بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
في مقدمة كتاب الإذاعي الكبير (فهمي عمر) الذي عنونه بـ (نصف قرن مع الميكروفون)، يقول الشاعر الكبير (فاروق شوشة): الإذاعي القدير (فهمي عمر) هو واحد من صفوة الإذاعيين الكبار، الذين أقامو صرح الإذاعة المصرية، في تطورها الباذخ عبر الزمن.
وذلك بعد أن تسلموها من أيدي جيل الرواد الأول، وولدت صورتها الراهنة المتمثلة في فضاءات واسعة من ألوان الفن والسياسة والثقافة والحياة الاجتماعية والرياضية.
وبفضل الجيل الذي يمثله (فهمي عمر) أصدق تمثيل، جيل التحدي والمغامرة، والإنجاز الواسع في كل مجال، وجيل الغيرة على الإذاعة اسما ومعنى، شكلا ومضمونا، يتغنى باسمها في كل وقت وفي كل مناسبة.
ولا يجد لها بديلا أو نظيرا مهما كان التصدي لمنافستها، دورا وأداء، من هنا فهو الجيل الذي يمكن أن يطلق عليه (الجيل العاشق للميكرفون) وهو ما ظهر من خلال برامجه الكثير التى قدمها عبر الأثير.
ويضيف (شوشة): لقد أتيح للإذاعي الكبير (فهمي عمر) مالم يتح لغيره من أبناء جيله، أو الأجيال الثلاثة التالية له، من خبرات ومواقف، وأحداث وذكريات، وأيام سعيدة، وأخرى غير سعيدة.
ما جعل من شهادته على حياته الحافلة، في كل جوانبها وزواياها، وثيقة حياة نابضة بالبساطة والصدق والتلقائية، تلحفنا حرارة أنسامها تارة، وتشككنا وقائعها الغريبة والمدهشة والمفاجئة تارة أخرى.
وتكاد تدمع عيوننا – فرحا وابتهاجا – على حد تعبير – فاروق شوشة – ونحن نتابع فصولها التي يحكي فيها الحكاء الكبير (فهمي عمر)، وكأنه الشاعر الشعبي الذي يسكب من نفسه ومن مخزون وجدانه، في مواله الجميل، وهو يتألق في الاستحواذ على أسماع سامعيه، وهم قراؤه في هذا الكتاب المدهش البديع.
خلاصة الروح المصرية
ويستطرد (شوشة) في حديثه عن (فهمي عمر) قائلا: لا أظن أن من بين الإذاعيين جميعا من أتاحت له حياته دورا في هذه المجالات الكبرى: (الإذاعة والرياضة والعمل النيابي، مازجا بينها حينا، ومتنقلا بينها بحسه المرهف، وذكائه الحاد، وفطرته السليمة أحيانا أخرى.
لكنه في كل الأحوال، الإنسان الجميل الذي يشع دائما ويشرف بابتسامتهن وتحمل سماته وملامحه خلاصة الروح المصرية الصميمة، وخفة ظلها، وطلاقة لسانها، ولذة قفشتها، جاعلا من لهجته الصعيدية – إذا شاء – بابا لفتح مغاليق القلوب، وشفرة للإيناس بين الصحبة والأصدقاء في مجالس السمر والفكاهة.
لقد كان (فهمي عمر) هو فارسها ونجمها اللامع، وفي مجالي الجد والمسئولية والمواقف الصعبة، وهو فيها أيضا صاحب الصوت والرأي والتأثير والجاذبية الطاغية والكارزيما الأسرة للقلوب.
(فهمي عمر) من مواليد 6 مارس عام 1928م في قرية الرئيسية مركز نجع حمادي بمحافظة قنا، ولم تكن بقريته مدرسة ابتدائية بل كانت بمدينة (دشنا) ولذا كان يعبر النيل بمركب ويقطع مسافة 20 كيلو متر في نحو 90 دقيقة للوصول إلى المدرسة .
وفي هذا الصدد كما يقول في كتابه (نصف قرن أمام الميكرفون): كانت طفولتي شاقة للغاية، وعانيت كثيرا من الجهد وأنا أمضي سنواتها متلقيا تعليمي الابتدائي في (مدرسة دشنا الابتدائية)، ودشنا هي عاصمة المركز الذي تتبعه قريتي.
