رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسين نوح يكتب: (حياة الماعز).. وسينما تستحق!

بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح

تابعت معظم ما كتبه النقاد عن الفيلم الهندي (حياة الماعز)، وكانت وجهات نظر تحترم لكثير منهم، ولكن المزعج أن يصبح الفيلم مادة للتجريح في دولة شقيقة على شبكات التباعد الاجتماعي لجهابذة الهبد الساذج دون اعتبارات للعلاقات التي تربطنا بالمملكة الشقيقة وأن لنا أبناء ومنذ سنين يعملون هناك، ويعامل الكثيرون منهم بكل المودة كما يعامل المواطن السعودي في مصر بكل الود والاحترام.

إنما يا سيدي يا جهبذ، حين تتعرض السينما الهندية لحالة وتقدم عملاً درامياً لبعض الأحداث كما حدث مع فيلم (حياة الماعز)، فلك أن تعترض عن تصرف الكفيل كحالة فردية لكن ليس لك الحق أن تلحق هذا الأداء اللإنساني في منطقة صحراوية نائية وتعممها على كل المملكة، فهل يجوز ان تحكم علي دولة من خلال اداء فردي! 

(حياة الماعز) فيلم لايُسيئ للسعودية، فالفيلم قدم شخص جاف صحراوي عنيف، وتلك صفة مكتسبة من الجفاف العام الذي يعيشه.

فقد حدث معي حين كنت أدير (ستديو النهار) أن اشتكي لي الملحن السعودي (محمد شفيق)، وهو صاحب الألحان لمحمد عبده وطلال مداح، أنه أثناء وصوله إلى مطار القاهرة قابله سائق لموزين.

وأخذه كعب داير داخل شوارع القاهرة وأوصله لمصر الجديدة بعد ساعتين وجاء حزيناً غاضباً، ولكنه تقبل مني الاعتذار عن أداء فردي لجاهل لايدرك أن ذلك يدمر السياحة في بلده ويدمر مهنته.

نجح المخرج في أن يقدم وجهة نظرة في الفرق بين ثقافة شعوب قريبة من المياة وشعوب الصحراء

الفرق بين ثقافة الشعوب

وهنا أعود لتحليل ونقد وتشويه فيلم أراه يستحق كثيراً من الجوائز نعم فيلم (حياة الماعز) تم تنفيذه في أربع سنوات، ونجح المخرج في أن يقدم وجهة نظرة في الفرق بين ثقافة شعوب قريبة من المياة وشعوب الصحراء وطباع البادية والجفاف الذي يأتي أحياناً بجفاف العواطف للبعض كما حدث مع الكفيل.

وليقدم ذلك بموضوعية فقد قدم المخرج البطل (نجيب) في بيئته المائية الخضراء في مشهد السباحة في الماء بين البطل (نجيب) وزوجته، ويقدمه هو يتعرض أيضا للنصب من محتال هندي يجعله يبيع كل ما يملك ليذهب هو وصديقه إلى المملكه ليعمل في مصنع وتلك كانت خدعة من النصاب الهندي.

وحين يصل (نجيب) وصديقه المملكة يجد تصرف فردي من رجل يدعي أنه الكفيل ويأخذه الي الصحراء القاحلة، ويجعله يعيش (حياة الماعز) ويتخلص من باسبور (نجيب) ولا سبيل له إلا البقاء مع الماعز والجمال والجفاف، بل والصقور البرية التي تأكل الهندي الذي كان يتحدث معه.

يعيش (نجيب) بلا لغة للتواصل وفقط بأصوات الماعز، فلا سبيل للتعامل وتزداد المعاناة من قلة الأكل وقلة النوم وقلة الماء ويحاول (نجيب) الهرب، ولكن يقبض عليه الكفيل ويعذبه دون رحمة.

