(زينب صدقي).. شكسبيرة الزمالك الأرستقراطية التي ظلمها الفن!
كتب: محمد حبوشة
جميعنا لايعرف كثير عن الفنانة (زينب صدقى) التى يعرفها الكثيرون فى أدوار الأم والحماة التى أدتها بعد تقدمها فى السن، وقد لا نعرف أنها فازت فى شبابها بمسابقة ملكة جمال مصر عام 1930، وحظيت بمكانة كبيرة بين زملائها خلال مشوارها.
كما كانت (زينب صدقي) تتمتع بمكانة كبيرة فى الوسط الثقافى وتقيم صالونا فكريا وثقافياً فى منزلها يحضره كبار المثقفين والأدباء ومنهم العقاد والمازنى والتابعى لذلك أطلق عليها (شكسبيرة الزمالك).
قدمت الفنانة الراحلة (زينب صدقي) أعمالا فنية كثيرة جميعها متميزة ورائعة سحرت قلوب معجبيها، ولم تكن ممثلة فقط بل كانت مثقفة ورائعة الجمال وكانت تقرأ الشعر بجدارة في صالونها الأدبي الذي كان أهم الصالونات الأدبية في القاهرة في ذلك الوقت.
وكانت (زينب صدقي) تتسم بخفة الظل وطيبة القلب، ودخلت الفن في بداية القرن العشرين، وخاضت غمار عالم التمثيل، ولقبت بـ (جوليت المسرح)، بعدما لاقت نجاحا كبيرا وإعجاب المئات بها وبفنها.
وصفتها مجلة الكواكب في عدد 10 يوليو 1956، بأنها (شكسبيرة الزمالك) التي غيرت تاريخ المسرح، وكانت خشبة المسرح لا تسمح بدخول صاحبات القوام الممشوق أو (العود الفرنسي) كما يُطلق عليه، حتى ظهرت (زينب صدقي)، فنانة المسرح قبل أن يكون لها إرث فني خلدته شاشات السينما.
في بدايتها على خشبة المسرح أدخلت الكثير من (التقاليع) التي أعجب بها الكثيرون، ولأول مرة قبلوا بأن تكون البطلة ممشوقة القوام على عكس المعتاد، وبفضلها تغيرت الكثير من التفاصيل في الفن المسرحي.
والمتابع لأدائها لابد أن يلحظ أن (زينب صدقي) بنظارة تكشف عن ضعف كبير في النظر، وتجعلك غير قادر على معرفة مشاعرها من عينيها، وعكاز تستند عليه، وشال تضعه على كتفيها، لذا يتذكرها عدد قليل من الجمهور.
أشهر فنانات زمن الفن الجميل
لكن عشاق أفلام الأبيض والأسود، لا يمكن أن ينسوا أحد أشهر فنانات زمن الفن الجميل، التي لعبت أدوار الأم والحماة ببراعة كبيرة، هى المصرية ذات الأصول التركية (ميرفت صدقي) الشهيرة بـ (زينب صدقي).
ولهذا كتب الباحث والناقد المسرحي الشهير الدكتور (عمرو دوارة) عن حياتها قائلا: تنتمي الفنانة (زينب صدقي) إلى الجيل الأول للفنانات المصريات اللاتي احترفن التمثيل.
فهي من أوائل الفتيات المصريات اللاتي عملن بالتمثيل خلال النصف الأول من القرن العشرين (والمقصود بالتحديد هو التمثيل بالمسرح بوصفه القناة الفنية الوحيدة المتاحة قبل ظهور السينما والإذاعة والدراما التلفزيونية)، ولم يسبقها بالتمثيل سوى عدد قليل من الفنانات وفي مقدمتهن: (لطيفة عبد الله، منيرة المهدية، زكية إبراهيم، دولت أبيض).
حيث كانت البطولات النسائية في ذلك الوقت محصورة على مجموعة صغيرة من الفنانات الشوام (من بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، ميليا ديان، وردة ميلان، ماري صوفان، أبريز استاتي، ألمظ استاتي، فاطمة اليوسف، بديعة مصابني، ماري منيب، ثريا فخري).