كانت مدينة (دشنا) في تلك الأيام من النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي لا تعدو أن تكون مجرد قرية كبيرة، وليس فيها من مظاهر المدينة إلا مبنى مركز البوليس والمستشفى العمومي ومحطة القطار ومبنى المحكمة، وغير ذلك من المؤسسات الحكومية.
في عام 1940 حصل (فهمي عمر) على حصل الشهادة الابتدائية والتحق بمدرسة قنا الثانوية، وكان يسافر بالقطار لأجل تحقيق حلمه بالالتحاق بكلية الطب أو بالمعهد العالي للكيمياء الصناعية،
ولكن التحق بكلية الحقوق جامعة الأسكندرية التي كان اسمها جامعة (فاروق الأول)، وأثناء دراسته كان يسكن فى بنسيون يملكه يونانى بالأسكندرية التى كانت فى ذلك الوقت مليئة بالأجانب أكثرهم يونانيين.
وكانت الجامعة فى أوئل سنة 1946 تموج بالمظاهرات التى تطالب برحيل الاستعمار وكان يؤجج شعلة المظاهرات مجموعة من الطلاب على رأسهم الشاعر الكبير (محمد التهامي) الذى كان يلهب خيالنا بقصائده الوطنية، بالإضافة إلى (سعد التائه) الخطيب المفوه.
عندما تخرجت في كلية الحقوق بجامعة (فاروق الأول) بالأسكندرية يقول (فهمي عمر): لم يخطر بذهني أو يدور بخاطري لحظة واحدة أن أصبح من أبناء الإعلام المسموع مذيعا بالإذاعة المصرية.
عشق كرة القدم والرياضة
كان هم أسرتي الأول والأخير أن أكون وكيلا للنائب العام، وما التحقت بكلية الحقوق إلا من أجل أن أصبح (بيه نيابة) مثل بيه النيابة الذي كانت ترتج له قريتي في أقصى صعيد مصر، عندما يدخلها محققا في حادثة جنائية، فقد كنت مبهورا بذلك البيه الذي يقف له الناس احتراما.
وفي مقدمة هؤلاء الناس أبي عمدة القرية، عندما ينزل من السيارة الفورد القديمة ذات الرفاف على جانبيها، والتي يفق عليها بقية الوفد المرافق له من ضباط المركز وعساكره، وكيف كان الجميع يضربون له (التعظيم سلام) له وهو يترجل من السيارة، ويسيرون خلفه، وهو في طريقه لمعاينة موقع الحادث، لقد ظل هذا المشهد محفورا في ذاكرتي منذ طفولتي حتى تخرجت من الجامعة.
عشق (فهمي عمر) كرة القدم والرياضة وكان يحرص على مشاهدة مباريات الاتحاد السكندرى والأوليمبى، ومتابعة مباريات كرة السلة بين أندية الأهلى والجزيرة والزمالك واليونانى وسبورتنج وسان مارك.
وفي عام 1949 حصل على الليسانس وانتظر للالتحاق بالنيابة العامة، ومرت الشهور دون ظهور أية نتيجة تبشر بالالتحاق بالنيابة العامة، وفى تلك الأثناء حضر (فهمي عمر) للقاهرة وتدرب في مكتب الدكتور (محمد صالح) عميد الحقوق الأسبق.
وفى أحد الأيام جلس مع صديق لأحد أقاربه وصهر الدكتور (محمد صالح) وهو المهندس (أبو الفتوح طلبه صقر)، فأشار على (فهمي عمر) بالتقدم للعمل بالإذاعة البعيدة عن خاطره وتطلعاته.
المهندس أبو الفتوح قدم طلب (فهمي عمر) لاختبارات الإذاعة وبعد أيام قليلة وصل خطاب بالبريد على عنوان (فهمي عمر) فى القاهرة وكانت سطور الخطاب تقول: يجب أن تذهب فى اليوم الفلانى إلى مبنى ستديوهات الإذاعة فى رقم 5 شارع علوى لأداء الامتحان أمام لجنة اختبار المذيعين.