ويقترب أكثر من (حياة الماعز) التي برع المخرج في تقديم اللاند سكيب الصحراوي واستخدم تكوينات تشكيليه مستخدماً فيهاً مناظر الجبال، وهى تخترق السماء وعلاقات تكوينية بين تجمعات الماعز والخرفان ووسطها نجيب في صورة إبداعية.

تذكرت منها عظمة المبدع (دفيد لين) مخرج لورانس والعرب (لعمر الشريف) و(بيترإيتول)، وكذلك معظم أفلامه ومنها (ممر إلى الهند).

فالمغردون على شبكات التباعد الرافضون لقصة (نجيب) والكفيل ماهم إلا كفيل آخر مازال في طي الستر، وقد يكون كفيلاً بلا قلب، وهو موجود في كل المواقع ولا يحتاج لصحراء او مياة انما يحتاج ان يتنازل عن إنسانيته.

وأمامنا مثال لما يحدث من الاحتلال في غزة أمام عيون عالم ويعيش في الخضرة والماء والتحضر والوجه الحسن.

إن حياة (نجيب) ما هى إلاحياة كل مواطن بالعالم فقط حرية إبداعه وإنسانيته وتحول من إنسان إلى خروف من أجل البحث عن حياة أفضل، ويقع في شباك استغلال رأس المال المتوحش أو اللإنساني، إنه فقط تنازل عن الإنسانية التي تميز بها الإنسان عن الحيوان وحققها إعمال العقل.

الممثل الرائع (بريثفيراج سوكومار).. تعايش مع مكنون الشخصية

الممثل الرائع (بريثفيراج سوكومار)

أعود للممثل الرائع (بريثفيراج سوكومار) وكيف تعايش مع مكنون الشخصية، وعاش القهر بالعين والحركة والثُغاء والمأمأة، ونجح في أن يظهر في آخر مراحل الهروب بعد أن تخلص من أكثرمن عشرين كيلو جرام من وزنه.

ولتأكيد حنين (نجيب) لحياته فقد ذهب الكفيل لحضور فرح تخلص من  كل ملابسه وجلس تحت صنبور الماء في مشهد رائع أكدته دلالات التصوير لبداية رحلة الهروب القاسيه وسط الصحراء القاحلة والمعاناة وصراع قسوة الطبيعة وصراع الإنسان معها للبقاء في مشاهد تُكتم فيها الأنفاس في ترقب.

ويؤكد المخرج ببراعة ذلك في مشهد موت (حكيم) صديق (نجيب) من الجوع والعطش واليأس في رحلة البحث عن حياة أفضل ليجعلنا نفكر!  

قدم فيلم (حياة الماعز) شخصية الكفيل الشخص الجاف القاسي قسوة الصحراء وقدمه الممثل العماني (طالب البلوشي) بتقمص واع بتفاصيل الشخصية وإلمام مهني بأدق تفاصيلها.

لكن عظمة الفيلم أن قدم في المقابل شخصية (إبراهيم) الإفريقي النبيل، فكان المرشد والطبيب والفارس والعازف نفخاً بزجاجة المياه الفارغة، إنه الجانب المضيئ والأسطوري النبيل يضحي ليكمل صديقه طريقه ليعود لأسرته، إنها الحياة بالطيب والنبيل والقبيح ولك ان تختار من تكون، وفي النهايات تُدفع الفواتير.

السادة والسيدات أبطال العالم في إعلام شبكات التباعد الاجتماعي: رجاء من رجل في الفصل الثالث من عمره أن نتوخى الحذر والدقة في الهبد وتوزيع الاتهامات والقذف الاعمى، فالعالم العربي أصبح مُستهدف مطمع والفُرقه وعدم الوحده مدخل لتحقيق الأغراض الخبيثه وتكريس الانقسامات.

فالعالم أمامنا يقترب من المجهول ولندرك جميعاً أنه لا يجوز ولا يصح أن يصبح فيلم أو مباراة كرة سبباً لخلاف بين الأشقاء!.. إنها دعوة لليقظة وإعمال العقل فمصر غالية وتنطلق وتستحق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.