كتب: محمد حبوشة
يذكرني المسلسل العراقي (آمرلي) بالمسلسل الملحمي (ليلة السقوط – رمضان 2023)، لكن شتان بين هذا وذاك على مستوى الحركة والسكون والتراجيديا الإنسانية، فلقد لاحظت أن مسلسل (آمرلي) يخلو من الإثارة عدا بعض مشاهد المواجهة الساخنة بين (داعش) والأهالي والجيش العراقي.
ربما هى نفس البيئة الحربية التي يشترك فيها (آمرلي) مع (ليلة السقوط)، لكن يبقى الإيقاع هنا مختلفا، فيفترض أن (آمرلي) هو ملحمة رومانسية بسياق إنساني، وتدور أحداثه في إطار درامي اجتماعي تشويقي، ولكنه يخلو من التشويق على مستوى الرومانسية الباهتة التي يشوبها الشك دائما.
ويتحدث (آمرلي) عن قصة الدكتور (رافد/ مصطفى زماني) الذي يتعرض لضغوطات، تجبره وعائلته على الانتقال إلى مدينة (آمرلي) لتبدأ الأحداث بالتداعي، ضمن سياقات عدة، كان يفترض أن يكون للسياق الإنساني، الدور الرئيسي فيها.
العمل من تأليف الكاتب العراقي الشاب (جعفر تايه) – وهو تايه فعلا في أحداث غير متماسكة – وإخراج المخرج السوري أحمد إبراهيم أحمد، الذي أخفقت كاميرته تماما في هذا المسلسل التلفيقي الذي خلا من الترابط بين المشاهد.
وبطولة الفنان الإيراني (مصطفى زماني) – صاحب دور يوسف الصديق في مسلسل النبي يوسف ذائع الصيت – لكنه يسجل في (آمرلي) حضورا باهتا، وخاصة أنه لايتحدث العربية وقد أفسد الدوبلاج كثير من روح الشخصية.
ولكن يحسب للفنان (كاظم القريشي) براعة الأداء في دور (العقيد مصطفى)، فقد اتسم بالقوة والاتزان والتعبير عن كفاءة الجيش العراقي، بحيث استعاد أمجاده التي كانت في سمو وفخار، وتماهي مع السخصية التي كانت تمثل الشجاعة والحنو في آن واحد، وأيضا (رامز الأسود) في دور (أبو معاذ) الداعشي في انتقامه وجنوحه نحو حافة الهاوية بالتنظيم اللعين، حيث غرق في براثن التطرف بقدرة هائلة على الأداء الانفعالي باحترافية عالية تؤكد موهبته الكبيرة.
أيضا كان هناك حضور لبعض الممثلين مثل (ناريمان الصالحي، عواطف السلمان، ليلى محمد، مازن محمد مصطفي، سارة البحراني، تحرير الأسدي، صفا نجم، رنيم التميمي، طلال هادي).
وجهاء وشيوخ مدينة (آمرلي)
كان مخططا أن مسلسل (آمرلي) سيعرض قصصا إنسانية واجتماعية في ظل ظروف صعبة عاشها الشعب العراقي، لكنه جنح نحو العشوائية في مشاهد مرتبكة وغير مترابطة.
فعلا كان مع وجهاء وشيوخ مدينة (آمرلي)، كل الحق في اعتراضهم ومطالبهم للنائب (فالح الخزعلي)، بوقف مسلسل (آمرلي)، لأنه (يشوه الحقيقة)، فقد شهدت هذه المدينة التركمانية المهمة، والتي تقع داخل حدود محافظة صلاح الدين العراقية، عقودا من الاضطهاد، كان آخرها ما حدث لها إبان غزو تنظيم (داعش).
صحيح أن مسلسل (آمرلي) قدم تاريخ حصار المدينة من طرف (داعش)، والذي امتد لأكثر من ثمانين يوما، ولكنه شوه الحقيقة فعلا، فبعد سقوط الموصل، عزلت داعش مدينة (آمرلي)، وفرضت الحصار عليها، لأنها مدينة تركمانية شيعية يسكنها بعض السنة، وقطعت عنها الماء والغذاء، وهاجمتها بمدرعات ودبابات.
إلا أن الأهالي نظموا أنفسهم، وصمدوا، واستطاعوا قتل ما يقارب ثمانمئة عضو في داعش، إلى أن استطاع الجيش العراقي إنهاء الحصار على المدينة، وهزيمة التنظيم، إلا أن مسلسل (آمرلي) نسب الفضل إلى الفصائل الإيرانية المسلحة، ولتأكيد هذه الرواية على ما يبدو، أُسند دور البطولة لمصطفى زماني، وهو ممثل إيراني فشل في تجسيد دوره.
طالب أهالي المدينة بإيقاف المسلسل، لأنه لم يحترم تضحيات (آمرلي) وأهلها، ولم يكن أهالي المدينة وحدهم من اعترض، إذ أن (سرايا السلام) التابعة للتيار الصدري، أعلنت بدورها موقفها ضد المسلسل، ومطالباتها بوقفه، لأنه أيضا لم يذكر تضحيات قطعات السرايا، التي ساعدت في تحرير المدينة.