وفي يوم 15 أبريل عام 1950 ذهب إلى مكان الاختبار فوجد عشرات الشبان والشابات قد سبقوه لكى يؤدوا الامتحان، وكانت أعصابه هادئة، وكانت المفاجأة أن اسمه كان من بين الشبان الذين سيحضرون فى الغد للتصفية.
وفى التصفية كان اسم (فهمي عمر) ضمن التصفية التالية التى ستجرى بعد غد إلى أن صدر قرار تعيينه بالإذاعة، وشعر الإذاعي (فهمي عمر) من خيبة الأمل عندما قالت لجنة اختبار المذيعين فى تقريرها أن صوته صالح للميكروفون ومخارج الألفاظ عنده سليمة والحنجرة قوية ولكن يشوب أداؤه لهجة صعيدية.
عندئذ عرف (فهمي عمر) لماذا كانت تصله ضحكات لجنة الاختبار وهو فى ستديو الامتحان بعد كل حوار يجرى بين أعضائها وبينه، وسأله أحدهم: لماذا تقول (جلنا) و(جال) ولماذا تعطش الجيم، ولماذا لا تتحدث باللهجة القاهرية؟
لايتحدث إلا باللهجة الصعيدية
وكان (فهمي عمر) في بداية حياته الإذاعية يصر على عدم التحدث إلا باللهجة الصعيدية، لذلك ظل طيلة 15 شهرا يعمل خارج الهواء، ولم ينطق بكلمة واحدة فى الميكروفون، وكان يستقبل التسجيلات الإذاعية ويقوم بإعداد الميكروفون.
وتعرف على العديد من ضيوف الإذاعة من المتحدثين الذين سجل لهم مثل (عباس محمود العقاد ومحمد فريد أبو حديد، والدكتور محمد عوض محمد، والفنان سليمان نجيب، وفكرى أباظة) وغيرهم.
وجاهد كثيرا لأن يصبح مذيعا يقرأ نشرة الأخبار ويقدم فقرات البرنامج، وبالتالى يعرفه الناس ويصبح نجما إذاعيا معروفا، ومع الوقت عشق العمل بالإذاعة وكان يلح فى طلبه لعقد امتحان له حتى يستطيع العمل مذيع هواء.
وظل هذا الحال قرابة العام حتى استطاع التخلص من اللهجة الصعيدية شيئا ما أمام لجنة الاختبار، وفي يوم 23 أغسطس عام 1951 خرج صوته أخيرا عبر الأثير وقال: (هنا القاهرة).
وكانت المفارقة أن عمل (فهمي عمر) بالإذاعة لم يعجب والده بالإذاعة، وأمر ألا يفتح الراديو فى المنزل، وكان جهاز الراديو في ذلك الوقت يعمل بالبطارية السائلة كبيرة الحجم.
ويتم شحنها كل أسبوعين على الأكثر حيث يذهب أحد الأشخاص إلى (مدينة نجع حمادى) لتظل فى الشحن حوالى 5 ساعات ويعود بها لتركب بمقابض تتصل بسلك مع الراديو.
وكانت الرحلة من القرية إلى نجع حمادى تتم عن طريق ركوب الحمار، والذى يقطع المسافة فى ساعتين ذهابا ومثلهما إيابا، وذات مرة فاجأه الباشا مدير قنا فى جلسة مع عمد المراكز وسأله
كيف استطاع ابنك يا عمدة أن يصبح مذيعا أنا أسمعه دائما ودى حاجة عظيمة، وبعد العودة من الجلسة أمر والد (فهمي عمر) بفتح الراديو وأصبحت الفترة التى ينفذها فهمي عمر في الصباح أو الظهر أو المساء ووالده خلالها كان لا يغادر المنزل حتى تنتهى الفترة الإذاعية.
اشتهر الإذاعي (فهمي عمر) فى بداية عمله بالإذاعة بلقب (المذيع الصعيدي) حيث تم تعيينه مذيعا لكن مع إيقاف التنفيذ بسبب لهجته الصعيدية، وكتب عنه (جليل البنداري) مقالا فى مجلة (آخر ساعة) حكى فيه قصة لهجة (فهمي عمر) الصعيدية.