أو على مجموعة من المصريات اليهوديات (ومن بينهن: أديل ليفي، صالحة قاصين، استر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا موسى).
وأشار (دوارة) إلى أن الفنانة (ميرفت عثمان صدقي)، والشهيرة باسم (زينب صدقي) ممثلة مصرية من أصل تركي، من مواليد: 15 أبريل 1895، وقد نشأت في منزل عمها بمنطقة (سوق السلاح) بمحافظة القاهرة.
ولرفضها الزواج من ابنه اضطرت للهروب من منزله واللجوء إلى الفنانة (روز اليوسف)، والتي تعرفت عن طريقها على عالم (المسرح).
بدأت الفنانة (زينب صدقي التمثيل) في المسرح عام 1917، وهي في الثانية والعشرين من عمرها، وذلك نظرا لأن أسرتها ذات الأصول التركية كانت محافظة إلى درجة كبيرة، ولكن عشقها للفن جعلها تقدم على خوض رحلتها مع التمثيل متحدية الجميع.
التحقت بفرقة (عبد الرحمن رشدي)
وكانت أولى خطواتها في اقتحامها عالم المسرح بالتحاقها بفرقة (عبد الرحمن رشدي) عام 1917، ثم بعد ذلك بانضمامها لبعض الفرق المسرحية الأخرى ومن أهمها فرق: (أمين عطا الله، رمسيس، الريحاني، فاطمة رشدي، اتحاد الممثلين، الفرقة القومية).
ويذكر أنها قد التقت عام 1920 بالفنان القدير (نجيب الريحاني) وتركت انطباعا جيدا لديه، كما قام الفنان الكبير يوسف وهبي بضمها إلى فرقة (رمسيس) أثناء تأسيسه لها عام 1923، وأسند لها في البداية بعض أدوار الصبيان والشباب.
ثم أسند لها بعض الأدوار الثانية ومن بينها أدوار الفتيات الأرستقراطيات والعاشقات، وبعد استقالة الفنانة (روز اليوسف) من الفرقة عام 1925 أسند إليها بعض أدوار البطولة، ثم أصبحت بطلة للفرقة عام 1927، وذلك عقب انسحاب الفنانة فاطمة رشدي بطلة الفرقة آنذاك.
وجدير بالذكر – يقول الدكتور عمرو دوارة – أنها قد تميزت بقدرتها على تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية وخصوصا التاريخية، وذلك نظرا لأن أداؤها التمثيلي بصفة عامة قد اتسم بالأداء المسرحي الكلاسيكي.
وكذلك لإجادتها التمثيل في المسرحيات المقدمة باللغة العربية الفصحى، بصوتها الآسر المميز المعبر ومخارج ألفاظها السليمة وحروفها الواضحة والتزامها الدقيق بجميع قواعد النحو والصرف.
بالإضافة إلى جمال صوتها وخصوصا في إلقاء الشعر، وقدرتها على توظيف صوتها المعبر القريب من القلب وامتلاكها لمهارات الأداء والتلوين الصوتي طبقا للمتطلبات الدرامية للدور.
هذا وتضم قائمة أعمالها المسرحية مجموعة كبيرة من الأدوار المتميزة ومن بينها بفرقة (رمسيس): مرجريت بمسرحية غادة الكاميليا، سميرة بالفريسة، سيسيل في جاك الصغير، نيتو كريت في غرام الوحش، كلير في ملك الحديد.
وبالفرقة (القومية): كليوباترة في مصرع كليوباترة، فرنسواز في قلوب الأمهات، ليلى في مجنون ليلى، فوزية هانم في أصدقاؤنا الألداء، كلارا في الذهب.
كادت أن تفقد حياتها على المسرح
ويذكر أن الفنانة القديرة (زينب صدقي) كادت أن تفقد حياتها فوق خشبة المسرح يوما ما، وبالتحديد أثناء تجسيدها لمشهد الشنق في مسرحية (أحدب نوتردام)، والذي تقوم فيه بتجسيدا شخصية فتاة تشنق نفسها في نهاية المسرحية.
