تشويه تراث (فرقة رضا) المبهر على يد (خالد جلال)!
كتب: محمد حبوشة
ليلة أمس، حضرت احتفالية (أيام الثقافة الصربية في مصر)، التي نظمتها وزارة الثقافة المصرية، بالتعاون مع نظيرتها الصربية، بمناسبة الاحتفاء بمرور 116 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وشاهدت على الطبيعة تشويه (فرقة رضا) على يد المخرج (خالد جلال)، الطفل المدلل لوزارة الثقافة، والذي يطلق عليه البعض (العبقري والمعجزة)!
ربما كانت الحسنة الوحيدة في فعاليات هذه الاحتفالية، في الفيلم التسجيلي عن روعة المكان في مناطق متعددة من أنحناء صربيا التي تتمتع بجاذبية خاصة تنقلك إلى أجواء مبهجة، تؤكد جمال تلك الطبيعة الساحرة.
أيضا كلمة السيدة (تمارا فوتيتش)، قرينة الرئيس الصربى، التي أكدت: أن الحضارة المصرية هى واحدة من أقدم وأعظم الحضارات فى العالم، معربة عن سعادتها بزيارة مصر أكثر من مرة، وأكثر من مدينة، مؤكدة أنها دائما تشعر بأن مصر بلدها الثاني.
وتابعت (فوتيتش)، أنها لم تشعر أنها فى زيارة عمل أو زيارة رسمية، لأن مصر وصربيا يشتركان فى العديد من النقاط الثقافية، مشيرة إلى أننا نحتفل بمرور 116 عاما على العلاقات بين البلدين، وأن هذه العلاقات شهدت تتويجاً منذ عامين بزيارة الرئيس عبدالفتاح لصربيا وكانت زيارة تاريخية.
وأشارت قرينة الرئيس الصربي إلى أن الشعب الصربى يحرص دائما على زيارة مصر، داعية المصريين لزيارة صربيا أيضا لما تمتلكه بلادها من العديد من الأماكن السياحية والتاريخية والحضارية.
مستقبل أكثر إشراقا للثقافة
والحسنة الثانية هى كلمة وزير الثقافة الدكتور (أحمد هنو)، الذي كان ملئه النشاط والحيوية والتفاؤل بمستقبل أكثر إشراقا لوزارة الثقافة المصرية في عهدها الجديد، حيث قال في كلمته: اليوم نلتقي لنحتفل بالأيام الثقافية الصربية في مصر، التي تتزامن مع مرور مئة وستة عشر عامًا من العلاقات الدبلوماسية المتميزة بين البلدين.
وشهدت تعاونا ثقافيا مثمرا في العديد من المجالات، منها إصدار ترجمات صربية لكثير من الأعمال الأدبية المصرية، من أبرزها ترجمة روايتي (الأيام، ودعاء الكروان)، لطه حسين، و(الحرافيش)، لأديبنا الكبير، نجيب محفوظ، وغيرها من الأعمال الأدبية المتميزة التي نشرت خلال السنوات الماضية باللغة الصربية.
وأشار (هنو) إلى مشاركة مصر كضيف شرف في معرض بلجراد الدولي للكتاب، واليوم يُتوج هذا التعاون بتنظيم أيام الثقافة الصربية في مصر، التي نأمل من خلالها إتاحة الفرصة للجمهور المصري للتعرف على ملامح من الثقافة الصربية، إضافة إلى التعرف على التاريخ المشترك بين البلدين.
واختتم وزير الثقافة، كلمته قائلا: (اسمحوا لي أن أتوجه، بالشكر لسيدة صربيا الأولى، وأن أتوجه كذلك بالشكر لكل الفنانين والمبدعين من البلدين، الذين أطمح أن يجعلوا هذه الفعاليات فضاء للبهجة والوعي، والاحتفاء بقيم التنوع الثقافي.
ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر لكل الشركاء الداعمين لهذا النشاط، وعلى رأسها، وزارة الخارجية المصرية، والهيئة العامة للتنشيط السياحي، وسفارتنا في زغرب، ولزملائي العاملين في وزارة الثقافة.
وأدعو الجميع أن يشاركونا الاحتفاء بالثقافة الصربية، وأن يعلنوا بمشاركتهم أن مصر ستظل دائما إحدى عواصم الفكر والفن والثقافة والإبداع، ليس فقط بمبدعيها دائمي التجدد، بل أيضا بشعبها الأمين على تراثه، الداعم لفنونه، المرحب بكافة إبداعات العالم وثقافاته.
أسوأ ما في هذه الاحتفالية
لكن يظل أسوأ ما في هذه الاحتفالية كان الرقص الشعبي من جانب فرقة (كولو) الصربية، وفرقة رضا المصرية)، فعلى الرغم من تعدد رقصات الفرقة الصربية، وأشهد أن الديكور كان مناسبا للرقصات إلا أنه يمكن تلخيصها في رقصة واحدة، على مستوى الحركات والموسيقى المتكررة.
أما (فرقة رضا) فحدث ولاحرج، راقصون مرتبكون، وديكور سيئ إلى أبعد الحدود، بفضل خلفيات تاهت فيها حركات الراقصن، حيث شاهدنا تكرارا للخلفيات بصورة أفسدت المشهد برمته وضاع الإيقاع في زحمة الألوان.
نعم الديكور كان نقطة الضعف الأبرز، ثم تأتي حركة الرقصين والرقصات على غير هدي تصميم المبدع الكبير (محمود رضا)، ومع تجديد التوزيع الموسيقي الذي جاء ضعيفا وغير معبر، إلا أنه ظل يحمل روح الموسيقار الرائع (على إسماعيل) بتيماته التي اعتادت عليها الأذن المصرية.