يمكن فهم هذا الصراع أكثر، إذ علمنا أن المسلسل من إنتاج (القناة الرابعة)، وهى قناة تابعة لحنان الفتلاوي، إحدى أبرز الشخصيات في الحكومة الإطارية، وهو الذي انعكس على جعل المسلسل (21) حلقة بدلا من (30) كما كان مخططا له.
وهكذا فإن الإطار التنسيقي الذي يتهمه كثيرون بالتبعية لإيران، متهم أيضا بتصدير رواية قائمة على حذف تضحيات العراقيين، وتصدير (المقاومة الإيرانية) على أنها الدرع الحامي لمدن العراق.
وبالعودة إلى تاريخ مدينة (آمرلي) سنجد أن أهالي المدينة قدموا تضحيات كبيرة، وانصهر الشيعة والسنة والتركمان في بوتقة واحدة ليسجلوا تضحيات وبطولة غير مسبوقة في مواجهة تنظيم (داعش) اللعين.
تفاصيل معركة آمرلي
انطلقت العمليات العسكرية فجر يوم الأحد (31 /8/ 2014)، إذ شنت فصائل الحشد الشعبي هجوما على معاقل عصابات (داعش)، وتمكنت القوات المسلحة بفتح المنفذ البري، ثم فك الحصار عن الناحية ودخول (آمرلي) بعد الظهر يوم الأحد عن طريق ناحية سليمان بيك وقضاء العظيم.
لم يوضح المسلسل هذا من قريب أو بعيد، ولم يبرز دور طيران الجيش والقوة الجوية والمدفعية منذ انطلاق عملية التحرير بدك أوكار الجماعات الإرهابية في القرى القريبة من (آمرلي)، الذي ساعد الفصائل العسكرية مع بدء العمليات من الدخول إلى ناحية آمرلي بعد أن تم تحرير قريتي (جردغلي والسلام) الحدودية للناحية.
فلم يظهر في المسلسل دور الطيران الحربي سوى ثلاث طلعات للهيلوكبتر فشلت إحداهم ونجحت الاثنين الآخرين في إنذال المعونات وبعض المقاتلين، وهو الأمر الذي لم يوضح أن طلعات الطيران هى من أدت الى قتل واعتقال العديد من الارهابيين، وفرار المئات منهم الى أماكن مجهولة.
وفي يوم الاثنين الموافق (1/9/2014) كانت بشرى فك الحصار عن (آمرلي) الذي بدأ في العاشر من يونية عام 2014، وتطهير جميع القرى التابعة لها، بعد معركة شارك بها القوات الأمنية والحشد الشعبي لدحر (داعش)، وقتل أكثر من (700) داعشي.
فيما استشهد من آمرلي (100) شخص، ثم دخلت فصائل الحشد الشعبي والقوات الأمنية الناحية بعد 84 يوماً على الحصار، وهذا اختفي تماما من أحداث المسلسل الذي ركز على قصة حب مذبذة بين (رافد) و (هالة) فيما اختفت الإثارة تماما.
لم تشمل أحداث مسلسل (آمرلي) المعركة انطلقت من ثلاثة محاور، هي الطوز صوب قرية السلام وبسطاملي (شمالا) ومحور كفري آمرلي (شرقا) ومحور العظيم انجانه (جنوبا).
ولم تركز القصة على دور قوات الجيش العراقي – اللهم دور العقيد مصطفى – حين هاجمت (داعش) من جنوب آمرلي فيما هاجم الحشد الشعبي من كفري وهاجمت من محور ثالث قوات البشمركة والحشد الشعبي.
لم يقدم (آمرلي) أي ملحمة
ظني أن هذا المسلسل كان يمكن أن يقدم ملحمة رائعة على غرار (ليلة السقوط) لأن صمود آمرلي كان اسثنائيا، وقدمت نموذجً يحتذى به في الدفاع المستميت عن الأرض بل ضربت أروع مثلا في التلاحم والتراحم بين أهلها في فترة صمودها الأسطوري.
لقد كان حصار (آمرلي) من كل الجهات (360 درجة) ولمدة 84 يوما، فبعد سقوط القرى المحيطة بها التي تربو عن ست وثلاثين قرية.
شمر أهلها عن سواعدهم، واتخذوا موقفا واحدا لا ثاني له، هو مقاومة (داعش) وبالأسلحة المتوفرة التي كانت قديمة ومحدودة موجودة في بيوت الأهالي.
لم يستند مؤلف مسلسل (آمرلي) إلى رواية بعض أهالي المدينة، والذين ذكروا أن سقوط محافظتي الموصل وصلاح الدين السريع جدا بيد التنظيم الإرهابي لم يترك للأهالي الوقت الكافي للاستعداد والتزود بالأسلحة والمؤن.
فلو أن المؤلف عاد إلى الأحداث الحقيقية التي تقول إن رجال العشائر اجتمعوا وقرروا المواجهة حتى حوصر القضاء بعد ثلاثة أيام فقط، وهى مدة غير كافية بالمرة، لكن إصرار الأهالي جعلهم جميعا مندفعين على الساتر حتى النساء، وهكذا كان كفيلا بصناعة أحداث مأساوية تشد من عضد الدراما في المسلسل.