ولكى يظهر ذلك المشهد واقعيا أمام الجمهور كان يتم الاستعانة بخدعة توهم المشاهد أنها بالفعل تشنق، ولكن لسوء الحظ فشل تنفيذ الخدعة في إحدى ليالي العرض لأسباب ميكانيكية، مما كان سيعرضها للشنق حقيقية لولا لطف الله.
ويلاحظ أن الله قد منح هذه الفنانة القديرة جمالا ملائكيا ووجها بريئا طيبا جميل الملامح رشحها لأن تكون بطلة بالمسرح منذ البدايات.
كما ساعدها هذا الجمال الأرستقراطي ذو الملامح التركية وخفة ظلها المصرية في اختيار المخرجين لها لتجسيد أدوار الأم أو الحماة الأرستقراطية المحافظة على عاداتها وتقاليدها في أغلب أفلامها السينمائية.
تزوجت الفنانة (زينب صدقي) في شبابها ولكن لم يدم زواجها إلا عدة أشهر، ومن المؤسف أنها كانت وحيدة قبل الزواج وأصبحت بعده وحيدة أيضا، وكان زملاء الوسط الفني والثقافي هم سندها وأسرتها.
فشاركت في كثير من الصالونات الثقافية التي كان يقيمها بعض الرواد والمثقفون وتجمع بين رموز الفن والسياسة والثقافة، ومن بينهم الأساتذة (صالح جودت، أحمد رامي، سليمان نجيب، يوسف وهبي وشكري راغب مدير الأوبرا وغيرهم.
وقد عرفت (زينب صدقي) بلباقتها ورقتها وثقافتها وأرستقراطيتها رغم مواردها البسيطة من أعمالها الفنية.
وقد تعرضت الفنانة القديرة طيبة القلب وكريمة الأخلاق والطباع (زينب صدقي) للأسف إلى تخفيض قيمة معاشها بعدما تولى الأديب أحمد حمروش إدارة فرقة المسرح القومي.
وذلك في محاولة لتقليل التكاليف بتقليص أجور ومعاشات الفنانين غير واضعا في الاعتبار الظروف الحياتية لهؤلاء الفنانين ولا إسهاماتهم الثرية وتاريخهم الفني المشرف.
وبعد عدة سنوات طويلة قام الرئيس (أنور السادات) بمنح معاش استثنائي (قدره مائة جنيه) لعدد من كبار نجوم الفن، ليعينهم على مصاريف الحياة في كبرهم ومنهم الفنانة (زينب صدقي).
ويحسب في رصيد (زينب صدقي) زرعها الخير في شبابها، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أنها عندما علمت بوفاة أحد العاملين في الأوبرا وتركه لابنة صغيرة (كوثر حسن عباس)، قامت فورا بكفالتها واعتبرتها كابنتها وأطلقت عليها اسم (ميمي صدقي)، وأغدقت عليها بما يسعدها في فترة الطفولة، واهتمت بتعليمها حتى مرحلة الشباب.
(زينب صدقي) في سنواتها الأخيرة
وتدور الأيام لتحصد (زينب صدقي) في سنواتها الأخيرة ما زرعته حينما أحسنت ابنتها رعايتها وكفلتها وغمرتها بكل مظاهر البر والعطف والاهتمام، وحتى عندما تزوجت من رجل لبناني طلبت من أمها أن تذهب معها لتقيم في بيروت.
لكن (زينب صدقي) رفضت وفضلت أن تقضي ما بقي من عمرها في (مصر)، فما كان من الابنة إلا أن استأجرت لها جناحا في مستشفى خاص لتقيم فيه وعينت لها ممرضة خاصة تلبي احتياجاتها، كما حرصت على زيارتها مرة كل شهر على الأقل للاطمئنان عليها.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لاختلاف القنوات المختلفة (سينما مسرح) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا: الأعمال المسرحية: ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة زينب صدقي، فقد تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل أساتذته (عزيز عيد، عبد الرحمن رشدي، أمين عطا الله، جورج أبيض، يوسف وهبي، زكي طليمات، عمر وصفي، فتوح نشاطي).