وكيفية التخلص منها فى آواخر عام 1951، والتصق هذا اللقب به وكان سعيدا به وعرفه النجوم وقتها بهذا اللقب مثل (أم كلثوم وعبد الحليم حافظ).
بداية عمله كمذيع
يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1952 وحسب جدول العمل بقسم المذيعين كان (فهمي عمر) المذيع الذى سينفذ فترة الصباح من البرامج يوم الأربعاء من كل أسبوع وثورة 23 يوليو بدأت فجر ذلك اليوم.
وكان الإرسال صباح كل يوم يبدأ فى الساعة السادسة والنصف وبالتالى كان لزاما على (فهمي عمر) التواجد فى ستديوهات الإذاعة حوالى الساعة السادسة صباحا وأثناء ذهابه للإذاعة.
وفي (شارع الشريفين) استرعى انتباهه الحصار المفروض حول مقر الإذاعة من رجال الجيش، وعندما حاول دخول الشارع استوقفه ضابط من القوات المسلحة برتبة ملازم ثان ولما عرفه بنفسه رحب به وصعد معه سلالم المبنى إلى أن وصل إلى استراحة المذيعين.
حيث كان يجلس (البكباشى) أي (المقدم) محمد أنور السادات، فعرفه على الفور لأنه كان ملء السمع والبصر وقرأ عنه الكثير وأدرك (فهمي عمر) أن الضباط والجنود الذين ملأوا جنبات الإذاعة والشوارع المحيطة بها جاءوا من أجل تحقيق الحلم الذى داعب خيال الشعب المصري سنوات طويلة وهو جلاء المستعمر والقضاء على فساد الملك والأحزاب.
قال المقدم (محمد أنور السادات) للإذاعي (فهمي عمر): هناك بعض التعديلات على برامج الإذاعة، وأنه سيقوم بإلقاء بيان خلال الميكروفون عقب بدء الإرسال مباشرة ولم يتردد فهمي عمر لحظة واحدة فى تلبية الطلب.
وقال لأنور السادات: سأقول بعض الكلمات التى نحيى بها المستمعين، ثم دخل (السادات) الاستديو، وكان يعتزم إذاعة البيان بعد المارش العسكري الذي يعقب افتتاح المحطة الذي كان ينتهي في السادسة واثنتين وثلاثين دقيقة.
ولكن علم (فهمي عمر) من المهندسين أثناء إذاعة المارش العسكري بأن الإرسال قد قُطع من محطة (أبو زعبل) ولما علم (السادات) خرج من الاستديو وأبلغ الموقف للقيادة وواصل (فهمي عمر) تقديم فقرات البرنامج اليومي، وفقاً للمواعيد رغم علمه بانقطاع الإرسال.
وبعد حوالي أربعين دقيقة من انقطاع الإرسال عاد الإرسال، وكان ذلك في حوالي الساعة السابعة وثلاث عشرة دقيقة فبادر (فهمي عمر) بإبلاغ السادات بعودة الإرسال فسأله: هل يمكن إلقاء البيان؟
فقال (فهمي عمر): بعد دقيقتين ستنتهى إذاعة القرآن الكريم، وسوف يتلوه حديث دينى لمدة عشر دقائق فقال السادات: لا.. أنا سأذيع البيان بعد القرآن مباشرة، وفى الساعة السابعة والربع تماما تأهب الإذاعي فهمي عمر لتقديم السادات لإذاعة البيان وإذا بالمهندسين يبلغونه مرة أخرى بأن الإرسال قد قُطع ثانية.
ولكن هذه المرة من مصلحة التليفونات وليس من (أبو زعبل)، وثار السادات غاضبا وقال: إيه ده تانى .. وأسرع إلى التليفون حيث عاود اتصاله بالقيادة وفى الساعة السابعة وسبع وعشرين دقيقة عاد الإرسال مرة أخرى.
المصادفات الحسنة في حياته
وكان ذلك عندما دقت ساعة القاهرة – وقتئذ – معلنة السابعة والنصف تأهب الإذاعي (فهمي عمر) لتقديم محمد أنور السادات بالصفة التى طلبها، وهى أنه مندوب القيادة فقد رفض أن يقدمه باسمه.