كنت أتوجع وأتضور ألما مع رقصات (فرقة رضا): (الدحية، اسكندراني، الأقصر بلدنا، الحجالة، حلاوة شمسنا، التحطيب، العتبة جزار، بائع العرقسوس، الكرنبة، النوبة)، ربما الرقصة المشتركة من كلا الفرقتين، كانت الأفضل في نهاية الاحتفالية.
لا إبداع يوزي (محمود رضا)
في اعتقادي الشخصي: لا إبداع يوزي تصميمات (محمود رضا) على مستوى الرقصات التي جاءت ضعيفة للغاية في العروض الحية التي شاهدناها، ولا الموسيقي التي تم التصرف فيها على نحو أفسد روح (علي إسماعيل)، ومع ذلك استمتع الحضور بروح (فرقة رضا) التي كانت تراود المخيلة قديما عندما كان الإبداع عنوانا لها.
حزين جدا على حال (فرقة رضا)، التي تم اغتيالها في حضرة (محمود رضا)، حيث تم تأميمها ما أصابة بحالة من الحزن والاكتئاب، حتى رحل عن عالما متألما لحال فرقته التي كانت يوما سفيرا فوق العادة للفن المصري، وأحد أقوى عناصر القوى الناعمة المصرية في عصر الفتوة الفنية.
في أثناء مشاهدة رقصات (فرقة رضا)، رغم الضجيج والعشوائية، كنا نتذكر (العبقري (محمود رضا) برشاقته وخفة حركته على المسرح، ومن حوله تجوب (فريدة فهمي) الخشبة كفراشة تواقة للضوء، لكنه ليس ضوء احتراق الفراشة، بل حركات تعكس شفافية المتصوف العاشق لفنه الرقص في أبهى صوره ورقي معانيه.
تكمن المشكلة الأعمق في معالجة (خالد جلال) في أنه لم يستوعب روح الرقص الشعبى، رغم أنه مخرج متميز في المسرح: ولست أدري من أين أتى بالمادة التى يستلهم منها لوحاته الراقصة؟ ليكون الناتج غير مبهر ويفقد دهشته التي أذهلتنا قديما.
أغلب الظن أن تراجع مستوى (فرقة رضا)، بسبب أنه تم إهمال فنان فى حجم (محمود رضا)، بعد تم تأميم الفرقة عام 1962، وأصبحت قطاعا فى وزارة الثقافة، والبقية معروفة ومتوقعة كما نعرف ونحس بالماضي العريق لفرقة أذهلته الدنيا كلها، بمصريتها التي كانت تحلق في الآفاق.
لقد ضاعت بهجة (حلاوة شمسنا .. وخفة ضلنا.. الجو عندنا ربيع طول السنة، ربما لأننا الآن نعيش أجواء موجات الحرارة الحارقة في هذا الصيف القائظ، ومن ثم تراجع مذاق واحدة من أشهر الأغنيات التى قدمتها (فرقة رضا) بمصاحبة استعراضاتها المبهرة.
هذه الفرقة الاستعراضية الشهيرة ذلك ستظل واحدة من الحالات الفنية الأكثر حضورا فى الوجدان الشعبى استطاعت أن تصنع البهجة بالرقص وإيقاع الجسد وأن تعيد إنتاج تراثنا الشعبى وتقدمه فى تابلوهات شديدة الروعة والسحر والجاذبية.
جعلت للرقص الشعبى مكانة
(فرقة رضا)، هى التى جعلت للرقص الشعبى مكانة واحتراما غير مسبوقين لدى المصريين، ومن هنا لم تكن (فرقة رضا) للفنون الشعبية مجرد فريق للرقص الشعبى، بل تجاوزت ذلك وتحولت إلى سفير مصرى للعالم يمارس التأثير والنفاذ إلى وجدان الشعوب المختلفة، ليتجلى عبر ما قدمته الفرقة مفهوم قوتنا الناعمة بشكل قوى.
ولايمكن الفصل إطلاقا بين تاريخ (فرقة رضا) من جهة ومسيرة وحياة كل من (على ومحمود رضا وعلي إسماعيل) من جهة أخرى، فقد بدأ (محمود رضا) اهتمامه بالفنون مبكرا وتعلم رقص الباليه وبدأ يهتم بالرقص الاستعراضي.
واشترك فى نادى (هليوليدو) الذى كان يضم العديد من الجنسيات الأجنبية، ومن المصريين من أصل أجنبى فى تكوين أول فرقة استعراضية، ضمت فى بداياتها خمس فتيات وخمسة فتيان من أعضاء النادي، وقدم من خلال تلك الفرقة الصغيرة عددا من الحفلات الشهرية بالنادي.
ومع ذلك لم يتمكن (محمود رضا) طوال التاريخ الممتد من 1961 حتى 1990، وهو عام بلوغه سن المعاش أن يستوعب دوره كموظف حكومى وليس فنانا مبدعا، وظل فى حالة توتر دائمة مع كل وزراء الثقافة الذين مروا فى تاريخ مصر المعاصر منذ عبد القادر حاتم حتى فاروق حسنى.
التاريخ طويل ذو شجون وشئون، وخاصة أنه مفعم بالإبداع والإنجاز الذي قدمته (فرقة رضا) على مدار 65 عاما، منذ بداية تأسيسها عام (1959)، ومرورها بلحظات ضعف امتدت لأكثر من 40 عاما من الإخفاقات في رحلة فرقة كانت يوما منارة للثقافة والتنوير، ونشر البهجة في نفوس المصريين.
وأخيرا أقول: رحم الله (محمود وعلي رضا، وعلي إسماعيل) الذين سيظل التاريخ المصري يذكرهم بالفخارالذي يقترن بالإبداع الحقيقي.. (ليتني لم أرى الصعود هبوطا في هذا الزمن الردئ)!