لو دارت الكاميرا جيد نحو المصدر الرئيسي للأسلحة هو ما متوفر في البيوت، وهي قديمة ومحدودة، كانت بعض العوائل المتكونة من خمسة أفراد تجدهم على الساتر جميعاً ولكنهم يملكون سلاحا خفيفا واحدا ينتظرون استشهاد أحدهم ليتلقفوه ويسدوا مكانه.
وبعضهم ينتظر اقتراب الداعشيين للاستلاء على سلاحهم، وظني أن هذا كان دافعا قويا لخق التراجيديا المأساوية في قلب الأحداث الدامية، من خلال حكايا وقصص كثير من رحم النظال والتصدي.
ويوضح الأهالي: كان جميع الرجال على الساتر، وعلى الرغم من أن النساء كانت مستعدات بالسكاكين لكن لم تحتاجهن السواتر؛ فآمرلي معروفة بالشجاعة والكرم ولا يقبلون بالضيم والعدوان.
وهذه الخصال التي – غابت عن المسلسل – ورثت من الأجداد، وسار الأبناء على نهج سلفهم بالتصدي ثانية للعدو الداعشي الذي لا يمت بصلة للمجتمع العراقي ولا للمجتمع الآمرلي.ب
جهود (أبوهالة) في حفر البئر
ربما أشار مسلسل (آمرلي) إلى أن انقطاع الكهرباء كان متوقعا، لكن لم نكن نتوقع انقطاع الماء، كما يكمل لنا راويا: إذ رأينا في صباح أحد الأيام في الطرق المحاذية للقضاء سيارات كبيرة اعتقدنا أنها محملة نفطا لتهريبها.
لكن أتضح أنها لملء خزانات مياه القضاء بالنفط الأسود! فقطع الماء عنا فكانت الآبار الارتوازية المنقذ من الهلاك عطشا، أشار المسلسل إلى جهود (أبوهالة) في حفر البئر الارتوازي في وسط المدينة، لكنه لم يشر إلى ملئ الخزانات بالنفط الأسود.
واقع الحال يقول إن (داعش) استهدف القضاء استهدافا كبيرا، فقد صد الأهالي 30 هجمة انتحارية، وكانت هدفا لـ 20 إلى 30 قذيفة هاون يوميا، لم يرصد المسلسل سوى مواجهة واحدة بالتعاون بين الجيش والأهالي، ثم المواجهة الأخيرة التي كللت بالنصر.
ولم يدرك صناع المسلسل أن أسباب استهداف (آمرلي) أنها تشغل موقعا استراتيجيا رابطا بين المدن، وكانت تسمى قديما طريق الحرير، وفشلت محاولات احتلالها مرات عدَة، لذا كانت تشكل حجر عثرة في طريق التنظيم الإرهابي لعدم تمكنه من الاستحواذ عليها.
يسرد لنا الأهالي مالم يوجد في المسلسل إلا لماما عن قصص التلاحم والتراحم بين الأهالي منها: فقد قرر الجميع أن يصبح القضاء كبيت واحد، وما في بيت أحدهم يعد ملكا للجميع ويعيشون على التكافل والتقاسم ما في بيوتهم،
فكانت عوائل عدة تجتمع في بيت واحد لطبخ قدر واحد للاقتصاد، إذ أصبح الملح شحيحا والطحين نفد ويخبز بلا خميرة، والمادة الغذائية التي كانت متوفرة بكثرة هي اللحم واللبن، لأن المنطقة زراعية والمواشي والأغنام كثيرة فكان الذبح على قدم وساق ويوزع على البيوت بلا مقابل.
كما يسردون لنا حكايات تفوق الخيال عن صمود هذه المدينة، فعلى الرغم من تواصل مروحيات طيران الجيش والقوة الجوية بالهبوط على القضاء لتزويدهم بالأرزاق والعلاج وإخلاء الجرحى والنساء، فحدث أن تأخرت المروحيات لسبب ما، فكان أن أُصيب طفل بقذيفة.
ولأن القضاء لا يحوي مستشفى بل مركزا صحيا فقط، صعب الأمر عليهم معالجة الطفل، فاضطر أهله إلى بتر ساقه بمنشار عادي لإنقاذ حياته!، كان هذا يمكن أن يصنع مشاهد تراجيديا تعمق الدراما في المسلسل.
وشكلت غرفة عمليات متكونة من 65 شخصا، هم: بعض الآمرليين وأفراد من القوات الأمنية المنسحبة من الموصل ومتطوعين من محافظات العراق.. تطوعوا للقتال مع الأهالي ضد داعش، فحفرت الخنادق وصدت الهجمات الانتحارية.
هى قصص كان يمكن أن تصنع دراما حقيقية عن نضال وتضحيات أهالي (أمرلي) لو أمسك المؤلف بخيوط درامية متماسكة مستوحاة من رواية الأهالي الأصلية، ومن ثم كنا قد استمتعنا بمسلسل حربي يحكى بطولات أسطورية لطائفة من الشعب العراقي.