دقت الساعة، وقال (فهمي عمر): سيداتى وسادتى أعلنت ساعة (جامعة فؤاد الأول) السابعة والنصف من صباح الأربعاء الثالث والعشرين من يوليو، وإليكم نشرة الأخبار التى نستهلها ببيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة وانساب صوت محمد أنور السادات يعلن أول بيان للثورة.
واستغرقت تلاوته دقيقتين ونصفا واختتم القراءة بذكر موقع البيان اللواء أركان حرب (محمد نجيب) القائد العام للقوات المسلحة، وواصل فهمي عمر قراءة نشرة الأخبار التي كان معظمها خاصا بمراسم تشكيل وزارة نجيب الهلالى ومقابلات الملك مع رئيس الوزراء والوزراء.
وقد سأل السادات قبل قراءة النشرة: هل يحذف منها شيئا فقال: أقرؤها كلها كما هى.. وما كاد (السادات) ينتهى من قراءة البيان حتى تركه لأحد الضباط القائمين على حراسة الإذاعة وعاد إلى مبنى رئاسة الجيش، ولم يتم تسجيل البيان عند إلقائه فى المرة الأولى بصوت (أنور السادات).
لأنه لم يكن معروفاً لدى الإذاعة وقتئذ نظام التسجيل بالأشرطة البلاستيك بل كان التسجيل يتم بأشرطة صلب بماكينات كبيرة وصغيرة بعد وصول المهندس المختص بعد الساعة التاسعة صباحاً يوميا.
بعد إذاعة بيان الثورة امتلأت الشوارع المحيطة بالإذاعة بالآلاف من المواطنين وهم يقبلون جنود القوات المسلحة وقدموا لهم الشاى والبسكويت مرددين (تحيا مصر)، وبعد مغادرة محمد أنور السادات دار الإذاعة بعد إلقائه البيان الأول كثرت الاتصالات مع الإذاعة لإعادة إذاعة البيان نظرا لأن فئات عديدة من الشعب لم تتح لها فرصة الاستماع إليه.
وعندما استأنفت الإذاعة إرسالها فى فترة الضحى التى تبدأ فى العاشرة صباحا وتنتهى فى الحادية عشرة والنصف، كان المهندس (أحمد عواد) المختص بالتسجيل قد وصل وطلب المذيعون من أحد الضباط القائمين بالحراسة إلقاء البيان بصوته ليسمعه أولئك الذين فاتهم الاستماع إليه فى الفترة الصباحية.
وتقدم الصاغ (محيى الدين عبد الرحمن) وألقى البيان على الهواء مباشرة فى العاشرة صباحا، وتمكن المهندس (أحمد عواد) من تسجيله، وبدأت محطة الإذاعة تذيعه على فترات ليسمعه أكبر عدد من المواطنين.
لقائه بأم كلثوم
مفارقة أخرى في حياة (فهمي عمر)، حيث قادت الصدفة فى أحد الأيام أن جاءت (أم كلثوم) إلى ستديو رقم (1) بمبنى الاستديوهات لتستمع إلى تسجيل الحفل الغنائى الذى تقيمه فى الخميس الأول من كل شهر وكانت تحرص على الحضور إلى الاستديو لتجهيز بعض الأغانى لإذاعتها حسب رضاها.
ودخل الإذاعي (فهمي عمر) الاستديو ليبحث عن سماعة الأذن الخاصة به والتى نسيها فى الاستديو فى اليوم السابق ففوجئ بوجود أم كلثوم بالاستديو، وكان إلى جوارها ابن شقيقتها المهندس (محمد دسوقى) الذى كان يعمل فى إدارة تشغيل استديوهات الإذاعة.
فقال لفهمي عمر: أهلا.. اتفضل تعالى سلم على الست.. وقال لها: ده (فهمي عمر) المذيع الصعيدى.. فقالت وهى تسلم على (فهمي عمر): يعنى اللى بيسلم عليه يقول صعيدي.. ظل هذا اللقب ملازما للإذاعي فهمي عمر.
