بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
طالعتنا وزارة (الثقافة) ببيان لها منذ أيام – تم نشره أيضا من خلال رئاسة الوزراء – تؤكد فيه أن الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة الجديد، سيعقد سلسلة من اللقاءات المكثفة (حسب نص البيان) مع مختلف أطياف العمل الثقافي والإبداعي والفني.
بما في ذلك الأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين والعاملين في الحقل الثقافي، على جميع المستويات، وأشار البيان أن الهدف من عقد هذه اللقاءات المرتقبة، يتمثل في مناقشة الرؤى والأفكار والطموحات التي يحملها (كل) فاعل ثقافي، والاستماع إلى مقترحاتهم وآرائهم حول مستقبل (الثقافة) في مصر.
إلى جانب التعرف على المعوقات التي تواجه العمل الثقافي، والمشاكل العاجلة التي تحتاج إلى حلول فورية، و من خلال البيان لفت الوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو، إلى أنه بناءً على النقاشات والآراء، سيتم وضع خطة عمل تفصيلية، تساهم في تحقيق استراتيجية التنمية الثقافية، وبناء الإنسان.
والحقيقة أننا لا نعرف على وجه اليقين هل جاء البيان ردا على الطلبات العديدة لمقابلة الدكتور الوزير التي انهالت على مكتبه بمجرد حلف اليمين، والرسائل الكثيرة التي تضمنت بعضها شكاوى وتظلمات اخترقت خصوصية الوزير.
ووصلت الى تليفونه الشخصى – حسب ما يشاع – أم أن الأمر جاء ردا على دعوى جهات أدبية لاتتبع الوزارة مثل (ورشة الزيتون)، لعقد مؤتمر لمناقشة مستقبل (الثقافة) في مصر؟ أم أن الأمر لا يرتبط بهذا أو بذاك.
وإنما جاء نتيجة – كما قال البيان – لجولات تفقدية مكثفة قام بها الوزير على عدد من المؤسسات الثقافية، والاستماع إلى آراء القائمين على قطاعات وهيئات الوزارة والفنانين والعاملين بها، عن كثب، كما قام بمراجعة شاملة للسياسات والهياكل التنظيمية القائمة.
دعوى محمودة من وزير (الثقافة)
في جميع الأحوال هي دعوى محمودة من الدكتور وزير (الثقافة)، أيا كانت أسبابها، و لكن علينا أن نتوقف قليلا أمام بعض النقاط الهامة: ماهو تعريف الوزارة لـ (أطياف العمل الثقافي والإبداعي والفني)؟ و من هو الفاعل الثقافي من وجهة نظرها؟
يبدو أن الإجابة تكمن في كلمة (كل) التي ذكرها البيان، وهو ما يهدد هذه الدعوة في صميمها. فلو اخذنا المسرح على سبيل المثال – و هو جانب واحد من جوانب العمل الثقافي المتعددة – فإنه ينقسم حسب جهة انتاجه الى مسرح دولة وقطاع خاص، وفرق مستقلة و(الثقافة) الجماهيرية.
(ونستثنى هنا المسرح المدرسي، والمسرح الجامعي لتبعيتهم الى وزارات أخرى)، هل يجتمع الدكتور الوزير مع ممثلي كل نوعية من هذه النوعيات؟، ألا تدرك الوزارة حجم الخلافات والاختلافات داخل النوعية الواحدة؟
ففي مسرح الدولة – على سبيل المثال – هل يجتمع مع موظفيه وقياداته فقط؟، أم هناك متسع للمتعاملين معه من الخارج؟، هل يستدعى القيادات القديمة التي خرجت إلى المعاش؟، وهل يجتمع كل هؤلاء مع الشباب الذين يرون أن مشاكل المسرح بشكل مختلف تماما؟
وهل لو نست الوزارة أحد ما – مدام بيان الوزارة قد قال: الكل – ألن يقيم الأرض ويقعدها، ويتهم الوزارة بالتقصير؟، أليست دعوات المهرجان القومى – وهو مجرد مهرجان – تثير الزوابع وتطلق الألسنة بما نعف عن ذكره كل عام لمجرد عدم وصول الدعوة لبعض الأشخاص، مع احترامنا لهم جميعا؟، فما بالك بدعوى الوزير؟!
هذا من ناحية تصنيف المسرح حسب جهة الإنتاج، أم إذا تكلمنا عن مشاكل المسرح من الناحية المهنية، فهناك مؤلفون ومخرجون وممثلون ومهندسى ديكور ومصممى ملابس، وعشرات المهن الأخرى التي لها شكاواها هى أيضا، فهل نضع كل هؤلاء في سلة واحدة و(أهو كله مسرح).
ومن جهة أخرى: هل يضم المسرح لاعبى السيرك، وراقصى الفنون الشعبية، وهم زملاء لنا، ولكن تختلف مشكلاتهم عن مشاكل باقى المهن؟
قد يبدو حديثى هذا اعتراض على (لقاءات الدكتور الوزير)، ولكنها مجرد ملاحظات (إجرائية)، أملا في تثمر هذه اللقاءات عن قرارات تؤدى إلى (النهوض بالقطاع الثقافي في مصر، وتحقيق مكانة متميزة للثقافة المصرية على المستويين الإقليمي والدُولي ) كما قال البيان.
فهل يعلم الدكتور الوزير أن عشرات الندوات والمؤتمرات عقدت من أجل وضع استراتيجية أو تحسين الخدمات الثقافية أو حل المشاكل الادارية، وكان آخرها مؤتمر ثقافة مصر فى المواجهة.
