بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
مسرح (الأراجوز) من الأشكال المسرحية المصرية، وهو من الفنون التي مازالت تعيش داخل الوجدان المصري، ولها بعد تاريخي عميق، ولعل إشارة الرحالة (Niebuhr) توضح لنا هذا البعد.
حيث أن رحلته إلي مصر قبل عام 1792 تشير إلي ذلك فيحدثنا عن فن (الأراجوز) عن شيوعه وانتشاره بقوله: (يوجد عدد قليل من اللاعبين يقدمون مسرح الدمى، ومع ذلك فهو شائع جدا، ويمكن أن تقابل هؤلاء اللاعبين في جميع الشوارع..
وهذا العرض التمثيلي يمثل فوق مساحة خشبية ضيقة جدا، عبارة عن صندوق خشبي مربع، يمكن للمؤدي حمله إلى أي مكان يؤدي فيه العرض، واللاعب يوجه الشخصيات (الدمى) من خلال ثقوب في الصندوق..
ويصنع الأداء اللازم لحركاتهم بواسطة أسلاك تتخلل الثقوب المغطاة في الصندوق، وبواسطة ألة في فمه، يطلق الصوت الصاخب المسئول عن المساحة الصوتية للشخصيات).
وتعددت الآراء حول اسم (الأراجوز) وأصله، فمنهم من قال بأنه تركي، واسمة التركي (قرا قوز)، ومنهم من قال بعكس ذلك، حيث يشير (نبيل بهجت) إلى أن اسم (الأراجوز) ينسب إلى وزير صلاح الدين الأيوبي (قراقوش).
حيث يذهب البعض إلى أن كلمة (أراجوز) هى تحريف لكلمة (قراقوش)، ويستدل بقول شيخ فناني (الأراجوز) بمصر الآن (مصطفي عثمان مصطفي عثمان)، الشهير (بصابر المصري)، في حواره على لسان الأراجوز:
أنا (الأراجوز) ابن الملك (قراقوش)، في إشارة إلى العلاقة بين هذا الفن وبين شخصية (بهاء الدين قراقوش) وزير (صلاح الدين الأيوبي)، الذي أصبح مضرب المثل في الظلم والغباء.
ويقال أنه بعد انتهاء عصره أخذ الناس يتندرون به ويتغنون بالسخرية من مظالمه وسموا الفن الذي يشخص باسمه انتقاما منه، ومهما تعددت الآراء حول معنى الاسم وانقسمت، إلا أننا نجد أن مسرح (الأراجوز) – ذو الطابع والشخصية – المصري، كان من أهم وسائل الترفيه عند المصريين في الماضي.
الشخصيات المساعدة للأراجوز
والنصوص التمثيلية لهذا المسرح تسمى (نمرة)، والشخصية الرئيسة لهذه النِمَر هى (الأراجوز)، ويقدم لنا (نبيل بهجت) الشخصيات المساعدة للأراجوز، وهى ابن (الأراجوز) – زوجته (نفوسة) يطلق عليها البعض (زنوبة) – زوجته السمراء (بخيتة).
و(يطلق عليها الست القمر) – الفتوة – حمودة الأقرع وأخوه – الأستاذ (البربري) – الخواجة – موشي ديان – العفريت – الطبيب – الشاويش – الحانوتي – الداية – فنان بالعافية (الشيخ محمد) – الشحات، وأطلق عليه لاعب الأراجوز اسم (الشيخ) – كلب السرايا – الزبون – والد الزوجة – اللص).
هذا بالإضافة إلى عدد من الشخصيات نسمع عنها ولا نراها مثل: عديلة في (الفتوة الغلباوي) ووالد الأراجوز في (الشحات).
و نِمَرُ (الأراجوز) تتخذ شكل الحوار بين (الأراجوز) والشخصيات السابقة، ونسوق منها المثال التالي مما جمعه (نبيل بهجت):
جزء من نِمْرَة جواز بالنبوت:
الأراجوز: سلامو عليكم.
الملاغي: عليكم السلام.
الأراجوز: ( يغني مع الطبلة: أنا قلبي داب طلب الوصال.. يرقص وينام على البرَفَان ثم ينهض وهو يردد وأنا مالي).
الملاغي: وانت مالك إيه؟
الأراجوز: أنا عاوز أتجوز.
الملاغي: عايز تتجوز؟
الأراجوز: وأنا مالي.. (يضرب رأسه في البَرفَان ويرقد على جنبه وبطنه).
