النص الغنائي المسرحي، نشاهد (نفتيس) تظهر كشخصية تمثيلية في المسرح المصري القديم، بجانب أختها (إيزيس) عندما كانت تبكي على (حورس) عندما لدغه العقرب، مثال :
نفتيس: (ماذا هناك؟، أنتم أيها الملتفون بالطفل، إيزيس اختاه، أطلقيها صرخة نحو السماء ضارعة مبتهلة، وسوف لا يتحرك الزورق بملاحيه إلى أن ينهض بنك حور من مرقده).
وهكذا نكون فد توصلنا إلى وجود مسرح غنائي مصري قديم، وكانت مصر من أوائل الدول في العالم القديم التي ظهر بها هذا الشكل المسرحي الغنائي.