ظل الإذاعي (فهمي عمر) يمنى نفسه بتقديم حفل من حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، (وفى نهاية شهر فبراير عام 1954 أبلغ فهمي عمر) بأنه سيكون مذيع حفل أم كلثوم ليلة الخميس الأول من شهر مارس وكان الحفل بمسرح الأزبكية.
ثم بدأت علاقة الإذاعي (فهمي عمر) مع العندليب (عبد الحليم حافظ)، من خلال تواجد (عبد الحليم) كعازف موسيقى فى فرقة موسيقى الإذاعة، وكان له حضور ويتحدث مع المذيعين ويتجاذب معهم أطراف الحديث، كان (عبد الحليم) يغنى فى الأركان الإذاعية مثل (ركن الريف والعمال).
وكان يجلس مع المذيعين فى استراحة المذيعين عقب الانتهاء من تسجيلات الفرقة الموسيقية وكان يحاول أن يثبت لهم بأنه يجيد الغناء وشهدت شقة الإذاعي (جلال معوض) بشارع سليمان جوهر بحى الدقى أمسيات جميلة وكثيرا ماذهب عبد الحليم مع (فهمي عمر) لمشاهدة مباريات كرة القدم.
وتعرف (فهمي عمر) في تلك الأثناء على نجوم كرة القدم (عصام بهيج، ويكن حسين، وعلاء الحامولي)، وكانت له سهرات وفى نهاية الموسم الكروى 1976 وصل إلى تقابل الأهلى مع الاتحاد السكندرى في نهائي كأس مصر، والتقى (عبد الحليم) مع (فهمي عمر) فى طرقات الإذاعة.
فقال: طبعا حنكسب الكأس؟، فقال له فهمي عمر: الاتحاد سيكسب الكأس ولو كسب الاتحاد سنحتفى به فوافق على الفور، وفاز الاتحاد فاتصل فهمي بعبد الحليم حافظ ووفى بوعده وحضر فريق الاتحاد إلى منزل عبد الحليم الذي قدم للاعبين هدايا قيمة، وأقام حفل عشاء وغنى لهم على العود وسجل (فهمي عمر) فقرات الحفل وأذاعها فى البرامج الرياضية .
برنامج (ساعة لقلبك)
من البرامج الشهيرة التي قدمها الإذاعى (فهمي عمر) الذي كان له فضل تألق مشاهير نجوم الكوميديا في مصر، وفي عام 1954 دخل أيضا ميدانا جديدا لم تعرفه الإذاعة المصرية وذلك بالبرامج الرياضية، وجمع عشاق كرة القدم حول ميكرفون الإذاعة لمتابعة تعليقاته وتحليلاته لمباريات كرة القدم، وأيضا برنامج (مجلة الهواء).
حتى أصبح يطلق عليه (شيخ الإعلاميين الرياضيين) ومؤسس وصاحب أول تعليق وتحليل لمباريات دوري الكرة في مصر والمؤسس الحقيقي لإذاعة الشباب والرياضة.
من خلال برنامج (ساعة لقلبك) اكتشفت (فهمي عمر) شخصية الفصيح (ممدوح فتح الله)، والخواجة بيجو (فؤاد راتب)، ويقول: فى إحدى المرات جاءنى أبو لمعة (محمد أحمد المصري) وأدى أمامى الشخصية، ومعه أمين الهنيدى (شخصية فهلاو)، وكانا يعملان فى التدريس فى مدرسة الخرطوم الثانوية بالسودان، الأول مدرس رسم، والثانى تربية رياضية.
لم تقتصر اكتشافات الإذاعى الكبير على نجوم التمثيل، بل أيضا مقرئى القرآن، وعلى رأسهم الشيخ (محمد صديق المنشاوي)، وهنا يضيف في سلسلة اكتشافاته: أتذكر أن الملحن عبد العظيم محمد قد حكى لى حكاية أغنية (لسه بدرى يا شهر الصيام)، بعد أن عرض عليه الأغنية التى كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وطلب منه أن يلحن الأغنية فى نفس اليوم، ليتم تسجيلها فى اليوم التالي.