والذى كان أحد منجزات اعتصام الفنانين والمثقفين بوزارة (الثقافة) في 2013، وشارك فى المؤتمر أكبر عدد من المثقفين من كافة الاتجاهات الفكرية ومختلف المناطق الجغرافية، وانتهى باصدار مجموعة من القرارات والتوصيات فى كافة مناحى العمل الثقافى مشفوعة باوراق عمل.
لجنة المسرح بالأعلى للثقافة
ولكن – ككل مؤتمر وندوة – لم ينفذ مخرجاتها أحد!، فلماذا لا يكلف الدكتور الوزير لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة بصفتها بيت الخبرة، وجهة الاختصاص بجمع جميع قرارات وتوصيات مؤتمرات المسرح منذ سبعينات القرن الماضى.
ودراستها لاستخلاص توصيات قابلة للتنفيذ، تُطرح للنقاش العام من خلال مؤتمرات او موائد مستديرة.
ولكن هل هذا يكفى لحل مشاكل ومعوقات العمل الثقافي؟
بيان وزارة (الثقافة) يقول أن نتيجة تلك اللقاءات سيتم وضع خطة عمل تفصيلية، تساهم في تحقيق استراتيجية التنمية لثقافية، وهنا يكمن السؤال الذى يجب أن ننطلق منه: ما هى استراتيجية التنمية الثقافية؟
إن خطاب السيد رئيس الجمهورية بتكليف حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، ينص على تطوير ملفات (الثقافة) والوعي الوطني، والخطاب الديني المعتدل على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.
وتلك هى المهام الموكل بها الدكتور هنو وزير الثقافة، ومن أجل تحقيقها يجب أن تتكامل جهود وزارة (الثقافة) مع وزارات التعليم والتعليم العالى والشباب والأوقاف والآثار والمجلس الأعلى للإعلام، كما يتقاطع عملها مع وزارتى الداخلية والتنمية المحلية وتتحكم فيه وزارة المالية.
فأى ثقافة نتحدث عنها وكل وزارة جزيرة منفصلة؟، والمفترض أن تتعاون كل هذه الوزارات من خلال استراتيجية موحدة؟، فهل وضعت الدولة هذه الاستراتيجية – التى بالقطع لها اهداف سياسية – واستقرت عليها، وحافظت على استمرار العمل بها؟
أم أن وضعها مسئولية كل وزير حسب هواه، ومن حق الوزير التالى أن يغيرها – كما يحدث غالبا؟، فوزارة (الثقافة) ومنذ نشأتها لم يكن لها استراتيجية ثابتة، (وأكرر ثابتة) حتى فى عصرها الذهبى (عصر عبد الناصر)، فكما يقول دكتور ثروت عكاشة: (تراوحت الدولة ما بين الاهتمام بالكم أو بالكيف).
في وجود الدكتور عكاشة
وصار وجود الدكتور عكاشة أو الدكتور عبد القادر حاتم، على مقعد الوزير مؤشرا على الانحياز لأى إتجاه منهما.
إن تحديد استراتيجية ثقافية تحقق خطاب التكليف الرئاسي سيضمن للجميع أرضية عمل مشترك، ويطمئن الخائفين من مصطلح (الاستثمار من خلال الثقافة) أن ينحرف إلى مجرد بيع الأصول أو غلبة السعي إلى تحقيق عائد مادى من خلال العمل الثقافي.
وننسى أن الثقافة عائدها الأساسى هو بناء الإنسان في وطن يواجه تحديات عديدة داخلية وخارجية، وتعرقل مسيرته مصاعب ومصالح، وتقاوم تقدمه معوقات وضغوط.
بالفعل نحن فى حاجة ماسة لإدارة حوار جاد ومخلص حول مشكلات (الثقافة) ومايسمونه حاليا بالصناعات الثقافية، حوار يتعمق فى أساس المشكلات دون سفسطة ودون استعراض لمصطلحات.
حوار يخلو من تصفية الحسابات وانتظار المكاسب، حوار يشارك فيه الجميع دون ان يُجهّل بعضنا البعض أو نسفه اراء الآخرين، ولكن بعد أن نحدد استراتيجية ثقافية نتفق عليها و نعمل من خلالها، فهذا ما سيدفع جميع العاملين في المجال الثقافي، إلى التعاون والعمل بروح الفريق الواحد.
فتحقيق النهضة الثقافية المنشودة يتطلب تضافر الجهود، وتوحيد الرؤى (حسب ما جاء في البيان)، وليس لدى تفسير لتوحيد الرؤى، سوى أن توجد استراتيجية نتفق جميعا عليها الفنان والمدرس وخطيب الجامع ورجل الإعلام.
وإجابة على سؤال: كم سيستغرق وضع الاستراتيجية من وقت؟، أقول ببساطة أن الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، قد قام بوضع (المنظومة الثقافية للدولة المصرية)، بمساعدة مجموعة من أساتذة الجامعات وكبار المثقفين، وبمشاركة الوزارات المعنية، كأول استراتيجية متكاملة للثقافة المصرية بعد ثورة 30 يونيو.
ووقع بروتوكلات لتنفيذها مع هذه الوزارات، و لكن المنظومة اختفت بإزاحة الوزير عن منصبه، و تم محو كل شيئ بمجرد خروجه من الوزارة، و لكن لله الحمد ما زال تلاميذه يحتفظون بنسخ منها، فهل يطلبها الدكتور الوزير؟
وللحديث بقية..