الملاغي: وانت مالك إيه ؟
الأراجوز: جوزني!
وطريقه عرض (الأراجوز) بسيطة إذ دائما تبدأ بغناء (الأراجوز)، ثم ينتقل إلى النِمرَة المُمَثَّلة.
(الأراجوز) في (الزوجة الثانية)
وفنان (الأراجوز) هو من يقوم بتأليف النِمْرَة التي سوف تقدم للجمهور، وبذا يمتلك فنان (الأراجوز) موهبة التأليف الارتجالي التمثيلي.
ومن التأثر الوجداني الشديد بالنسبة للمجتمع المصري، كان مسرح (الأراجوز) حاضرا في الأعمال الفنية السينمائية، ونتذكر معا مسرح (الأراجوز) في فيلم (الزوجة الثانية)، وكيفية توظيفه داخل الحبكة السينمائية، ليأتي بالحل إلي فاطمة (سعاد حسني) في مواجهة السلطة الغاشمة العمدة (صلاح منصور).
وكان الحل من خلال مسرح (الأراجوز)، فنجد شخصية الغفير تتصارع مع (الأراجوز) من أجل أن يأخذ منه حبيبته بالقوة، وتكيد له وتقول في شكل موال:
دقوا التيران على بيبان المندرة
دقوا التيران لأبو بندقية معمرة
بالقوة حرقص له واحب إلي في بالي
ده ما اتخلقش اللي قدر يغلب مرة
ومن الجملة الأخيرة (ده ما اتخلقش اللي يغلب مرة) يأتي الحل إلي فاطمة (سعاد حسني) وتكيد للعمدة، فقد قدم لها (الأراجوز) وحبيبته الحل، وتتحول الأحداث كلية لنرى مواجهة (فاطمة) للعمدة، إلي أن تقضي عليه تماما.
الأراجوز (عمر الشريف)
وننتقل إلي فيلم كامل ، قام ببطولته الراحل (عمر الشريف)، وهذا الفيلم يظهر فيه عمر الشريف بشخصية الأراجوز نفسه ( بطل الفيلم) ، فقد كان (عمر الشريف) متقمصا دور الأراجوز في جميع مواقفة مع الشخصيات في هذا الفيلم.
فيتعامل بطريقة الأرجزة في جميع مواقفة (فعندما وجد الحبيبة ولم تتجاوب معه في أول الأمر وسخرت من مهنته ، يواجهها بشخصية (الأراجوز)، ويقدم لها (الأراجوز) بمفهوم مختلف عن بالها، ويعرفها أنه إنسان، وأنه لسان الشعب في مواجهة الظلم ويغني من إبداعات (سيد حجاب) هذه الأغنية بطريقة الأرجزة:
فلسان.. كحيان أيوا أنا فلسان إنما برضك.. راجل إنسان
بضرب بالألف لسان ولسان وباكلها بعرقى ومش إحسان
راجل والرجولية لاعضلات ولا ألابندة وسيما وحركات
الرجولية الحقيقية ثبات.. (قدام جبونية أى جبان)
أراجوز أنا واحمى أرى إيه.. أحمى قراريط الناس من مين؟
من الناس الأرى أرى إيه أرى إيه؟
الناس القراميط الملاعين
ماهو أصل انا مش من الأرى أرى إيه مش من القراطيس
ولو الحال مال مااقعدش أنا على أرى إيه أرى إيه؟
قرافيصى وأطنش ع الأندال لازم
أشك الأندال مهموز.. وأدوس ع اللى افترى والعنطوظ
ومن تلك الأغنية السابقة تتضح شخصية (الأراجوز)، في كونه يتكلم بلسان حال الشعب على حسب الموقف، وهذا ما كان في الماضي والحاضر، فشخصية (الأراجوز) في حقيقتها شخصية ناقدة، للأوضاع السياسية للمصريين، شأنه شأن خيال الظل والمحبظين.
وفنانين هذه الأشكال المسرحية (المحبظين.. خيال الظل.. الأراجوز) كانوا فنانين الشعب، يتكلمون بلسانه ويوضحون رؤيته، وينتفضون أمام أعدائه وأمام السلطة الغاشمة.
فلم يكن الفن المسرحي المصري فننا ناعما، بل كان فننا خشنا جادا يواجه من أجل الشعب، فتحية لفنانين المسرح المصري الذين قدموا لنا تلك الأشكال المسرحية المعبرة عن المصريين في مراحل من تاريخهم.