جدير بالذكر أن (فهمي عمر) في عام 1975 عين مديرا لإذاعة الشعب، وفي 1978 رئيسا لشبكة الإذاعات المحلية، التي تضم (إذاعة القاهرة الكبري، إذاعة وسط الدلتا، شمال الصعيد، شمال سيناء، جنوب سيناء)، وفي عام 1982 عين رئيسا للإذاعة المصرية حتي بلوغه سن المعاش في مارس 1988.
وظهر في عهده كرئيس للإذاعة العديد من البرامج الشهيرة الآن في تاريخ الإذاعة المصرية ومنها (شاهد علي العصر) لعمر بطيشة، (زيارة لمكتبة فلان) لنادية صالح، (أضواء علي الجانب الآخر) لنجوي أبوالنجا، (حديث الذكريات) لأمنية صبري.. إلخ.
كما أنه حرص أيضا على تكوين أول فرقة موسيقية خاصة بالإذاعة برئاسة الموسيقار أحمد فؤاد حسن للاحتفال بالليلة المحمدية لأول مرة.
ورحلة (فهمي عمر) مع المناصب لم تقتصر فقط علي الإذاعة، فقد عين عام 1969 وكيلا لمنطقة القاهرة والجيزة لكرة السلة، وفي عام 1970 عضوا بمجلس إدارة نادي الزمالك، وبالانتخاب في عام 1971، وعضوا باتحاد كرة القدم 1977، 1992.
وفي عام 1987 رشحه الحزب الوطني لعضوية مجلس الشعب عن دائرة الرئيسية بمحافظة قنا، وفي عام 1990 فاز بالتزكية، وفي عام 1995، فاز مرة أخري بعضوية المجلس، بعد أحداث دامية في حياته.
وقد حصل على تكريمات كثرة ومنها (وسام الاستحقاق في العيد الأول للإعلاميين عام 1984، وسام الرياضة من الطبقة الثانية 1973، وسام الرياضة من الطبقة الأولي من الرئيس الراحل محمد أنور السادات).
أشهر أقوال (فهمي عمر):
** أتذكر أيامًا جميلة قضيتها هناك، ولله الحمد بذلت أقصى جهدى لكى أرتقى بالعمل، وأقولها كلمة للتاريخ: الله سبحانه وتعالى وفّقنى إلى إفناء جهد كبير فى تعلية شأن ماسبيرو.
** (الإذاعة) لن تموت.. والراديو سيظل وسيلة الإعلام الأولى عالميا.. أنا لديّ أمل، لأن الراديو لن يموت.
** لم يخطر فى بالى ماذا سأكون، مستشارا أو رئيس إذاعة، ولم تراودنى نفسى أن أزاحم أحدا، الله يعلم أننى لم أجاهد لكى أكون رئيس إذاعة، لكن الله هو الذى يعطى ويعلى.
** المدارس الأجنبية المنتشرة فى أنحاء مصر التى تحرم على تلاميذها أن يتكلموا باللغة العربية داخل المدرسة، لماذا؟!، اتركوهم يتكلمون بالعربية ويدرسون لغات.
** قدمت فكرة إنشاء إذاعة الشباب والرياضية، ووافقوا على الفكرة أيضا سريعا، وبدأت بالبث لمدة ساعتين، ثم 4 ساعات، وعندما وصلت لسن المعاش في الإذاعة كانت تبث لمدة 12 ساعة، والآن يتم بث الإذاعة 24 ساعة.
** من أبرز الإنجازات التي حققتها خلال رئاستى للإذاعة المصرية هو الليلة المحمدية وهو الاحتفال بمولد الرسول، حيث كانت شوارع القاهرة تتضيء في هذا اليوم.
وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام للإذاعي الكبير (فهمي عمر) الذي رغم أنه زملكاوي من قمة الرأس إلى أخمص القدم، إلا أنه نجح في جمع كل عشاق كرة القدم حول ميكروفون الإذاعة لمتابعة تعليقاته وتحليلاته لمباريات كرة القدم حتي أصبح الأشهر.
ويشهد تاريخ الإذاعة أيضا أنه صاحب برنامج (ساعة لقلبك) الذي كان له فضل تألق مشاهير نجوم الكوميديا في مصر، ليغدو صاحب سيرة ومسيرة عطرة في الإذاعة.