ومن خلاله أيضا شاركت في تجسيد عدد من أهم الشخصيات الدرامية، حتى أصبحت نجمة متوجة، وفي هذا الصدد يجب التنويه إلى أن الفترة من عام 1923 إلى عام 1953 تعد من أزهى فترات تألق الفنانة زينب صدقي مسرحيا.
علامات بارزة في السينما
ثانيا: أعمالها السينمائية: شاركت الفنانة زينب صدقي في إثراء مسيرة الفن المصري ببطولة خمسة وستين فيلما، وكانت أولى مشاركتها – وهى في عمر الثامنة والثلاثين – بفيلم «كفري عن خطيئتك» من إخراج عزيزة أمير عام 1933، وتضم قائمة مشاركاتها السينمائية الأفلام التالية: (كفري عن خطيئتك (1933)، الاتهام (1934)، لافولنت (1939)، إمرأة خطرة (1941)، على مسرح الحياة (1942)، رصاصة في القلب (1944)، أول الشهر، قبلة في لبنان، الصبر طيب، بين نارين، مدينة الغجر (1945)، دايما في قلبي، النائب العام، اليتيمة، الأحدب، عواصف، هدمت بيتي (1946).
فضلا عن (معروف الإسكافي، عدو المجتمع (1947)، فتاة من فلسطين (1948)، نادية، ست البيت (1949)، جوز الأربعة، الصقر (1950)، وداعا يا غرامي، أولادي، ليلة غرام، نهاية قصة (1951)، سيدة القطار، مصطفى كامل (1952)، أنا ذنبي إيه؟، تاجر الفضائح، مؤامرة، المرأة كل شيء، عائشة، وفاء (1953)، الحياة الحب، كدت أهدم بيتي، وعد، عزيزة (1954).
وكذلك أفلام (حب ودموع، إني راحلة، عهد الهوى (1955)، القلب له أحكام، كفاية يا عين (1956)، الجريمة والعقاب، بورسعيد (1957)، ارحم حبي، مفتش المباحث (1959)، البنات والصيف، ثلاثة رجال وإمرأة (1960)، معبد الحب، السبع بنات، التلميذة (1961).
إضافة إلى أفلام: (موعد في البرج، الزوجة 13، وفاء للأبد (1962)، سنوات الحب، ثمن الحب (1963)، الباحثة عن الحب (1964)، الراهبة (1965)، عدو المرأة، صغيرة على الحب (1966)، إسكندرية ليه؟ (1979)، لابيلور (1983).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: (عزيزة أمير، محمد كريم، محمد عبد الجواد، صلاح أبو سيف، محمود ذو الفقار، أحمد كامل مرسي، أحمد بدرخان، عمر جميعي، حسين فوزي، عز الدين ذو الفقار، حلمي حليم).
وكذلك مخرجين آخرين مثل: (إبراهيم عمارة، حلمي رفلة، جمال مدكور، حسن الإمام، عاطف سالم، هنري بركات، فطين عبد الوهاب، نيازي مصطفى، سيف الدين شوكت، حسام الدين مصطفى، كمال الشيخ، أحمد ضياء الدين، يوسف شاهين).
رحم الله الفنانة القديرة (زينب صدقي) التي عشقت الفن ومهنة التمثيل بكل الصدق فأخلصت في جميع أعمالها وبذلت قصارى جهدها في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، فاستطاعت تحقيق النجاح ووضع بصمة متميزة لها بجميع أدوارها سواء في المسرح أو السينما.
خاصة بعدما أدركت مبكرا ضرورة تنمية مهاراتها الفنية وتطوير طريقة وأسلوب أدائها بما يتناسب مع طبيعة العصر، فنجحت في تحقيق ذلك بمحاولاتها الجادة الصادقة.